إستراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن شريان الحياة في عصر تحدي النفوذ الأميركي

إستراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن شريان الحياة في عصر تحدي النفوذ الأميركي

على مدار سنوات وفي عهد إدارات أميركية متعاقبة كانت التحديات الكبرى التي تواجه الولايات المتحدة واضحة، لكن طرق التعامل مع تلك التحديات اختلفت من إدارة إلى أخرى وفقا لإستراتيجية كل منهما.

ويقول الباحث والمحلل الأميركي جيمس جاي كارافانو، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال انتريست” الأميركية إن الإستراتيجية هي “شريان الحياة التوجيهي” لمواجهة التحديات الكبرى.

ومن أجل تقديم إستراتيجية تناسب تحديات العصر الحديث سيتعين على فريق الرئيس جو بايدن أن يجيب عن بعض الأسئلة، وستخبرنا إجاباته بالكثير عن مدى جاهزية هذا الفريق للتعامل مع تجارب منافسة القوى العظمى.

وأوضح كارافانو، نائب رئيس مؤسسة هريتيج والمسؤول عن أبحاث شؤون الأمن القومي والعلاقات الخارجية في المؤسسة، أن الإستراتيجية تتمثل في اتخاذ خيارات صعبة وحاسمة بشأن كيفية التعامل مع المشاكل الكبرى والمعقدة. وبالتزامن مع تغير المشاكل يجب أن تتغير الإستراتيجيات أيضا.

وفي الكثير من الأحيان يتطلب هذا الأمر القيام بشيء مختلف بشكل كبير؛ ففي بداية الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة تحتل المرتبة العشرين في قائمة القوى العسكرية. وقد تم اتخاذ قرار الاستعداد لخوض صراع عالمي والفوز من خلال إجبار جميع دول المحور على الاستسلام غير المشروط. وكان ذلك تغييرا جذريا في الإستراتيجية الأميركية.

وتولد الإستراتيجيات الحقيقية من الخيارات الصعبة. ويجب أن تحدد الغايات (أي ما الذي ستحققه الإستراتيجية)، والطرق (أي كيف يحققون أهدافهم)، والوسائل (أي ما هي الموارد التي سيتم تخصيصها للمهمة). وإذا كانت صيغ النصر مناسبة (أي من شأنها أن تحقق النتائج المرجوة، وممكنة ومقبولة) فسيكون هناك على الأقل برنامج عمل لإنجاح ذلك.

ويقول كارافانو إن إستراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن سوف تصاغ من خلال التحديات التي تفرضها العديد من القوى العظمى، سواء ذكرت الإدارة ذلك أم لم تذكره.

وهناك أربعة رؤساء متتالين للولايات المتحدة اعتبروا باستمرار الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية على رأس المخاوف.

جيمس جاي كارافانو: التساهل مع بكين يضعف واشنطن ويهدد مصالحها
جيمس جاي كارافانو: التساهل مع بكين يضعف واشنطن ويهدد مصالحها
صحيح أنهم تعاملوا مع تلك الدول بشكل مختلف، وصحيح أن كل واحد منهم كانت لديه أيضا بنود أخرى في قائمته، إلا أن تقييماتهم تشكل أكثر التصورات اتساقا للتهديد الذي تواجهه الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة.

وهذا يعكس عقيدة قوية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي من غير المرجح أن تتغير في أي وقت قريب. كما أن إطار القوة العظمى له مغزى أيضا. وتمثل هذه الدول مجتمعة تحديات عالمية على نطاق الامتداد العالمي للاتحاد السوفييتي. وعلاوة على ذلك فإن لكل منها، بطريقتها الخاصة، القدرة على تهديد السلام والازدهار والاستقرار في المناطق ذات الأهمية الحيوية لواشنطن.

وبحسب كارافانو ينبغي قياس إستراتيجية الرئيس بايدن بناء على مدى فاعليتها في عصر منافسة القوى العظمى. وهناك قضايا عليا سيتعين على فريق بايدن معالجتها.

ومن شأن تحديد الغايات والطرق والوسائل أن يجعل الفريق يقطع شوطا هاما نحو معرفة ما إذا كانت قد قُدمت إستراتيجية قادرة على الحفاظ على أمن الولايات المتحدة وحريتها وازدهارها.

ويرى كارافانو أنه يتعين على واشنطن أن تتحرر من الفكرة القائلة بأنه يتوجب عليها أن تتساهل في معالجة خلافاتها السياسية والعسكرية والأمنية والدبلوماسية مع الصين خوفا من الإضرار بعلاقاتها الاقتصادية. وهذا النوع من الرقابة الذاتية المتعمدة يضعف الذات، ويردع الولايات المتحدة عن حماية مصالحها الخاصة، ويعزز سياسات الصين على حساب أميركا.

ويقول إن أستراليا على سبيل المثال قدمت للعالم الحر مثالا يحتذى به. وتوقفت كانبيرا عن الإعراب عن القلق تجاه الصين وأعطت الأولوية لمصالحها الوطنية الحيوية الخاصة بها. وفي تقديره ينبغي للولايات المتحدة أن تفعل الشيء نفسه.

إن الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية لديها قناعة مشتركة؛ فلا أحد من هذه البلدان يريد خوض حرب مع الولايات المتحدة (على الرغم من أن أحدا لا يمانع إذا فعل ذلك واحد أو أكثر من البلدان الأخرى). وتلك الدول جميعها ترغب في الفوز دون قتال، وبالتالي تبحث جميعها عن أوقات وأماكن وطرق لتحدي النفوذ الأميركي وتقويضه بشكل غير مباشر.

وتتراوح الطرق غير المباشرة لاستنزاف القوة الأميركية ما بين الدعاية والحروب بالوكالة. وغالبا ما تسمى هذه العمليات “المنطقة الرمادية”. وللفوز بلقب القوة العظمى سيتعين على الولايات المتحدة أن تقرر أيا من هذه العمليات مهمة حقا ومن ثم التعامل معها بطريقة تجعل الولايات المتحدة في وضع تنافسي أفضل بعد ذلك.

ومن بين المجالات التي سيتعين على الولايات المتحدة أن تهتم بها بشكل أفضل بكثير منطقة المحيط الأطلسي.

ويلفت كارافانو إلى أن واشنطن لم تعتد على أن تكون هذه المنطقة مساحة تنافسية، غير أن الصين تتدخل عبر منطقة المحيط الأطلسي ومن القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي ومن قلب أفريقيا إلى أميركا الوسطى، لذلك تحتاج واشنطن إلى خطة شاملة للتعامل مع هذا الأمر.

صحيفة العرب