منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في العراق قبل نحو عامين، تعرّض أكثر من 70 ناشطا للاغتيال أو لمحاولة اغتيال، فيما خطف عشرات آخرون لفترات قصيرة. وممن تم اغتيالهم على سبيل المثال المحلل المختص على مستوى عالمي بشؤون الجماعات الجهادية هشام الهاشمي الذي قتل في تموز/ يوليو 2020 أمام أولاده في بغداد. ومع استمرار مسلسل الاغتيالات.
أوقفت القوات الأمنية فجر الأربعاء الفائت في بغداد قاسم مصلح الذي يشغل منصب قائد “لواء الطفوف” في أحدى المليشيات الولائية بتهمة اغتيال ناشطين في خطوة لم يسبق لأي رئيس وزراء عراقي سابق، توقيف مسؤول من هذا المستوى في هيئة الحشد الشعبي.
وفي هذا السياق، أكد رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي مساء الأربعاء أن القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح، مازال في عهدة قيادة العمليات المشتركة حتى انتهاء التحقيق معه. وقال الكاظمي في بيان صحافي “نفذت قوة أمنية عراقية مختصة بأمر القائد العام للقوات المسلحة مذكرة قبض قضائية بحق أحد المتهمين صباح الأربعاء، وفق المادة 4 إرهاب وبناء على شكاوى بحقه”.
وأضاف الكاظمي “شكلت لجنة تحقيقية تتكون من قيادة العمليات المشتركة واستخبارات الداخلية والاستخبارات العسكرية والأمن الوطني وأمن الحشد الشعبي للتحقيق في الاتهامات المنسوبة إليه، وهو الآن بعهدة قيادة العمليات المشتركة إلى حين انتهاء التحقيق معه”.وأشار الكاظمي إلى أن “المظاهر المسلحة التي حدثت من قبل مجموعات مسلحة تعد انتهاكا خطيرا للدستور العراقي والقوانين النافذة، ووجهنا بالتحقيق الفوري في هذه التحركات حسب القانون”.وتابع أن “حماية أمن الوطن وعدم تعريض أمن شعبنا إلى المغامرات في هذه المرحلة التاريخية، مسؤولية ملقاة على عاتق الحكومة والقوى الأمنية والعسكرية والقوى والأحزاب والتيارات السياسية، لذلك ندعو الجميع إلى تغليب مصلحة الوطن”.
وعلى إثر الإعلان عن عملية التوقيف حاصرت ميليشيات الحشد الشعبي المنطقة الخضراء التي تضم المقرّات الحكومية والسفارات الأجنبية من الخارج قبل أن تنتشر في شوارعها للمطالبة بإطلاق سراح القيادي الموقوف. كما حاصرت الميليشيات منزل الكاظمي، ومنزل وكيل وزير الداخلية لشؤون الاستخبارات الفريق أحمد أبورغيف، وهو قائد القوة الخاصة التي اعتقلت القيادي في الحشد قاسم مصلح.
وردّا على تحرّكات الحشد، أعلنت قيادة عمليات بغداد منع تحرك الأرتال العسكرية لقوات الجيش والشرطة والحشد الشعبي في شوارع العاصمة. وذكر بيان للقيادة أنه تقرر منع دخول الأرتال المسلحة التي تزيد على مركبتين إلى شوارع بغداد. و اعلن الكثير من زعماء القوى السياسية والفاعليات الدينية والوطنية مثل السيد مقتدى الصدر و السيد عمار الحكيم وحيدر العبادي وغيرهم، دعمهم لرئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي في خطواته وقراراته الجريئة بغرض سيادة القانون وهيبة الدولة، وملاحقة الفاسدين والخارجين عن القانون.
وتدفقت التنديدات الدولية من الأمم المتحدة والبعثات الدبلوماسية الأخرى في بغداد خلال الساعات الماضية، منتقدة محاولة تلك الميليشيات الاستعراض بالسلاح، في محاولة لتخطي القانون وسلطة الدولة. وأكدت جنين بلاسخارات، مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة إلى العراق، الأربعاء أن أي قضية اعتقال يجب أن تأخذ مجراها كما هو الحال مع أي عراقي.
وكتبت في تغريدة على حسابها في تويتر تعليقا على التطورات في بغداد، “بالتأكيد لا ينبغي لأحد أن يلجأ إلى استعراض القوة ليشق طريقه”، معتبرة أن السلوك يضعف الدولة ويزيد من تآكل ثقة العراقيين بمؤسساتهم. وأضافت “يجب احترام مؤسسات الدولة في جميع الأوقات، فلا أحد فوق القانون”
ودانت السفارة البريطانية ما جرى، معتبرة أن العراقيين يستحقون دولة يحاسب فيها من يخالف القانون”. كما شددت على وجوب عدم استخدام القوة والتهديد لعرقلة التحقيقات الجنائية. واستنكر السفير الكندي استعراض الميليشيات، قائلا “لا يمكن احترام الحقوق الأساسية للمواطن ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الناشطين وسط انتشار جماعات مسلحة تعتبر نفسها فوق القانون”.
