تركيا تعاني من أزمة مياه خاصة بها

تركيا تعاني من أزمة مياه خاصة بها

إسطنبول – تواجه تركيا أزمة مياه حادة بسبب الطقس الجاف، وانخفاض منسوب الأنهار والبحيرات والمياه الجوفية، وقد تضطر البلاد لاستيراد المزيد من الغذاء في المستقبل القريب، كما ستكون من أكثر الدول عرضة للجفاف.

وتراجعت السدود والخزانات الضخمة، التي توفر المياه لسكان إسطنبول البالغ عددهم 15 مليون نسمة، إلى مستويات منخفضة للغاية في الشتاء الماضي مما أثار مخاوف من حدوث نقص في الموارد المائية.

وفيما أسهم وصول الثلوج والأمطار في تهدئة الأوضاع لبعض الوقت في أكبر مدينة في تركيا، إلا أن خبراء المياه والمناخ يحذرون من أن مخاوف المياه في البلاد لم تنته بعد وأن الكثير من السدود تشكل جزءاً من المشكلة.

وأوضحت أكغون إلهان، خبيرة إدارة المياه في مركز إسطنبول للسياسات، في حديثها لوكالة رويترز “بدلاً من محاولة تقليل الطلب على المياه، أو تقليل الكمية المفقودة من خلال الأنابيب المكسورة والتسريبات، نركز فقط على خلق المزيد من الإمدادات من خلال بناء سدود جديدة”.

النمو السكاني والتوسع الحضري وتغير المناخ وسوء إدارة المياه، كلها عوامل تستنزف إمدادات المياه في تركيا

وقامت الحكومة التركية ببناء أكثر من ألف سد جديد على مدار الـ18 عامًا الماضية، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من بناء 90 سدًا آخر هذا العام، وفقًا للمديرية العامة للأشغال الهيدروليكية الحكومية في البلاد.

وحسب رأي إلهان فإن هذه المشاريع الهيدروليكية الكبيرة لها تأثير كبير على النظم البيئية والمجتمعات، بما في ذلك تهجير المجتمعات وتدمير الغابات والأراضي الزراعية.

وتظهر أرقام المديرية العامة للأشغال الهيدروليكية الحكومية أن المياه المتاحة في تركيا انخفضت بشكل مطرد على مدى العقدين الماضيين، من حوالي 1650 مترًا مكعبًا للفرد في عام 2000 إلى أقل من 1350 مترًا مكعبًا في عام 2020.

ووصفت الأمم المتحدة تركيا بالدولة التي تعاني من الإجهاد المائي، حيث انخفضت حصة الفرد إلى أقل من 1700 متر مكعب، فيما بلغت ندرة المياه 1000 متر مكعب للفرد.

ويؤكد المنتقدون للسياسات الحكومية الخاصة بالمياه أن “النمو السكاني والتوسع الحضري وتغير المناخ وسوء إدارة المياه كلها عوامل تستنزف إمدادات المياه في تركيا”.

يأتي ذلك في الوقت الذي صعّدت فيه تركيا حرب المياه ضدّ سوريا والعراق، حيث تواصل من حينٍ إلى آخر استخدام ورقة المياه لتنفيذ ما تخطط له في دولتي مسرى نهر الفرات (سوريا والعراق) بممارسة أبشع أنواع الابتزاز السياسي ضدّ السكان.

وباتت المياه المشتركة مصدرًا متزايدًا للتوتر السياسي بين تركيا وجيرانها، بسبب نهم أنقرة المتزايد لمياه دجلة والفرات.

وسبق أن هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مارس، خلال حفل افتتاح مجلس المياه البرلماني الجديد، بأنه “لا فرق بين حماية مياهنا وحماية وطننا”.

ووعد أردوغان أثناء هذا الحدث بالاستثمار في قطاع المياه بقيمة 5.2 مليار ليرة (645 مليون دولار) بما في ذلك بناء سدود جديدة ومحطات معالجة المياه وتحسين الري.

وتلفت سارة مارجاني زاده، مسؤولة جودة المياه الإقليمية في منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، إلى أن الزراعة -التي تعتمد إلى حد كبير على الري من السدود والمياه الجوفية- تمثل ما يقرب من 75 في المئة من استهلاك المياه السنوي في تركيا.

