تصادف هذه الأيام ذكرى قرار العراق تأميم النفط مطلع سبعينيات القرن الماضي وإنهاء سيطرة الشركات الأجنبية على هذه الثروة المهمة مع تأميم كامل لجميع الأصول والإنتاج النفطي في البلاد.
وجاء هذا القرار نتيجة امتعاض العراق من الطريقة التي تدير بها شركات النفط الأجنبية لمستويات الإنتاج في البلد، مستندة إلى مصالحها التجارية في أماكن أخرى، وكان هناك العديد من الخلافات فيما يتعلق بالتسعيرة، كما طالب بحصة 20% من شركة نفط العراق، ولكن الشركات الأجنبية المؤلفة لائتلاف هذه الشركة لم توافق على ذلك.
ويقول الباحث في الشأن الاقتصادي العراقي نبيل جبار العلي، إن “العراق توصل لاتفاقية المناصفة في الأرباح مع شركات الامتياز النفطية في فبراير/شباط عام 1952، بعد جملة ضغوطات سياسية على حكومة نوري السعيد التي دفعتها لإجراء مفاوضات مع شركات الامتياز التي اضطرت لقبول الاتفاقية وتوقيعها”.
وأضاف العلي أن مجلس الإعمار العراقي -الذي تشكل بعد زيارة بعثة البنك الدولي للعراق عام 1952- أقدم على وضع سياسة إعمارية تنموية ظلت ذكراها ليومنا هذا، واستطاع تحقيق مجموعة نجاحات خلال 7 سنوات فقط حتى عام 1958، مستفيدًا من الخطوات التي اتخذت من قبل الساسة العراقيين لزيادة موارد الدولة، والتي أسهمت بوضع أولى خطوات التنمية وهي “تأميم النفط”.
كان تأميم النفط بالعراق في الأول من يونيو/حزيران عام 1972 بداية لنهاية سيطرة الاحتكارات النفطية للشركات الأجنبية، كما يعد -وفق أكاديميين- “أحد التدابير السياسية والاقتصادية المهمة من حيث السياق الزمني، لاعتماده وطبيعة العوامل والاعتبارات التي فرضته والنتائج التي تمخضت عنه”.
وبموجب القانون بحسب بحوث الأكاديميين فقد نقل العراق جميع الأموال والحقوق والموجودات التي آلت إلى الدولة عن ذلك لشركة حكومية جديدة باسم “الشركة العراقية للعمليات النفطية” لتدار من قبل موظفي وعمال شركة نفط العراق المؤممة.
لماذا اتخذ القرار؟
ويرى المدير العام الأسبق لشركة تسويق النفط العراقية الدكتور فلاح العامري، أن القرارات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة فيما يتعلق بصناعة النفط والغاز في العراق ابتداءً من قانون رقم 80 لعام 1960 للسيطرة على صناعته النفطية ولزيادة الاستكشاف والإنتاج الوطني والذي انتزع العراق بموجبه 99.5% من الأراضي العراقية من سيطرة الشركات النفطية الأجنبية التي استقرت حصصها منذ عام 1928 على النحو التالي: شركة النفط البريطانية 23.75%، وبالنسبة ذاتها لكل شركة من شركات شل الهولندية، والنفط الفرنسية، والنفط الأميركية، أما حصة كولبنيكان فكانت 5%.
وأضاف العامري خلال حديثه للجزيرة نت أن “قانون التأميم كان ردة فعل لتعنت الشركات العالمية التي رفضت تغير عقود بنود الامتياز وزيادة نسبة العراق في الإنتاج والتدخل أكثر للسيطرة على صناعة البلد النفطية، الأمر دفع الرئيس العراقي آنذاك أحمد حسن البكر لإصدار قانون التأميم الذي كان بمثابة مجازفة اقتصادية وسياسية”.
وعلل العامري نجاح التأميم “للظروف الدولية وقتها وخصوصًا الحرب العربية الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 التي أسهمت بمواصلة العراق لعملية التأميم، حيث تم تأميم حصص هولندية وأميركية عقابا على دعم بلدانهم لإسرائيل خلال تلك الحرب”.
وأيدت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تأييدا كاملا سيطرة الحكومة على شركة نفط العراق، عارضةً تقديم القروض للمساعدة في تلبية النقص في العملات الأجنبية الناجم عن خسارة العائدات من شركة نفط العراق.
