تقارب سياسي بين التيار الصدري وقيادة كردستان العراق استعدادا للانتخابات المبكرة

تقارب سياسي بين التيار الصدري وقيادة كردستان العراق استعدادا للانتخابات المبكرة

الضغوط السياسية والأمنية والمالية الكبيرة التي تعرّض لها إقليم كردستان العراق من قبل القوى الشيعية الأكثر ارتباطا بإيران تفرض على قيادته، وهي تستعد لخوض الانتخابات البرلمانية المبكّرة، المفاضلة بين القوى المشكّلة للبيت السياسي الشيعي على أساس أنّ بعضها أقلّ تطرّفا من البعض الأخر، وأكثر قابلية للتفاهم معه على أساس براغماتي.

أربيل (العراق) – تدفع الضغوط الشديدة التي يتعرّض لها إقليم كردستان العراق على يد ميليشيات وأحزاب شيعية، قيادة الإقليم إلى عقد تفاهمات مع قوى أخرى من داخل البيت السياسي الشيعي تعتبرها أكثر اعتدالا وقابلية لعقد صفقات سياسية قد تشمل إنشاء تحالفات انتخابية استعدادا للانتخابات المبكّرة المقرّرة لشهر أكتوبر القادم.

وأجرى كل من زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني ورئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني الثلاثاء في أربيل مباحثات منفصلة مع وفد من التيار الصدري شملت الانتخابات التشريعية المقبلة.

واعتاد الحزبان الكرديان الكبيران في العراق، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، على عقد تحالفات براغماتية في المناسبات الانتخابية لا يُستثنى منها خصوم معلنون للحزبين بمن في ذلك “صقور” العائلة السياسية الشيعية.

لكنّ الظروف اختلفت بسبب تعرّض الإقليم الذي يديره الحزبان بشكل رئيسي لضغوط غير مسبوقة من قبل قوى شيعية عراقية متنفّذة تراوحت بين التضييق عليه ماليا من خلال محاولة تقليص حصّته من الموازنة الاتحادية ومنع وصول الأموال إليه، وبين التحرّش بأمنه من خلال قصف الميليشيات لمواقع داخل أراضيه، فضلا عن حملة تحريض سياسي وإعلامي تخوضها تلك القوى ضدّه بشكل كثيف ومتواصل.

ولا تنفصل تلك الضغوط، بحسب مصادر سياسية عراقية، عن الصراع المستمرّ الذي تخوضه إيران على النفوذ في العراق وخصوصا ضدّ الولايات المتّحدة، حيث يتهم حلفاءُ طهران العراقيون قيادةَ الإقليم بـ”العمالة” لواشنطن والتآمر معها لتحويل أراضي كردستان إلى موطن بديل للقوات الأميركية التي تطالب أحزابٌ وميليشيات شيعية عراقية بإخراجها من البلاد.

من مصلحة أكراد العراق عدم هيمنة الميليشيات والأحزاب الأكثر قربا من إيران على مقاليد الحكم إثر الانتخابات القادمة

وفي ظل اتّساع هوة الخلاف بين قيادة كردستان العراق وعدد من الأحزاب والميليشيات الشيعية، تبدو بوصلة التحالفات الانتخابية الكردية متّجهة هذه المرّة بشكل رئيسي صوب التيار الصدري الذي يقوده رجل الديني الشيعي مقتدى الصدر، والذي برز كبديل ممكن عن الأحزاب الشيعية التي قادت البلاد منذ 2003 وفشلت في ذلك فشلا ذريعا، بينما ارتفع سقف طموحات زعيم التيار الذي سبق له أن أفصح عن هدفه من خوض تياره للانتخابات المقبلة وهو الفوز بغالبية مريحة في البرلمان القادم تتيح للتيار تشكيل الحكومة.

وضمّ وفد التيار الصدري الذي التقى الزعيم الكردي القياديين في التيار نصار الربيعي وحسن الكعبي وأمير الكناني وعددا من أعضاء مجلس النواب عن تحالف سائرون المدعوم من الصدر.

وقالت مصادر سياسية من داخل الإقليم إنّ الاجتماع تناول الانتخابات المبكرة والعلاقات بين الحزب الديمقراطي والتيار الصدري.

وقال بيان لمكتب حكومة الإقليم إن رئيس الحكومة مسرور البارزاني التقى الثلاثاء “وفدا رفيع المستوى من التيار الصدري برئاسة نصّار الربيعي لبحث أوضاع العراق والعلاقات بين

الإقليم والمركز، لاسيما الانتخابات التشريعية المقبلة، وضرورة تمهيد الطريق من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة وبما يضمن حقوق ورغبات الأطراف كافة”.

كما تمّ خلال الاجتماع “التباحث حول أهمية حل المشكلات العالقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان على أساس الدستور واحترام مبادئ التوازن والمشاركة الحقيقية في الإدارة وصنع القرار في إطار عراق اتحادي وديمقراطي”.

وتأتي على رأس تلك “المشكلات” القضية المالية شديدة الحيوية للإقليم الذي لم يتمكّن بعدُ من الحصول على حصّته في الموازنة رغم تجاوز عقبة تمرير قانون الموازنة الذي اعترضت عليه قوى شيعية تشدّدت في التدقيق بعدد موظفي الإقليم وفي مطالبته بأموال النفط الذي يبيعه مباشرة من الحقول الواقعة ضمن أراضيه.

واضطرت حكومة إقليم كردستان العراق هذا الأسبوع مجدّدا لإرسال وفد إلى بغداد للتفاوض حول تطبيق بنود قانون الموازنة. والتقى الوفد الثلاثاء الرئيس العراقي برهم صالح الذي “أكد أهمية حسم المسائل العالقة بين أربيل وبغداد، بما فيها قضية الموازنة وفقا للدستور”. وقال بيان صادر عن مكتبه إنّ “اللقاء تناول أهمية تعزيز التعاون البنّاء بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان في المجالات كافة من أجل ترسيخ أمن واستقرار البلد، وحسم المسائل المالية وفقا للدستور وتنفيذ الالتزامات الواردة في قانون الموازنة العامة وتأمين حقوق المواطنين وتلبية احتياجاتهم”.

ويُعتبر ارتباط إقليم كردستان ماليا بالدولة الاتّحادية العراقية نموذجا عن التعايش الاضطراري المفروض على أكراد العراق مع عملية سياسية تقودها أحزاب شيعية على طرف نقيض معهم عقائديا وأيديولوجيا، خصوصا بعد أن فشلت أكثر محاولاتهم جرأة لتحقيق استقلال إقليمهم عبر استفتاء أجروه في خريف سنة 2017، وتعاونت بغداد في إحباط نتائجه ومنع تنفيذها مع كل من إيران وتركيا الرافضتين قطعيا لإقامة دولة كردية في المنطقة.

ولن يكون من مصلحة القيادة السياسية الكردية فوز الأحزاب الشيعية الأكثر موالاة لإيران وممثلي ميليشيات الحشد الشعبي في الانتخابات العراقية القادمة، ما يعني تزايد الضغوط على الإقليم، بينما سيكون فوز تيارات ترفع شعار الاعتدال وعبور حدود الطائفية والقومية مثل تيار الحكمة بقيادة عمّار الحكيم وائتلاف النصر بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر أنسب للإقليم وقيادته.

العرب