تتجه الأنظار إلى مؤتمر برلين 2 حول ليبيا المزمع إجراؤه في يونيو المقبل. وكما رسم مؤتمر برلين 1 السنة الماضية الخطوط العريضة للحل السياسي للبلد الذي مزقته الصراعات والانقسامات بين الفرقاء على مدى عقد من الزمن، سيخصص المؤتمر في نسخته الثانية الحيّز الأكبر من اهتماماته لملف القوات الأجنبية والمرتزقة الذي مازال يقف عائقا أمام إنجاح المرحلة الانتقالية. ويؤكد متابعون أن هذا الملف يحتاج إلى حزم المجتمع الدولي وتماسكه في مواجهة سيطرة الميليشيات التي تحاول جاهدة العودة بالبلاد إلى مربع العنف من خلال عرقلة فرص السلام والاستقرار.
طرابلس – بدأت معالم تنظيم مؤتمر برلين 2 حول ليبيا في النصف الثاني من يونيو القادم تتضح، لتتزامن مع الجهود الإقليمية والدولية لتكريس الحل السياسي وتنظيم الانتخابات في موعدها وإجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة عن الأراضي الليبية.
وبعد أن تحدثت مصادر ألمانية بشكل مقتضب عن المؤتمر، أكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن “فرص السلام زادت في ليبيا، لكن لا يزال هناك تحدي الانتخابات، وانسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب”.
وقال خلال مؤتمر صحافي عقده الأسبوع الماضي في روما مع نظيره الإيطالي لويجي دي مايو مؤخرا، إن “هناك العديد من التحديات التي تجب مواجهتها والتغلب عليها، مثل إجراء الانتخابات في الرابع والعشرين من ديسمبر وانسحاب جميع المقاتلين الأجانب من ليبيا”، وتابع “نعمل على الأمر معا بتعاون وثيق، نريد أن نرافق ليبيا بشكل إيجابي على هذا الطريق نحو الديمقراطية والاستقرار”.
وأعلن دي مايو عن الاستعداد لدعم المبادرة الألمانية للدعوة إلى اجتماع وزاري جديد حول ليبيا على صيغة “مؤتمر برلين” في يونيو القادم، مشيدا بالأهمية الكبرى للعمل المشترك لإيطاليا وألمانيا في إطار عملية برلين لدعم العملية التي تقودها الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في ليبيا.
ووصف رئيس الدبلوماسية الإيطالية “الانتخابات، إعادة توحيد المؤسسات الوطنية، التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار، وإعادة الإعمار وإعادة إطلاق الاقتصاد” بأنها “التحديات الأكثر إلحاحا التي تواجه حكومة الوحدة الوطنية”، والتي “نجدد دعمنا المشترك لها”، مشددا على “أن الدعم المتماسك من المجتمع الدولي لعمل الأمم المتحدة في ليبيا ضروري حقا”.
الأولوية لملف المرتزقة
المجتمع الدولي قد يستظهر بأدواته العقابية ضد كلّ من يصنّفه ضمن لائحة معرقلي الحل السياسي وفق المعايير الواردة في القرارات الأممية
ينتظر أن يخصص مؤتمر برلين 2 لمتابعة ما تم التوافق عليه خلال مؤتمر برلين الأول الذي انعقد في يناير 2020 وأشرفت عليه الأمم المتحدة وجمع بدعوة من المستشارة أنجيلا ميركل، حكومات الجزائر والصين ومصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وتركيا وجمهورية الكونغو والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية وممثلين عن الأمم المتحدة، بما في ذلك الأمين العام وممثله الخاص في ليبيا والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، من أجل التوصل إلى توافق في الآراء بين الدول الأعضاء المعنية بالأزمة الليبية وتأمين مظلة دولية لحماية الحوارات الليبية حول مستقبل البلد.