وتم تسوية النزاع في عام 1973 بين الحكومة وشركة نفط العراق حيث وافقت الشركة على دفع حوالي 350 مليون دولار كتعويض عن العائدات المفقودة للعراق على مدى السنوات عندما كانت الشركة تقوم ببيع نفطه.
وفي المقابل، وافقت الحكومة العراقية على تزويد الشركة بـ15 مليون طن من نفط كركوك الخام مجانا والتي تقدر قيمتها بأكثر من 300 مليون دولار وذلك ضمن التسوية النهائية بين الطرفين.
المشاكل المستقبلية
وقال العامري إن قرارات تأميم النفط خلال الفترة من 1972-1975 جاء نتيجة تطورات سياسية وخلافات كثيرة مثل تسعيرة النفط وعدم ارتياح العراق للطريقة التي كانت تدار بها شركة نفط العراق، ونسبة حصته في الشركة وضعف نمو الإنتاج.
ويضيف أنه “بالرغم من أهمية القرار في تحرير صناعة النفط العراقية، فإنه هيأ الأرضية لتوريط العراق في الحرب مع إيران، نتيجة لارتفاع وتيرة إنتاج النفط العراقي على يد خبراء وكفاءات وكوادر النفط العراقية والخطط الواعدة التي تم إعدادها لزيادة الإنتاج بشكل كبير”.
من جهتها، قالت البرلمانية السابقة الدكتورة صباح التميمي في حديث للجزيرة نت، إن “القيادة العراقية عندما اتخذت قرار تأميم النفط وقتها راهنت على الإرادة الوطنية للشعب العراقي”، معتبرة أنها “نظرة ضيقة وغير شمولية حيث تبنت موضوع التأميم وتناست أطماع الدول العظمى بالثروة النفطية والغازية التي يمتلكها العراق”.
إضافة إلى ذلك كانت الدول العظمى تنظر إلى العراق أنه دولة متخلفة من دول العالم الثالث حسب -صباح التميمي- ولذلك بدأت هذه الدول بإحاكة الدسائس والمؤامرات من أجل اتخاذ كافة الإجراءات السياسية والاقتصادية لإضعاف دور العراق في الساحتين العربية والدولية.
الواقع الحالي
وقال المتحدث الإعلامي باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد، إن “الصناعة النفطية في العراق مرت بتطورات كبيرة خصوصًا بعد قرار التأميم عام 1972 لكن جميع المشاريع توقفت بعد دخول العراق الحرب مع إيران (1980-1988) والتي تضررت بسببها الصناعة النفطية وأدت لتوقف عمليات الإنتاج وابتعادها عن التكنولوجيا الحديثة”.
ومن العوامل الأخرى المؤثرة مباشرة على القدرات الوطنية النفطية كذلك حرب الخليج الثانية وما تلاها من فرض الحصار الاقتصادي على البلد، إضافة إلى تحجيم الصناعة النفطية والتصديرية، وهو ما اعتبره جهاد بالنقطة الرئيسية المتمثلة في اتفاق “النفط مقابل الغذاء” بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 986 لعام 1995، الذي يحدد كمية معينة للتصدير النفطي لخارج العراق.
وبعد عام 2003 أيضًا لم يكن جسم القطاع النفطي سليما بسبب التراكمات والآثار السابقة، إلا أن وزارة النفط العراقية وحسب -جهاد- وضعت خططا لزيادة معدلات الإنتاج اليومي لأن العراق يعتمد بشكل مباشر على الصادرات النفطية لتمويل الموازنة المالية الاتحادية.
ويشير جهاد إلى أن “العراق قام بتطوير حقوله النفطية من خلال استقطاب الاستثمارات الأجنبية والتعاقد مع شركات رصينة متعددة الجنسيات، وكذلك جولات الترخيص التي أسهمت بنجاح الصناعة النفطية بعد سنين التخلف النفطي بسبب الأحداث التي جرت قبل عام 2003”.
ويضيف أن الصادرات النفطية بعد عام 2003 تضررت كذلك بسبب تعرض أنابيب التصدير والحقول لهجمات بشكل متواتر إضافة إلى الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية الذي استهدف بشكل مباشر حقول المحافظات وسرقة النفط عبر استخراجه بشكل بدائي.
لكن المتحدث باسم وزارة النفط العراقية يؤكد أن ذلك لن يؤثر على جهود الوزارة بتطوير صناعات الذهب الأسود التي ارتفع إنتاجها لأكثر من 3 ملايين برميل يوميا.
المصدر : الجزيرة