برز انحياز الإعلام الإسباني التام للرواية الحكومية الرسمية في التوتر مع المغرب واضحا في تغطيته أحادية الجانب للأحداث، ثم تجاوز حدود هذا الانحياز بشن حملات تشويه لصورة المغرب والإساءة إلى رموزه.
الرباط – أعرب عبدالله البقالي رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية أن النقابة بصدد إعداد “مبادرة لمواجهة الإعلام الإسباني”، بعد هجمات لوسائل الإعلام الإسبانية تحمل إساءة وتطاولا ضد رموز المغرب.
وقال البقالي خلال مؤتمر صحافي لعرض التقرير السنوي عن حالة الإعلام في المغرب، “يهمنا أن نسجل تواطؤ وسائل الإعلام الإسبانية التي تتبجح بالمهنية وقدمت أوصافا قدحية لرئيس دولة”.
وتشن وسائل الإعلام الإسبانية هجوما غير مسبوق على المغرب بسبب موجة الهجرة الجماعية من المغرب نحو مدينة سبتة، ووصل هذا الهجوم ذروته حين وصف التلفزيون الرسمي، العاهل المغربي الملك محمد السادس بأوصاف غير لائقة وخارجة عن المهنية.
وقالت وسائل إعلام مغربية أن مقدم برنامج “الأشياء بالواضح” (Las cosas claras) الصحافي خيسوس سينتورة، فتح المجال واسعا لضيوفه للإساءة للعاهل المغربي و”كأن الأمر يتعلق بقناة يوتيوب تابعة للأحزاب اليمينية المتطرفة وليس بالتلفزيون الرسمي للبلاد”.
كما حاول البرنامج، وهو من أهم البرامج السياسية الإخبارية في القناة، أن يقحم المغرب في فضيحة تلقي الملك الإسباني الأسبق خوان كارلوس رشاوى، دون أي دليل أو إثبات.
وأضافت أن إسبانيا اختارت لهجة التصعيد عبر وسائل الإعلام بعد رفضها تقديم أي تفسيرات مقنعة للمغرب حول استقبالها خلسة لزعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، للعلاج في أحد مستشفيات مدينة لوغرونيو، بشكل سري وبجواز سفر يحمل هوية مزورة.
واعتبر محللون أن اعتراض المغرب المشروع على هذه الاستضافة، لا يبرر كل هذه الهجمات من قبل وسائل الإعلام الإسبانية التي انتهزت الفرصة لفتح ملفات لا تخدم سوى التصعيد بين البلدين، دون حتى التأكد من صحتها في خرق واضح للمهنية ومعايير العمل الصحافي.
وقامت قنوات تلفزيونية إسبانية كبرى في الأيام الأولى للأزمة ببث صور حولها الكثير من الشك والريبة، وقدمتها دون أي تدقيق باعتبارها مساندة للرواية الإسبانية، ورفضت القنوات الإسبانية بث أي معلومة قد تشكك في صدقية هذه الصور.
وهاجمت معظم الصحف الإسبانية الرباط، وكتبت صحيفة “إلموندو” الواسعة الانتشار مقالا تحت عنوان “الحرب الخفية التي تهز الصحراء الغربية” وجاء في مضمون المقال بأن المغرب يسكت عن خرق وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991، في نوفمبر الماضي، بينما تصدر جبهة البوليساريو تقارير عسكرية يومية تتحدث عن “خسائر بشرية كبيرة”.
وحاولت “إلموندو” الإسبانية أن تلعب هذه المرة على وتر وجود حرب فعلا بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية على طول امتداد الجدار العازل وأن المغرب وبالرغم من انخفاض شدتها حاليا إلا أنه يلتزم الصمت.
بدوره، كتب موقع “كونتراين فورماسيون” الإسباني مقالا عنونه بـ”جزء الحرب رقم 200، حرب الصحراء الغربية، وجاء في مضمونه بأن الحرب بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو تدخل في شهرها السابع دون وجود أي هدنة بين الرباط والبوليساريو”، مضيفا بأن جيش البوليساريو أصدر بيانه رقم 200 والذي قال فيه بأن جنوده يقصفون ليل نهار العديد من المواقع العسكرية المغربية.
وقال الأستاذ الجامعي والإعلامي المغربي سعيد الخمسي، “لاحظنا في المرحلة أولى غياب وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية عن تغطية الحدث وفي المرحلة الثانية تواطأت وسائل الإعلام الإسبانية بكافة أشكالها على تغطية جانب واحد من القصة وهو الجانب الإنساني”.
