الباحثة شذى خليل*
مساعي إيران لتقوية نفوذها في المنطقة العربية عن مسار اقتصادي مهم بربط لسكك الحديد يصل إيران بضفة المتوسط عبر العراق وسوريا.
مع استمرار العقوبات الأمريكية على طهران نتيجة استمرارها في تنفيذ مشروعها النووي، تسعى إيران الآن إلى إيجاد متنفس اقتصادي لها عبر العراق، الذي يعد البوابة الوحيدة للخروج من ازماتها الاقتصادية، مشروع سكك الحديد لقى اهتمام استثنائي من قبل الجانب الإيراني لما سيحققه في حال تنفيذه بمختلف مراحله، من جملة من الأهداف الاستراتيجية التي تتجاوز بكثير البعد الاقتصادي، حيث تحرص طهران على تنفيذ مشروع خط سكك الحديد لربطها بمحافظة البصرة، عبر منفذ الشلامجة الحدودي بمساندة الأحزاب السياسية الموالية لها في تحصيل موافقات حكومية لتنفيذ مشروع الربط السككي لإرضاء طهران.
تعود فكرة المشروع الى اكثر من عشر سنوات لكن في 14 /آب من عام 2018، أعلنت إيران عزمهما مد سكة حديد بين من أراضيها تربطها بسوريا وبمشاركة العراق لمواجهة العقوبات الغربية وتعزيز التعاون الاقتصادي، حيث تمتد السكة من مدينة الشلامجة جنوب إيران إلى ميناء البصرة العراقي، ثم إلى الأراضي السورية، وحسب المصادر الرسمية الإيرانية ان السكة هي جزء من إعادة الإعمار لسوريا، كما أنها مساهمة في قطاع النقل تسهل السياحة الدينية بين إيران والعراق وسوريا، على ان تقوم إيران بتحمل تكلفة المشروع داخل أراضيها، بينما العراق يتحمل حصته إلى الحدود السورية، وزعمت إيران حينها أن المشروع سيخدم أهدافها في إعادة الإعمار وصيانة البنى التحتية في سوريا، ويتضمن المشروع ربط ميناء “الإمام الخميني” الواقع على الجانب الإيراني من مياه الخليج مع ميناء اللاذقية يمر عبر مدينة البصرة العراقية.
ويؤكد اقتصاديون ومحللون سياسيون أنه لا بد من تسليط الضوء على الهدف الإيراني الرئيس من المشروع:
• هو بسط النفوذ والهيمنة الإيرانية بشكل أكبر، وان مشروع النظام الإيراني ربط سكك حديد مع العراق يشكل حلقة أخرى من حلقات النفوذ والهيمنة على العراق وسوريا وهي ماضية ومصرة رغم الحصار والعقوبات الأمريكية في تنفيذ مشروعها التوسعي على حساب العراق وسوريا .
مراقبون رأوا أيضًا أن إيران تستخدم الوسائل كافة؛ لتحقيق الوجود الفعلي بالمنطقة، بالأخص الجانب الاقتصادي، فضلًا عن القدرة المركزية الإيرانية على التدخل في هذه الدول في أي وقت وبطريقة سهلة، وهو ما يتوافر عبر إنشاء طرق ربط استراتيجية بين إيران وهذه الدول، سواء كانت برية أو بواسطة خطوط سكك حديدية.
إن إنشاء مثل هذا الخط الحديدي بين معبر الشلامجة على الحدود الإيرانية العراقية ومدينة البصرة سيحقق لإيران عوائد اقتصادية ضخمة، فكل من العراق وسوريا يمثلا سوقًا رائجًا للبضائع الإيرانية؛ إذ أن العراق وحده يحصل على نحو 72% من المنتجات الإيرانية المعدة للتصدير للخارج ونحو 50% من المنتجات اليدوية الإيرانيَّة، وهو ما يفسر السبب وراء إغراق السوق العراقية بالمنتجات الإيرانية، الأمر الذي أسفر عن كساد في عمليات التصنيع العراقي وتراجع عمليات التبادل التجاري بين العراق ودول أخرى بخلاف إيران.. وأيضا وجود تحفظات من الجانب العراقي على الجدوى الاقتصادية للمشروع باعتبار أنّ تدفّق السلع والأفراد سيكون تقريبا باتّجاه واحد من إيران صوب العراق الذي لا يكاد يصدّر شيئا يُذكر لجارته الشرقية قياسا بما يستورده منها من كمّيات كبيرة من المواد والسلع رخيصة الثمن والمقلّدة، بالإضافة إلى تدفّق الزوار الإيرانيين إلى أراضيه بالملايين كلّ سنة لزيارة الأضرحة والمراقد، مشكّلين عبئا أمنيا واقتصاديا على العراق بالنظر إلى انتماء الغالبية العظمى من هؤلاء “السياح” الدينيين إلى طبقات فقيرة ومتقشّفة.
