الجزائر في صلب مراجعة أوراق النفوذ بين واشنطن وموسكو

الجزائر في صلب مراجعة أوراق النفوذ بين واشنطن وموسكو

تصاعد منسوب القلق الأميركي في الآونة الأخيرة، من مساعي روسيا لتعزيز علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع الجزائر، كحليف استراتيجي في منطقة شمال أفريقيا خدمة لمصالحها في القارة، وسط مخاوف من ارتدادات هذا التعاون الثنائي، ودعوات أميركية لمراجعة وسائل النفوذ بين واشنطن وموسكو من بوّابة الجزائر.

الجزائر- تبدي دوائر أميركية عدم ارتياحها لتوجهات الإدارة الأميركية الجديدة تجاه القارة الأفريقية والجزائر تحديدا، في ظل تمدد نفوذ مختلف القوى الإقليمية، وعلى رأسها روسيا التي تقيم علاقات مميزة مع شريكها الاستراتيجي في القارة، خاصة خلال السنوات الأخيرة، أين كان التعاون العسكري والدبلوماسي متقدما بينهما في مختلف الملفات الإقليمية.

ودق مركز “غلوبل ريسك إنسايتس” أجراس الإنذار، من تجاهل الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن، لتمدد النفوذ الروسي المتعاظم في أكبر دول القارة السمراء، واستغرب عدم إيلاء مراكز القرار في واشنطن الأهمية اللازمة لهذا البلد، المرشح لأن يكون الحديقة الخلفية للروس في أفريقيا.

وذكر المركز في وثيقة نشرها في موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت، أن الرئيس الأميركي الذي استعرض مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، خلال شهر يناير الماضي مختلف الملفات والقضايا الدولية والإقليمية، بما فيها نفوذ موسكو داخل الإدارة الأميركية، تجاهل الجزائر كنقطة استراتجية في المنطقة، وتساءل إن كان بايدن قد أذعن لهيمنة الروس عليها (الجزائر)؟

واستبعد أن تكون الجزائر قد عرفت خارطة طريق لتصحيح مسارها، رغم الانتخابات النيابية المبكرة المعلنة من طرف الرئيس عبدالمجيد تبون، والمقررة بعد أسابيع قليلة، في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السائدة، حيث تعاني البلاد من تقلص عائدات النفط بسبب تراجع الأسعار والمنتوج، والتدهور الاقتصادي، وغياب نخب سياسية قادرة على إخراج البلاد من الأزمة التي تتخبط فيها.

واعتبر المركز أن “الوضع الذي تعرفه الجزائر، يستوجب أن يكون محفزا لإدارة بايدن، لإعادة ترتيب وضبط السياسات التي انتهجها الرئيس السابق دونالد ترامب”، في تلميح إلى أن يكون الأخير قد تنازل عن مواقع نفوذ مهمة لصالح الروس، وأبرزها الجزائر التي تعد بوابة وأكبر بلد جغرافيّا في القارة الأفريقية.

ويبدو أن الوثيقة تحمل تحذيرات شديدة للإدارة الأميركية، من إمكانية التفريط في مواقع نفوذ استراتجية في إطار سياسة تنازلات قدمها ترامب لروسيا، ومن بينها الجزائر التي تركت للهيمنة الروسية لتكون بذلك حديقة خلفية لها في أفريقيا، خاصة وأن البلدين تربطهما شراكة استراتيجية وتاريخية تجسدت في تناغم دبلوماسي حول القضايا الإقليمية، وتعاون عسكري يقدر بالمليارات من الدولارات.

ولفت المركز إلى أن الانكماش الأميركي، ينطوي على مخاطر استراتجية حقيقية في القارة الأفريقية، ولذلك يستوجب على الإدارة الأميركية، التحلي بالمزيد من الجرأة على مراجعة مواقع النفوذ في المنطقة، خاصة في شمال أفريقيا، لأن الاستمرار في هذا النهج سيمهد لاستقدام القوات الروسية إلى تخوم حلف شمال الأطلسي، وسيبعث سباق تسلح خطيرا في المنطقة.

واستدلت وثيقة المركز بالتعاون المتقدم بين الجزائر وروسيا خاصة في السنوات الأخيرة، فهي أكبر زبون للسلاح الروسي في أفريقيا، وأن 85 في المئة من عدتها هي مواد تنتجها شركات روسية، فضلا على الاستعانة الكلية بلقاح “سبوتنيك” الروسي، في إطار عملية تلقيح مواطنيها من وباء كوفيد – 19.

غير أن روسيا تبقى حاملة النشاط، بحسب المركز في الوضع الداخلي للجزائر، فهي لم تقدم لها المساعدات اللازمة لتفعيل قطاع النفط الذي يمثل 96 في المئة من إجمالي الصادرات، كما لم تبد اهتمامها بدعمها في تطوير الخدمات العمومية في الصحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة، ولا بخصوص احتجاجات الحراك الشعبي المناهض للنخب السياسية الحاكمة.

الوثيقة الأميركية حملت تحذيرات لإدارة واشنطن من إمكانية التفريط في مواقع نفوذ لروسيا من بينها الجزائر

ولم يستبعد المركز أن يكون الانكماش الروسي في هذه المجالات، رغم فعاليتها في مجالات أخرى، إلى نوايا روسية في دفع الجزائر إلى مأزق أكثر شدة من أجل وقوعها تماما في المدار الدبلوماسي والعسكري الروسي، وأن أي تراجع للدور الجزائري في المنطقة، سيمهد الطريق أمام الروس لملء الفراغ عسكريا واستراتجيا، خاصة وأن حضوره في القارة في مناطق إنتاج النفط في شمال أفريقيا وليبيا تحديدا، وبمناطق التوتر بات أمرا واقعا ينتظر الانتشار فقط. وذهبت توقعات المركز الأميركي، إلى أن المخاطر القادمة على أوروبا الغربية، ستنطلق في المستقبل من الجزائر العاصمة، في ظل الانفراد الروسي بأكبر دول القارة السمراء، وأنه بات حتما على الولايات المتحدة الأميركية، أن تتدخل بابتكار وسيلة لمساعدة الجزائر على التعافي من أزمتها.

كما أن العمل إلى جانب إسبانيا وإيطاليا، وهما أكبر مستوردي النفط والغاز الجزائريين، بالإمكان توظيفه في ضغط تجاري، يرغم الحكومة الجزائرية على العودة إلى طاولة المفاوضات، وأن بايدن يتوجب عليه أن ينهي تردد الجزائر في التعاون مع واشنطن، ومساعدتها على الحضور الدائم في المجتمع الدولي، عبر الهيئات التي تدعمها الولايات المتحدة، ومنها منظمة التجارة العالمية.

وإذ تضع الوثيقة الارتدادات القوية لأي انخراط للجزائر في المنظمة المذكورة في الحسبان، خاصة وأنها تنضاف إلى إكراهات مؤلمة تنغص المستوى الاجتماعي في البلاد، فإنها وضعت المساعدة الأميركية لتعويض الضغط المحتمل لضمان تعاون الجزائريين مع الأميركان، وأن رفع مستوى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى مستوى مجلس الأمن القومي، سيضع واشنطن على أهبة الاستعداد للقيام بهذا الاستثمار على وجه التحديد، وهو ما يتعين تجسيده في واقع الأمر.

وخلصت الوثيقة إلى أن “الولايات المتحدة تحتاج إلى سياسة راسخة ومنسقة وفعالة، لتثبيت استقرار الجزائر وإضعاف تمدد روسيا في أفريقيا انطلاقا من شمال القارة، وأن أي محاولة من بايدن لاحتواء بوتين، ستكون مشابهة لأرباح الجزائر من النفط، فكلاهما يضيع بلا رجعة”، في إشارة إلى ضرورة تبني استراتجية براغماتية من الفرص المتاحة، قبل أن تضيع كما ضاعت فرصة “البحبوحة” المالية من الجزائر.

العرب