حملة عراقية على الفساد تحوم حول الرؤوس الكبيرة ولا تطالها

حملة عراقية على الفساد تحوم حول الرؤوس الكبيرة ولا تطالها

أعلنت السلطات العراقية الإثنين صدور ثلاثة وخمسين أمر قبض واستدعاء بحق مسؤولين رفيعين حاليين وسابقين بينهم نواب في البرلمان ووزراء ومحافظون، بتهم تتعلق بالفساد.

وجاء هذا الإجراء ضمن ما تقول السلطات إنّه حملة لمحاصرة الفساد المنتشر على نطاق واسع في مفاصل الدولة، لكنّ نشطاء سياسيين وإعلاميين يشكّكون في جدواها، مؤكّدين أنّها تشمل فقط مستويات معينة من المسؤولين، ولا تطال “الحيتان” الكبيرة من المتنفّذين وقادة الأحزاب الحاكمة والميليشيات المسلّحة وما يرتبط بهم من لوبيات.

ويعتبر العراق بين أكثر دول العالم فسادا، وذلك بحسب مؤشرات منظمة الشفافية الدولية على مدى السنوات الماضية.

ويؤكّد مطّلعون على الشأن العراقي وجود حالة من الوعي بخطورة ظاهرة الفساد على تماسك الدولة واستمرارها، وهو ما يعكسه على الأقل خطاب كبار المسؤولين في الدولة على غرار الرئيس برهم صالح الذي قارن مؤخرا بين الفساد والإرهاب، لكنّهم يعتبرون أن الدولة العراقية ومؤسساتها في حالة ضعف لا تسمح بمحاصرة الظاهرة واجتثاثها، إذ أن بعض الجهات الفاسدة أصبحت من القوة والتمكّن بحيث تنازع أجهزة الدولة سلطاتها وهو ما ينطبق على الميليشيات المسلّحة.

وقالت هيئة النزاهة العراقية، وهي هيئة رسمية معنية بملاحقة الفساد، في بيان إنّ القضاء أصدر منذ شهر أبريل الماضي 8 أوامر قبض و45 أمر استدعاء للتحقيق بحق مسؤولين كبار على خلفية قضايا وملفات تتعلق بالفساد.

وأوضحت أن تلك الأوامر شملت 3 أعضاء في مجلس النواب (البرلمان) للدورة الحالية، فضلا عن عضو من الدورات السابقة.

وأضافت أنّ “أوامر القبض والاستقدام شملت وزيرا سابقا ووزيرين أسبقين، إضافة إلى 8 مُحافظين، بينهم اثنان حاليان، و15 من المديرين العامين 7 منهم حاليون و7 سابقون ومدير عام أسبق، كما شملت الأوامر 23 عضوا من أعضاء مجالس المحافظات”.

وفي أغسطس الماضي شكل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لجنة خاصة للتحقيق بملفات الفساد الكبرى، وأوكل مهام تنفيذ أوامر الاعتقالات إلى قوة خاصة برئاسة الوزراء.

وأدخلت المحكمة الاتحادية العليا في العراق الأسبوع الماضي تعديلا على نظام الحصانة الممنوحة لأعضاء البرلمان، وذلك في إجراء قانوني واكب زخما أوسع نطاقا من المطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد الذي كثيرا ما اعتبر مجلس النواب إحدى بؤره عبر تحكّم القوى السياسية الممثلة تحت قبّته في اختيار المسؤولين الحكوميين من وزراء وإداريين واستخدامهم في نهب أموال الدولة والاستيلاء على صفقاتها العمومية دون وجه حقّ.

وألغت المحكمة، التي تُعتبر أعلى سلطة قضائية في العراق، الحصانة الممنوحة لأعضاء البرلمان ضد جرائم الجنايات المشهودة أو الجنح أو المخالفات. أمر قبض واستدعاء بحق مسؤولين رفيعين حاليين وسابقين بينهم نواب ووزراء ومحافظون

وكان نوّاب البرلمان العراقي يتمتعون بحصانة مطلقة ضد جميع الجرائم والتهم المنسوبة إليهم، ولا يحق لأي جهة قضائية أو أمنية القبض عليهم أو محاسبتهم إلا بعد أن يصوت البرلمان على رفع الحصانة عنهم.

وقال بيان للمحكمة الاتحادية إنّ “الحصول على موافقة البرلمان لرفع الحصانة عن أحد الأعضاء في حالة واحدة فقط هي صدور مذكرة قبض في جريمة من نوع الجنايات غير المشهودة”

وأضاف أنه “فيما عدا ذلك فلا حصانة لأعضاء البرلمان، وبالإمكان اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم مباشرة في حال اتهام أي منهم بجريمة جناية مشهودة أو جريمة جنحة أو مخالفة”.

والجرائم غير المشهودة هي الجرائم التي لا تستند إلى أدلة واقعية دامغة، ويتم الإبلاغ عنها من قبل مخبرين.

وعلى مدى السنوات الماضية رُفعت مئات الدعاوى القضائية ضد أعضاء في البرلمان، بتهم تتعلق بفساد مالي وإداري، وأخرى تتعلق بتزوير شهادات، وتجاوز على الصلاحيات، لكن القضاء لم يستطع محاسبتهم بسبب امتلاكهم حصانة برلمانية.

وخلال الاحتجاجات الشعبية التي أصبحت منذ سنوات تتفجّر في البلاد بشكل متكرّر بسبب استشراء الفساد وتردي أوضاع البلاد، كان نواب البرلمان هدفا رئيسيا للمحتجّين الذين يتّهمونهم بالتزوير والفساد ويقولون إنّهم لا يمثّلون سوى أنفسهم ومصالح أحزابهم.

وقال الرئيس العراقي برهم صالح الأحد إن ما تأتى لبلاده من عوائد النفط منذ سنة 2003 يقدّر بحوالي ألف مليار دولار أهدر معظمها وهُرّب منها إلى الخارج نحو 150 مليار دولار.

وجاء ذلك خلال تقديمه مشروع قانون جديد للبرلمان يهدف إلى مكافحة الفساد واستعادة الأموال العامة التي فقدت جراء الاختلاس، وملاحقة المسؤولين عن ذلك.

كما دعا صالح إلى “تشكيل تحالف دولي لمحاربة الفساد على غرار التحالف الدولي ضد داعش”، فالفساد والإرهاب “مترابطان ومتخادمان ويديم أحدهما الآخر ولا يمكن القضاء على الإرهاب الا بتجفيف منابع تمويله المستندة إلى أموال الفساد بوصفها اقتصادا سياسيا للعنف”.

ويستهدف مشروع القانون أفرادا تولوا مناصب هامة في المؤسسات العامة والإدارات منذ عام 2004، وأيضا مقربين منه بهدف استعادة الأصول التي جمعوها من خلال الفساد سواء كانت موجودة في العراق أو خارجه.

صحيفة العرب