وإلى حد الآن يتم استخدام الري قطرة قطرة والري الموفر للمياه في أقل من ثلث مساحة الأراضي الزراعية المروية البالغة 6.7 مليون هكتار (16.5 مليون فدان) في تركيا، وفقًا لمنظمة الفاو.

وبين جوخان أوزرتان، أستاذ الاقتصاد في جامعة بوغازيتشي بإسطنبول، أن الجهود المبذولة لجعل المزارعين يتحولون إلى أساليب الري الموفرة للمياه -ولكن تتطلب أيضًا طاقة- لم تسفر حتى الآن عن “أي تغيير كبير”.

وأوضح “المزارعون لا يريدون دفع تكاليف الكهرباء والصيانة المطلوبة. ولأن الدعم (الزراعي) غير مستهدف -يحصل المزارعون على المال فقط بغض النظر عما يزرعونه أو كيف- لا يوجد حافز للتبديل”.

ومن المرجح أن تتفاقم مشاكل المياه في تركيا مع زيادة تواتر وشدة آثار تغير المناخ.

وأوضحت إلهان أن تركيا تواجه حالات جفاف كل أربع أو خمس سنوات منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، فيما تشير التوقعات المناخية إلى أن مستويات هطول الأمطار سوف تتراجع أكثر.

وتعهدت الحكومة التركية مرارًا وتكرارًا بمكافحة تغير المناخ، حيث أعلنت عن إستراتيجية جديدة من 14 نقطة في فبراير، والتي تتضمن تعزيز قدرة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتقليل من استخدام الوقود الأحفوري في المباني بنسبة 25 في المئة بحلول عام 2023.

لكن التأثيرات المناخية مثل الجفاف والفيضانات تتزايد، وقد تنخفض غلة محاصيل التصدير التركية الرئيسية مثل البندق والمشمش والقمح بنسبة تصل إلى 40 في المئة خلال العقود المقبلة، وفقًا لتوقعات أوزيرتان.

وينتهي الأمر بالعديد من المزارعين الذين يكافحون من أجل كسب عيشهم بالانتقال إلى مدن كبيرة مثل إسطنبول والعاصمة أنقرة ومدينة إزمير الساحلية المطلة على بحر إيجة، مما يزيد الضغط على إمدادات المياه هناك.

وقالت إلهان “هذا النمو السكاني المستمر يلزم البلديات الحضرية بمواصلة البحث عن مصادر جديدة للمياه”.

وغالبًا ما يعني ذلك تنفيذ المزيد من مشاريع البنية التحتية الضخمة مثل السدود وخطوط الأنابيب. وقد يتطلب بناء هذه المشاريع إخلاء القرى الريفية، مما يؤدي غالبًا إلى تفاقم ظاهرة الهجرة الحضرية.

وعلقت قائلة “ثم يرتفع مستوى استهلاك المياه في المدن، لذلك نبني المزيد من السدود. إنها حلقة مفرغة”.

وتحاول بلدية إزمير الواقعة غربي تركيا كسر تلك الدائرة لسكان المدينة والمناطق المحيطة بها.

وأشار جوفين إكين، مستشار عمدة إزمير تونك سوير، إلى أن أحواض الأنهار التي توفر المياه للمدينة أصبحت تعاني بشكل جزئي بسبب تزايد إنتاج أعلاف الماشية التي تستهلك الكثير من المياه.

وأوضح أن البلدية شرعت في استخدام الإعانات المستهدفة وضمانات الشراء ودعم التسويق لتشجيع المزارعين على زراعة المحاصيل الأقل استهلاكا للمياه.

ويشمل ذلك التركيز على المزيد من الأطعمة عالية القيمة (مثل الزيتون وجبن الماعز) التي كانت تُنتج تقليديًا في المنطقة وتتناسب بشكل أفضل مع مناخها الجاف، فضلاً عن التحول إلى سياسة ري أكثر كفاءة. ويقوم مسؤولو إزمير أيضًا بتدعيم البنية التحتية للتقليل من هدر المياه في المناطق الحضرية.

ومع ذلك تتزايد المخاوف في تركيا من أزمة مياه يصعب احتواؤها مستقبلا.

ووفقًا لتقرير نشرته جمعية سياسة المياه العام الماضي، وهي منظمة غير حكومية مقرها أنقرة، فإن ما يقرب من نصف مياه الشرب يُفقد في تركيا بسبب التسربات قبل الوصول إلى الصنبور.

العرب