وأكد مراقبون أن هذا الخط سيمنح إيران فرصة عظيمة للوجود بقوة في سوريا التي لا تربطها حدود مع إيران وهو ما يرفع من أسهم إيران في المشاركة بقوة في عملية إعادة الإعمار في سوريا، لكن بالطبع ليس الهدف الاقتصادي هو كل ما تسعى إليه إيران، فالرغبة الإيرانية في مد خط السكك الحديدية من إيران إلى العراق ثم إلى سوريا عبر منطقة البوكمال ثم إلى مدينة دير الزور ومن ثم إمكانية المد إلى لبنان هي خطوات عملية وقفزات هائلة في إطار تحقيق مشروع إيران السياسي المتعلق بمد السيطرة والنفوذ على هذه الدول، يصبح المشروع تجسيدا عمليا لفكرة ربط مناطق النفوذ الإيراني في لبنان وسوريا والعراق وفتح طريق التواصل الحرّ والمباشر مع وكلاء إيران في البلدان الثلاثة وإمداد الميليشيات الناشطة على أراضي تلك البلدان بمختلف أنواع الدعم اللوجيستي من أسلحة وغيرها.
معوقات المشروع:
هناك عوائق كثيرة منها مالية وأمنية وسياسية متشابكة تجعل من المشروع صعب تحويله إلى واقع.
مراقبون يرون أنّ المشروع بهذا التصوّر الإيراني يبدو مبالغا في طموحه وقد يكون الدفع به في الوقت الحالي مرتبطا بالانتخابات الرئاسية الإيرانية التي سيواجه خلالها معسكر “الإصلاحيين” الذي ينتمي إليه روحاني منافسة شرسة من معسكر المحافظين الذي يسانده المرشد الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري، الجهاز الأمني القوي وذو الامتدادات المتشعّبة في مجالي السياسة والاقتصاد.
إن اتّفاق عراقي إيراني على إنجاز جزء صغير جدّا من المشروع الضخم، يتمثّل في مدّ سكة حديدية من الشلامجة إلى البصرة لا يتجاوز طولها 32 كيلومترا، وان ربط سككي يصل إلى ضفة المتوسّط على الوضع الأمني المعقّد في كل من العراق وسوريا حيث ستكون حركة القطارات في امتدادات شاسعة أغلبها صحراوية شبه مستحيلة مع وجود خلايا لتنظيم داعش استعصى إلى حدّ الآن القضاء عليها رغم الانتصار العسكري المتحقّق على التنظيم منذ عام 2017.
سيواجه المشروع صعوبات مالية، حيث لا يبدو العراق قادرا في الأمد المنظور على تحمّل التكلفة المادية المرتفعة للجزء الممتد داخل أراضيه، فيما تبدو إمكانية البحث عن ممولين ومستثمرين أجانب في المشروع شبه معدومة نظرا لارتفاع نسبة المخاطرة فيه.
كما يتوقّع أن يلاقي المشروع، في حال توسّعه ليشمل ربطا سككيا بين إيران وسوريا، اعتراضا من قبل الولايات المتّحدة الحليفة الأكبر للحكومة العراقية من زاوية أنّه يسهّل على إيران إيصال الأسلحة للميليشيات التابعة لها في العراق وسوريا ولبنان، وهو ما تعمل القوات الأميركية الموجودة على الأراضي السورية والعراقية منذ سنوات على الحدّ منه عبر فرض رقابة من الجوّ على نقاط الربط بين البلدين وتوجيه ضربات من حين إلى آخر للميليشيات التي تتحرّك في تلك النقاط.
في الختام في حال تنفيذ المشروع الذي يخدم الجانب الايران بالدرجة الأولى في الجانب الجيوسياسي والاقتصادي، وان هذا الربط البري مع كل من العراق وسوريا يعين ببساطة شديدة توجيه ضربة قاصمة لأية محاولات لفرض عقوبات على إيران ذلك أن هذا الربط سيسهل عمليات التحايل على العقوبات ويقلل من قدرة أمريكا وغيرها على مراقبة الحركة التجارية بين إيران والعالم.
مشروع ربط سكك الحديد بين إيران والعراق وسوريا والذي عادت طهران لمحاولة الدفع به لا يمثل فقط متنّفسا مناسبا للاقتصاد الإيراني المنهك بفعل العقوبات الأميركية، لكنّه سيكون أفضل تتويج لجهود بذلتها إيران على مدى سنوات لفتح الطريق الطويل الممتدّ بين أراضيها وضفة البحر المتوسّط لتصبح أكثر سيطرة ونفوذ لتحقيق حلمها التوسعي في البلدان العربية.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية