مقديشو – يستعد الصومال لجولة جديدة من المفاوضات يؤمل منها أن تنتهي بالاتفاق على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في غضون شهور وذلك في وقت تعرف فيه البلاد جمودا سياسيا.
وتأتي الجولة الجديدة بعد فشل المفاوضات السياسية السابقة بين الحكومة ورؤساء الولايات الفيدرالية في تقديم إطار زمني محدد للانتخابات نتيجة غموض يلف آلية إجراء الانتخابات.
ويرى مراقبون أن قرار الرئيس الصومالي عبدالله فرماجو مطلع الشهر الجاري، تفويض رئيس الوزراء محمد حسين روبلي بإدارة ملف الانتخابات بعد ضغوط سياسية، بدّد مخاوف رؤساء الولايات من “اختطاف” الرئيس للانتخابات، وهو ما يمهد إلى توفر مناخ سياسي يسمح بالتوصل إلى حل نهائي حول هذا الاستحقاق.
وعقب التفويض دعا روبلي إلى مفاوضات جديدة كان من المقرر أن تبدأ في 20 من مايو الجاري، لكنها تأجلت إلى السبت.
وفي تعليقه على المفاوضات الجديدة قال رئيس الوزراء إنه سيبذل قصارى جهده للعمل في كل ما من شأنه أن يساهم في نجاح هذه المفاوضات من أجل إجراء انتخابات نزيهة وشفافة.
وانتهت ولاية البرلمان في 27 ديسمبر 2020، فيما انتهت ولاية الرئيس فرماجو، وهي من أربع سنوات، في 8 فبراير الماضي، لكن عدة جولات من المفاوضات لم تنجح في التوصل إلى مواعيد نهائية للانتخابات بعد تحديد مواعيد أولية وتأجيلها أكثر من مرة.
وقال محمد ابتدون النائب في مجلس الشعب الصومالي، إن “المفاوضات الجديدة يسودها مناخ سياسي ملائم للحالة الراهنة في ظل إدارة رئيس الوزراء لهذا الملف”.
وأضاف ابتدون “تلك الإرادة تتيح للأطراف المتفاوضة إبداء نوع من المرونة لحلحلة الخلافات التي أعاقت إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد”.
وأوضح أن جوهر الخلافات التي أفشلت المفاوضات السابقة كان وراءها انقسام صف رؤساء الولايات الفيدرالية بين مؤيدين للرئيس فرماجو ومعارضين له، وهو ما حال دون التوصل إلى اتفاق سياسي يقود البلاد إلى الانتخابات.
وربط ابتدون نجاح المفاوضات الجديدة بشرطين: الأول التزام رؤساء الولايات الفيدرالية باتفاق 17 سبتمبر حول الانتخابات دون تقديم مطالب جديدة.
والشرط الثاني هو الإرادة السياسية لرئيس الوزراء ومدى نجاحه في خلق جو سياسي يحظى بدعم جميع القوى السياسية في البلاد، مع إبداء نوع من الاستقلالية السياسية للتعامل مع الملفات الساخنة كاللجان الانتخابية التي كانت تشكل أبرز النقاط الخلافية بين الجانبين.
وفي 17 سبتمبر الماضي، توصلت الحكومة الاتحادية ورؤساء الأقاليم الفيدرالية، خلال مؤتمر تشاوري بالعاصمة مقديشو، إلى اتفاق لإجراء انتخابات “غير مباشرة” (عبر ممثلين للقبائل وليست بالاقتراع المباشر).
وشدّد شركاء الصومال في وقت سابق على أن اتفاق 17 سبتمبر الماضي سيظل أفضل مسار للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد، رافضين أي بديل آخر عن هذا الاتفاق.
وفي وقت سابق، تعهدت الدول المانحة للصومال بتوفير ميزانية تقدر بـ40 مليون دولار لتنظيم الانتخابات العامة، حيث ستصل هذه الأموال إلى خزانة الحكومة في حال توصل القادة السياسيون إلى اتفاق يفضي إلى إجراء الانتخابات.
وعبّر نواب في البرلمان الصومالي عبر تصريحات إعلامية أن المفاوضات الجديدة التي يترأسها رئيس الوزراء قد تشكل فرصة أخيرة للعودة إلى مسار الانتخابات، ونظام التداول السلمي للسلطة، محذّرين من انزلاق البلاد إلى مربع الحرب الأهلية الأول في حال فشلت هذه المفاوضات.
وقالت نعيمة إبراهيم النائبة في مجلس الشيوخ إنه رغم التفاؤل الكبير بالنسبة إلى الكثيرين في نجاح المفاوضات الجديدة وإنهاء حالة عدم اليقين السياسي في البلاد، إلا أنها تشكل الفرصة الأخيرة التي يجب أن تقتنصها الأطراف لتحديد مستقبل البلاد.