وأكد المشاركون في المؤتمر أيضا على “التزامهم بنتائج مؤتمر برلين الأول كما أقرها مجلس الأمن في قراره 2510″، وشددوا على “ضرورة اغتنام الفرصة، التي أوجدتها التطورات الإيجابية لتحقيق السلام والاستقرار في ليبيا”، ورحبوا بـ”الجهود المتواصلة التي تبذلها المنظمات الإقليمية للمساهمة في جهود السلام”، وطالبوا أصحاب المصلحة الإقليميين والدوليين بـ”العمل سوية لمساعدة الليبيين في إيجاد تسوية سياسية دائمة”.
ودعوا آنذاك على “ضرورة الوقف الفوري” للتدخلات العسكرية الأجنبية في البلاد، بما في ذلك وقف الانتهاكات لحظر الأسلحة، الأمر الذي اعتبره الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنه يرقى إلى “فضيحة”.
وقالت مصادر ليبية لـ”العرب” إن مؤتمر برلين 2 ينتظر أن يخصص الحيز الأكبر من اهتماماته لملف القوات الأجنبية والمرتزقة والاتفاق حول آليات إجلاء كافة المسلحين الأجانب عن الأراضي الليبية، وهو ما تعتبره ألمانيا على رأس الأولويات بالنسبة لها.
وكانت ميركل قد أكدت مؤخرا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن انسحاب القوات الأجنبية من ليبيا سيكون “إشارة مهمة” لدعم حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبدالحميد الدبيبة.
ولا يزال ملف القوات الأجنبية والمرتزقة يراوح مكانه رغم قرار اللجنة العسكرية المشتركة في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي، وما تلاه من قرارات أممية وضغوط دولية.
وكشف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقرير قدّم الأسبوع الماضي إلى مجلس الأمن، إنّ ليبيا “لم تشهد أي انخفاض في عدد المقاتلين الأجانب أو أنشطتهم”، وأضاف “بينما لا يزال اتفاق وقف إطلاق النار ساريا، تلقت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا تقارير عن إقامة تحصينات ومواقع دفاعية على طول محور سرت-الجفرة من قبل ميليشيات في المنطقة الغربية في ليبيا، فضلا عن استمرار وجود العناصر والإمكانات الأجنبية”، لافتا إلى أنه و”رغم الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف، فقد تواصلت أنشطة الشحن الجوي مع رحلات جوية إلى قواعد عسكرية مختلفة في مناطق غرب ليبيا”.
وفيما تقدر الأمم المتحدة عدد المسلحين الأجانب على الأراضي الليبية بحوالي 20 ألف مسلح، تحاول أطراف داخلية وفي مقدمتها قوى الإسلام السياسي تهميش الملف وشن حملات معادية ضد كل من ينادي بضرورة إجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة، بمن في ذلك وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش التي تعرضت إلى هجوم عنيف من قبل جماعة الإخوان وميليشيات غرب البلاد.
وأضافت المصادر أن التوافق الأممي الأميركي الأوروبي حول هذا الملف سينعكس على مؤتمر برلين 2 الذي سيعلن كذلك عن أهمية التمسك بتنظيم الانتخابات في موعدها، على أن يتم تحديد الآليات القانونية والدستورية الخاصة بذلك في أجل أقصاه الأول من يوليو لفسح المجال أمام المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لتنطلق في الاستعدادات للاستحقاق الذي ينتظره الليبيون بفارغ الصبر.
كما سيكون على طاولة مؤتمر برلين 2 دعم القرارات الصادرة عن اللجنة العسكرية المشتركة “5+5″، ونداءات المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية والدعوات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي لتنفيذ كافة بنود الاتفاق العسكري.
يأتي ذلك في الوقت الذي لا تزال فيه الميليشيات تحول دون فتح الطريق الساحلية في مستوى الخط الرابط بين سرت ومصراتة، وتصر على أن فرض شروطها التي لا تخلو من الابتزاز المالي والسياسي للسماح بانسياب الحركة بين شرق وغرب البلاد، وهو ما جعل اللجنة العسكرية تحذر في أواخر أبريل الماضي من أنها ستكشف عن أسماء المعرقلين والأسباب المؤدية إلى ذلك، لاتخاذ الإجراءات اللازمة حيالهم، مشيرة إلى أنها قامت بالبحث عن الأسباب المعرقلة لفتح الطريق وتواصلت مع السلطة التنفيذية لتذليل الصعوبات.