وفي اجتماع الرئاسيات الثلاث الذي عقد مساء هذا اليوم، للوقوف على التطورات الأخيرة التي حصلت في العراق، قال مصطفى الكاظمي :” إن هذه الحكومة كلما تتقدم خطوة لعودة الاستقرار، هناك من يحاول عرقلتها لغرض مكاسب فئوية على حساب العراق، و كلما نسعى لوصول العراق الى بر الأمان، يبرز من يسعى لبقاء العراق غارقاً في مستنقع الفوضى. وإن هذا الحكومة حكومة العراقيين بكل أطيافهم، سواء لمن كان معها، او معارضاً لها، وننظر للجميع بنظرة ابوية”.
وأضاف :” إن القوات الامنية التي انتصرت على اعتى قوة إرهابية، قادرة وبكل شجاعة أن تكبح اي مجاميع خارجة عن القانون مهما تكن. ولكن الحكومة والقوات الأمنية ليست قوات دموية كما في زمن الدكتاتورية.على كل من هو مغرر به او من تسول له نفسه، ان يعرف أنه لا توجد قوة او سلاح يقف بوجه الدولة والقوات الأمنية. وإن أي تصادم سوف يكون الخاسر الاول فيه هو الشعب. فالجميع هم عراقيون مهما تكن توجهاتهم. القوات الامنية أثبتت قدرتها بكل شجاعة على ضبط النفس، والالتزام بانضباط عال، والامتثال الى الأوامر العليا.
أما الرئاسيات الثلاث فقد صدر عنها بيان جاء فيه: ” أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد تؤثر سلباً على الجهود الوطنية الرامية لتحقيق الأمن والاستقرار وحفظ هيبة الدولة وسيادتها، وللمشروع الوطني الذي تتبناه قوى الشعب والفعاليات السياسية والاجتماعية من أجل الخروج بالبلد من الأزمات والتحديات الراهنة تمهيداً لإجراء الانتخابات العادلة والمنصفة”. “وأكّدت الرئاسيات أن استمرار الاضطراب الأمني والتعدي على سلطة الدولة وحقها في مسك القرار الأمني والعسكري يمثل تجاوزاً خطيراً على سلطة الدولة وهيبتها في فرض القانون وحماية أمن المواطنين، ويعرّض استقرار البلد إلى مخاطر حقيقية، ما يستدعي حضوراً فاعلاً لموقف القوى السياسية المختلفة من أجل التصدي لهذا التصعيد ودعم الدولة في حصر السلاح بيدها، ورص الصفوف ووأد الفتنة واتخاذ مواقف موحدة وجادة وحاسمة لتدارك الأزمة.
“وشدد المجتمعون على ضرورة احترام القرارات الصادرة عن القضاء واحترام إجراءات مؤسسات الدولة في المساءلة القانونية، وعدم التعرض لقرارات القضاء خارج الأطر الدستورية، والالتزام بالإجراءات والسياقات القانونية حَصراً، من أجل إعلاء سيادة القانون ومبدأ المواطنة في دولة حامية لشعبها وضامنة لحقوق جميع المواطنين بلا تمييز”.
مما لاشك فيه ، أن مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق منذ تسلّمه رئاسة الحكومة قبل نحو عام، رفع شعار استعادة هيبة الدولة العراقية وضبط السلاح المنفلت. ورغم أنّه أدخل بعض التغييرات على الأجهزة الأمنية وعيّن على رأسها ضباطا مشهودا لهم بالكفاءة، إلاّ أنّ تقييد حركة الميليشيات وضبط سلاحها لم يكن متاحا نظرا لقوّة تلك الفصائل وتغلغل قادتها في أجهزة الدولة واستنادها إلى دعم أحزاب مشاركة في حكم البلاد.
على القوى السياسية في العراق أن تدرك ، أن التصرفات التي تقوم بها المليشيات ليست خطرًا على شخص الرئيس مصطفى الكاظمي، بل خطر على حاضر ومستقبل العراق، الكاظمي يسعى بما يمتلكه من دوافع وطنية إلى تثبيت مرتكزات الدولة المدنية وأن لا يحكم العراق من قبل المليشيات الذي يعد وجودها في حد ذاته انتهاك صارخ لقيم تلك الدولة التي يؤمن بها.
فهو أي مصطفى الكاظمي بالقرارات الجريئة التي يتخذها كرجل وطني مسؤول في الدولة العراقية، لمنع العراق من الوصول إلى الحالة اللبنانية واليمنية، فهذا الأمر لا يليق بماضي العربق العراق الذي يدركه الكاظمي. لا نبالغ إذا قلنا أن الكاظمي يخوض معركة دستورية وسياسية وأمنية ضد الفوضى، فالكاظمي يسعى إلى تثبيت العراق على خارطة السياسية الدولية كدولة مؤثرة في إقليميه بينما دعاة الفوضى والعدمية يسعون بجد إلى خطفه وتحويله إلى كيان وظيفي. فالمعركة التي يخوضها الكاظمي معركة الدولة المدنية ضد دويلات المليشيات.
وحدة الدراسات العراقية