وأضافت نعيمة، أن استغلال هذه الفرصة من شأنه أن يؤدي إلى “تفرّد الصوماليين في ما يتعلق بشأن مصير بلادهم السياسي وإلا ستبقى البلاد عرضة لإملاءات وتدخلات أجنبية سياسيا كما كان الحال في الحكومات الانتقالية”.
وتابعت أن “الرسائل الإيجابية التي تبديها الأطراف المفاوضة تأتي استشعارا لأهمية التوصل إلى اتفاق سياسي حول الانتخابات بعد تجارب من حالة عدم الاستقرار الذي شهدته البلاد في الأيام الماضية”.
ومن جهته، علق الناطق باسم الحكومة الصومالية محمد إبراهيم، آمالا عريضة على ما ستفرزه المفاوضات الجديدة من نتائج إيجابية للمواطنين والبلاد.
وتوقع رئيس ولاية جوبالاند المحلية أحمد إسلام مدوبي في تصريح للإعلام المحلي نجاح المفاوضات السياسية الجديدة، مشيرا إلى أنه على ثقة بأن رئيس الوزراء روبلي سيدير ملف الانتخابات بشكل محايد.
وإلى ذلك، اعتبر شركاء الصومال الدوليون في بيان سابق لهم، استئناف المفاوضات السياسية بين الحكومة ورؤساء الولايات الفيدرالية حول الانتخابات بمثابة فرصة ثمينة يجب ألا تضيع من أجل تعزيز الأمن واستقرار البلاد.
وبالرغم من أن هناك الكثير مما يبعث على التفاؤل حول المفاوضات السياسية الجديدة إلا أن هناك مؤشرات داخلية قد تقف عائقا أمام نجاح هذه المفاوضات بحسب أحمد عينب الكاتب والمحلل السياسي في مركز الصومال للدراسات.
وأوضح عينب أن “التحديات الماثلة أمام التوصل إلى اتفاق سياسي في المفاوضات الجديدة قد تأتي في ثلاثة اتجاهات”.
وحسب عينب فإن التحدي الأول “قد يأتي من القصر الرئاسي حيث يحاول الرئيس فرماجو استخدام جميع أوراقه لإفشال جهود المفاوضات الجديدة ليثبت للمجتمع الدولي بأن رئيسي ولاية جوبالاند وبونتلاند يشكلان العقبة الأكبر أمام إجراء انتخابات في البلاد”.
وأردف “إلى جانب محاولة إطالة أمد المفاوضات التي قد تؤدي إلى تمديد غير شرعي، وهو ما حذّرت منه المعارضة سابقا، والتغلب على هذا التحدي يكمن في نجاعة إدارة روبلي في ملف المفاوضات”.
والتحدي الثاني “قد يأتي من رئيسي ولاية جوبالاند وبونتلاند اللذين لا يزالان يتمسكان بمطالبهما بحل اللجان الانتخابية التي شكلها رئيس الوزراء روبلي، بذريعة أنها تتضمن شخصيات أمنية وأخرى مقربة من الرئيس فرماجو، إلى جانب قضية إقليم جدو التي لم تحسم أمرها بعد حيث يتمسك رئيس ولاية جوبالاند أحمد مدوبي بإدارة انتخابات الإقليم وهو ما رفضه فرماجو أكثر من مرة”.
وشدّد عينب على أن التحدي الثالث “يأتي من رؤساء الولايات الفيدرالية (هيرشبيلى وغلمدغ وجنوب غرب الصومال) الموالية لفرماجو، فرغم اعتراضهم على التمديد إلا أنهم سيتحدون ضد تمرير أي مطالب خاصة لرئيسي ولاية جوبالاند وبونتلاند، والتي قد تهدد مكاسب حليفهم الرئيس فرماجو ما قد يؤدي إلى فشل المفاوضات ما لم تتنازل الأطراف المفاوضة عن الحسابات الضيقة”.
وفي منتصف أبريل الماضي، وبعد فشل عدة مفاوضات بين الحكومة ورؤساء الأقاليم الفيدرالية حول الانتخابات أدت إلى تأجيل الانتخابات أكثر من مرة، صادق البرلمان الصومالي “مجلس الشعب”، على مشروع قرار بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مباشرة خلال عامين، وصفه مؤيدوه بأنه “مخرج سياسي” لأزمة الانتخابات الحالية.
ووقع فرماجو في نفس الشهر على القانون الجديد ليصبح ساري المفعول، ما يعني إلغاء جميع الاتفاقات بين الحكومة ورؤساء الأقاليم الفيدرالية بشأن إجراء انتخابات “غير مباشرة”، أي عبر ممثلين قبليين، وليس عبر اقتراع شعبي مباشر.
وأثار قرار التمديد انتقادات حادة في الساحة السياسية الصومالية، حوّلت المشهد السياسي إلى ساحة للمواجهات المسلحة أجبرت فرماجو على التراجع عن قانون التمديد والعودة إلى اتفاق 17 سبتمبر الماضي حول الانتخابات.
العرب