وأضاف الخمسي “في المرحلة الثالثة وهي الأخطر انخرطت وسائل الإعلام الإسبانية بحملة شرسة لتشويه صورة المغرب من جهة، وفي تزوير الوقائع والحقائق من خلال تحويل سؤال المرحلة وهو قضية زعيم الانفصاليين المتابع قانونيا وقضائيا بهوية مزورة إلى قضايا هامشية”.
وأشار الإعلامي إلى أن “الإعلام الإسباني وبشكل مستفز اشتغل على تحريك الوجدان الإسباني والأوروبي من خلال الضرب والعزف على وتر الهجرة غير النظامية الأمر الذي تعدى إلى تأسيس مدرسة إسبانية في الهجوم على الآخرين وتشتيت الرأي العام وتغيير الحقائق وتغيير المعادلات”.
ويرى العديد من المحللين بأن الأزمة الدبلوماسية الحالية بين الرباط ومدريد وجدتها الصحافة الإسبانية المعادية للمغرب أرضا خصبة لمهاجمة الرباط.
وأضاف هؤلاء المحللون بأن حديث وسائل الإعلام اليوم عن وجود حرب بالصحراء بين المغرب والبوليساريو ولعبها على هذا الوتر ما هو إلا هدف مكشوف للضغط على المغرب للقبول بتصرفات مدريد وأن يبقى حارسا وفيا لحدودها الجنوبية.
وتابعوا بأن هجوم الصحافة الإسبانية على المملكة المغربية في نفس الوقت واستغلالها لنفس الموضوع يؤكد بأن مدريد لا تتعامل مع الأزمة الحالية بأنها أزمة دبلوماسية جاءت نتيجة خطأ ارتكبته الحكومة الإسبانية وإنما حولتها إلى الابتزاز.
محللون يرون أن الأزمة الدبلوماسية الحالية بين الرباط ومدريد وجدتها الصحافة الإسبانية المعادية للمغرب أرضا خصبة لمهاجمة الرباط
ولم تتقبل العديد من وسائل الإعلام الإسبانية، ما يحصل في مدينة سبتة، ورد الفعل المغربي بعد أن أقدمت وزيرة الخارجية الإسبانية، أرانشا غونزاليس لايا، استدعاء السفيرة المغربية في مدريد، بعد وصول أكثر من 7000 آلاف مهاجر إلى المدينة المحتلة، حيث رفض المغرب هذا الاستدعاء ودعا سفيرته للعودة إلى الرباط من أجل “التشاور”.
وكانت السفيرة المغربية، قد أكدت في تصريح أدلت به لوكالة الأنباء الإسبانية “أوروبا بريس” تعليقا على أحداث سبتة أن “هناك أفعالا لها عواقب، ويجب تحمل تبعاتها”.
وفاجأت هذه التصريحات المغربية، الإعلام الإسباني إضافة إلى انزعاجه من الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، ليشن حملة على الدبلوماسية الأميركية أيضا في ما يتعلق بهذه القضية حيث وصفت صحيفة “أي.بي.سي” الإسبانية المحسوبة على اليمين في مقال لها اتصال وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن، مع وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، والحديث عن دور المغرب الرئيسي في استقرار المنطقة بـ”الوقاحة الدبلوماسية”.
ولا ينفي هذا وجود أصوات قليلة في الإعلام الإسباني اتخذت موقفا موضوعيا، حيث أكد مدير صحيفة “لاراثون”، فرانسيسكو مارهويندا، أن “الغطرسة الأوروبية” لبعض وسائل الإعلام والسياسيين الإسبان الذين يهاجمون المغرب، ليست المسار الصحيح لحل النزاع مع “دولة حليفة”.
وكتب مارهويندا، في مقال رأي نشر، في مايو الماضي، أن موقف بعض السياسيين والمحللين والصحافيين “الذين ينتقدون المغرب بغطرسة أوروبية، “لا يساعد في تجاوز النزاع الحالي مع المملكة”.
وأكد أن “الاستبعاد الممنهج لدولة حليفة، تحتل مكانة أساسية بالنسبة لمصالحنا، لا يبدو استراتيجية مناسبة للتغلب على الأزمة”، معتبرا أن هذا “النزاع يتطلب الحكمة والحزم”.
وعبر عن أسفه لكون بعض الأوساط الإعلامية والسياسية الإسبانية “لم تستخلص الدروس من أخطاء الماضي”، مبرزا أن “سوء إدارة هذا التجاوز السياسي وهذا التصرف غير المفهوم والمثير للجدل، المتمثل في استقبال زعيم جبهة البوليساريو أثار أزمة دبلوماسية خطيرة” مع المغرب.
العرب