لكن شيئا من ذلك لم يحدث، فيما يرى المراقبون أن استمرار الميليشيات في عرقلة فتح الطريق، يكشف عن ميولات انفصالية لديها، تتأكد من خلال سعيها للإطاحة برمزية التواصل بين طرفي البلاد كدليل على وحدتها الترابية.
سيكون من أبرز أولويات مؤتمر برلين القادم التمسك بالرئيس الحالي للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السائح، واستثنائه من التعيينات التي حددها بيان بوزنيقة بين مجلسي النواب والدولة على رأس المؤسسات السيادية، وهو ما شددت عليه أوائل مايو الجاري، سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا السلطات الليبية، عندما دعت في بيان مشترك إلى إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها المقرر في 24 ديسمبر لإخراج البلاد من الفوضى الغارقة فيها منذ عشر سنوات.
وحذرت فيه من أن “الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لإجراء أي تغييرات من شأنها التعطيل في الهيئات ذات الصلة، والتي لها دور أساسي في التجهيز للانتخابات، خلال الجدول الزمني الذي حدده مجلس الأمن الدولي”.
لكن هذا الموقف الخماسي قوبل برفض مجلس النواب الذي اعتبره تدخلا غير مقبول ومرفوضا في الشأن الليبي، وقال إنه “لا يخدم التوافق الوطني الذي أنجز بعد وقت طويل وتطلب جهدا كبيرا لنصل إلى ما تم تحقيقه”، كما رفضه مجلس الدولة الاستشاري الذي رأى أن “استقلالية القرار الليبي أمر لا نقبل المساس به، وأن على سفراء الدول الأجنبية عدم تجاوز مهام عملهم” وأنهم مطالبون بمراعاة “قوانين الدولة المستضيفة لهم والالتزام بها وعدم القفز عليها تحت أي ذريعة كانت”.
ويشير المراقبون إلى أن مواقف مجلسي النواب والدولة تبقى ثانوية وغير قادرة على مواجهة القرارات الدولية إلا بالدفع نحو اختلاق العراقيل التي لن تصمد طويلا، ولاسيما في حال استظهار المجتمع الدولي بأدواته العقابية ضد كل من يصنفه ضمن لائحة معرقلي الحل السياسي وفق المعايير الواردة في قرارات مجلس الأمن.
أما ثالث الملفات التي ستطرح على مؤتمر برلين المرتقب فيتعلق بتنفيذ كافة بنود الاتفاق العسكري المبرم في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي، واتخاذ موقف دولي حاسم وحازم من الميليشيات المسلحة التي لا تزال تحاول عرقلة جهود اللجنة العسكرية لتنفيذه على الأرض.
وكان مؤتمر برلين الأول قد دعا في بنده التاسع “إلى اتخاذ خطوات موثوقة وقابلة للتحقق ومتسلسلة، نحو تفكيك الجماعات المسلحة والميليشيات من قبل جميع الأطراف وفقا للمادة 34 من اتفاق الصخيرات وقراري مجلس الأمن رقما 2420 و2486” وإلى “إعادة نشر الأسلحة الثقيلة والمدفعية والمركبات الجوية (في ليبيا) وتجميعها”. كما دعا في البند الحادي عشر إلى “عملية شاملة لنزع سلاح الجماعات المسلحة والميليشيات في ليبيا وإدماج الأفراد المناسبين في مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والعسكرية”.
ونص على هذه النقاط أيضا الاتفاق العسكري، وشرعنه مجلس الأمن، لكن لا يزال يحتاج إلى حزم دولي لتنفيذه على أرض الواقع بما يساعد على طي صفحة مرحلة اللادولة خلال السنوات العشر الماضية.
العرب