العلاقة بين السعودية والولايات المتّحدة وإن كانت بعيدة عن حدوث قطيعة بين الجانبين من شأنها أن تعصف بكم كبير من المصالح المشتركة تراكمت عبر عشريات طويلة من الزمن، إلاّ أنّها ليست في أحسن أحوالها، حيث يبدو أن هناك خلافات مكتومة بين الرياض وواشنطن وملفات شائكة تحتاج لمزيد من الوقت لحسمها.
الرياض – أظهرت مكالمة هاتفية جرت بين وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن، أن التنسيق والتشاور متواصلان بين الرياض وواشنطن لكن في حدّهما الأدنى.
فقد جلب انتباهَ المتابعين لشؤون الشرق الأوسط والخليج عدمُ شمول بلينكن للمملكة، بجولته التي قام بها في المنطقة وقادته إلى كلّ من إسرائيل والأراضي الفلسطينية والأردن ومصر.
واعتبر دبلوماسي خليجي سبق له العمل في الولايات المتّحدة أنّ “هناك فتورا لا يمكن إنكاره في علاقة السعودية والولايات المتّحدة”.
وقال في تصريح لـ”العرب” طالبا عدم ذكر هويته إنّ “من اللافت للانتباه ألا يقوم وزير خارجية أميركي بزيارة السعودية ضمن جولة شرق أوسطية تتعلّق أساسا بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي الذي لا يمكن للمملكة إلاّ أن تكون جزءا منه، خصوصا وهي صاحبة التصوّر الأكثر منطقية للحلّ إلى حدّ الآن والذي ضمّنته مبادرة السلام العربية لسنة 2002”.
وقال التلفزيون السعودي الخميس إنّ الأمير فيصل بحث في اتصال هاتفي مع بلينكن “الشراكة الإستراتيجية” بين البلدين السعودية والولايات المتّحدة و”أوجه التعاون بشأن التحديات الإقليمية والدولية”.
وأضاف الدبلوماسي الخليجي “أنّ ما يمكن استنتاجه من اكتفاء الجانب الأميركي بمشاورات مقتضبة عبر الهاتف مع الجانب السعودي رغم التطورات العاصفة وأهمية الملفات المفتوحة، أنّ هناك مسائل عالقة بين الطرفين لم تتمّ تسويتها بالكامل كما كان منتظرا”.
وأدى مجيء إدارة ديمقراطية إلى الحكم في الولايات المتّحدة بقيادة الرئيس جو بايدن إلى تراجع في العلاقة بين الرياض وواشنطن، قياسا بما بلغته تلك العلاقة من قوّة ومتانة في عهد إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب.
وقالت إدارة بايدن إنّها ستأخذ في الحسبان ملفات حقوق الإنسان في علاقتها بالسعودية، وقد بادرت إلى السماح بنشر تقرير للمخابرات الأميركية يتضمّن اتهاما لولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان “بالموافقة” على قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بأسطنبول سنة 2018. كما أعلنت وقف الدعم الأميركي للعمليات القتالية الهجومية للقوات السعودية ضدّ المتمرّدين الحوثيين في اليمن، وقامت لاحقا بإلغاء تصنيف جماعة الحوثي منظّمة إرهابية أجنبية.
من غير المنطقي استثناء صاحبة مبادرة السلام العربية من جولة لبلينكن محورها الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي
ومن ضمن التحوّلات ذات العلاقة غير المباشرة بالسعودية في السياسة الخارجية الأميركية في عهد بايدن، تراجع واشنطن عن سياسة الضغوط القصوى على إيران الغريمة الكبرى للمملكة، وفتحها قنوات حوار غير مباشر مع طهران لأجل العودة إلى الاتفاق النووي وما يتضمّنه ذلك من إمكانية التراجع عن العقوبات الشديدة التي كانت إدارة ترامب قد سلّطتها على إيران.
وتدرك السعودية جيدا حجم التراجع في علاقتها بالولايات المتّحدة وتتعامل معه بمرونة تشمل إلى جانب تقوية العلاقات مع قوى دولية أخرى، تصفية خلافاتها مع بعض بلدان المنطقة حيث تصالحت مع قطر واستجابت لرغبة تركيا في التصالح معها، كما أظهرت بوادر موافقة حذرة على فتح حوار مشروط مع إيران.
أما من الجانب الأميركي فقد بدا أن الوصول إلى قطيعة مع المملكة أمر مستبعد تماما، إذ أنّ مروحة واسعة من المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية لا تزال تجمع بين الطرفين. ولذلك لا يزال التنسيق والتواصل بينهما قائما وإن تراجع مستواه.
وبحث نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، في وقت سابق هذا الأسبوع، مع قائد القيادة الأميركية الوسطى كينيث ماكينزي الشراكة بين السعودية والولايات المتحدة “وتحديدا في الجوانب الدفاعية والعسكرية، مع التأكيد على أهميتها ودورها في حفظ الأمن والسلم الدوليين، وتعزيز الاستقرار في المنطقة”، وفق ما أوردته وكالة الأنباء السعودية بشأن اللقاء.
وقال ماكنزي بمناسبة زيارته إلى المملكة “أعتقد أنهم (السعوديون) يريدون تطمينات بأنهم سيحصلون على المساعدة إذا تعرضوا للهجوم من قبل إيران ويريدون المساعدة ضد الهجمات المستمرة من وكلائها”.
ونقلت عنه شبكة أيه.بي.سي الإخبارية القول إنهم “يتعرضون لقصف متواصل من اليمن بمجموعة متنوعة من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز وأنظمة الطائرات دون طيار الصغيرة التي يشعرون بقلق بالغ بشأنها.. نحن نريد مساعدتهم في ذلك باعتبار أنهم يتعرضون لهجمات متواصلة من وكلاء إيران”.
العرب