لو لم يتعرض العالم لجائحة فايروس كورونا المستجد في العام الماضي لكان معدل نموّ الاقتصاد العالمي خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين حوالي 3.6 في المئة، وهو ما يقل قليلا عن المعدل المسجل في العقد السابق وكان 3.7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
وهذه الأرقام ليست سيئة في ضوء التحديات العديدة التي شهدها العالم قبل الجائحة بحسب جيم أونيل المحلل الاقتصادي الشهير ورئيس المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس)، الذي يؤكد أن الاقتصادات الصاعدة مثل الصين من شأنها أن ترسم خارطة النمو العالمي على رغم التحدي الديموغرافي الذي تعاني منه إحدى أبرز القوى الدولية، حيث إن الاقتصاد الصيني الوحيد الذي استفاد من كامل إمكانياته أعقاب ظهور الوباء.
في الوقت نفسه فإن النمو العالمي في العقدين الأول والثاني من العام الحالي كان أقوى منه في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، حيث كان معدل النمو 3.3 في المئة فقط. كما شهدت السنوات العشرون الأولى من القرن الحالي خروج المئات من الملايين من البشر من دائرة الفقر المدقع كنتيجة لمعجزة النمو الاقتصادي، التي قادتها ما سميت بالأسواق الصاعدة والتي تأتي دول تجمع “بريكس” في قلبها.
وتحل في العام الحالي الذكرى العشرين لقيام ما أطلق عليه جيم أونيل اختصارا “بريكس” ويشمل الأحرف الأولى لأسماء أربع دول صاعدة كبرى وهي البرازيل وروسيا والهند والصين، التي أسست التجمع قبل انضمام جنوب أفريقيا إليه في عام 2010.
جيم أونيل: الاقتصاد الصيني سيتفوق على الاقتصاد الأميركي
ويقول أونيل إنه اختار اسم “بريكس” ويعني باللغة الإنجليزية “أحجار البناء” تعبيرا عن الأهمية الاقتصادية المتزايدة لهذه الدول وتأثيرات صعودها على الحوكمة العالمية.
ويلفت أونيل وهو الرئيس السابق لشركة جولدمان ساكس أسيت مانجمنت لإدارة الأصول في تحليل نشره على موقع صندوق النقد الدولي “إن العالم يحتاج إلى اقتصادات أفضل لدول بريكس، لتبرير تغيير إطار الحوكمة الاقتصادية العالمية وليس من أجل النمو المستقبلي الحتمي لهذه الدول”.
وبسبب ضخامة عدد سكانها وبالتالي القوة العاملة لديها وارتفاع مستوى الإنتاجية، فإنه من السهل للغاية إدراك أن معدلات النمو المحتملة لدول بريكس كانت أعلى كثيرا من معدلات النمو للاقتصادات الأكثر تقدما في العالم.
ولكن لا يعني هذه بالتأكيد أن كل دول بريكس تحقق معدلات النمو المتاحة لها بالفعل، لأن هذا الكلام ليس واقعيا بحسب أونيل الذي كان عضوا في مجلس اللوردات البريطاني.
في هذا السياق، كان العقد الثاني من القرن الحالي مخالفا تماما للعقد الأول، حيث حققت دول بريكس الأربع أداء أفضل مما توقعه جيم أونيل مع انطلاق التجمع في 2001 وفي حين أصبح الموقف الاقتصادي في الهند خلال السنوات القليلة الأخيرة مخيبا للآمال، فإنها حققت نموا يتفق مع رؤية أونيل بدرجة كبيرة.
ولكن الأداء الاقتصادي لكل من البرازيل وروسيا خلال العقد الماضي كان مخيبا للآمال للغاية أيضا.
في المقابل، استمر النمو القوي للاقتصاد الصيني وهو ما يشير إلى أنه الوحيد بين اقتصادات بريكس الذي استفاد من كامل إمكانياته. فإجمالي الناتج المحلي للصين زاد عن 14 تريليون دولار في نهاية 2019، وهو ما يزيد عن ضعف إجمالي الناتج المحلي لدول بريكس الثلاث الأخرى.
في الوقت نفسه فإن هذا الحجم الهائل للاقتصاد الصيني يشير إلى أن اقتصادات تجمع بريكس معا تزيد عن إجمالي حجم اقتصاد الاتحاد الأوروبي، وتقترب من حجم الاقتصاد الأميركي وهو أكبر اقتصاد في العالم.
ورغم أن النمو الحقيقي للاقتصاد الصيني سيتباطأ خلال العام الحالي، في ضوء التحدي الديموغرافي الذي تواجهه الصين، فإنه لن يتوقف عن النمو حتى يصبح أكبر اقتصاد في العالم متفوقا على الاقتصاد الأميركي. ولكي يحقق العالم نموا اقتصاديا أسرع، يجب على الدول ذات التركيبة السكانية الجيدة من حيث ارتفاع نسبة السكان في سن العمل، السعي إلى زيادة إنتاجية اقتصادها.
وبحسب أونيل وهو وزير بريطاني سابق، سيكون من الصعب على العالم تحقيق نمو اقتصادي حقيقي خلال العقد الحالي بمعدل 4 في المئة، ولا حتى بمعدل 3.7 في المئة كما حدث في العقدين الماضيين.
ويرى المحلل الاقتصادي الشهير أن هناك أربعة عوامل ستحدد ما إذا كان العالم سيحقق معدلات النمو المطلوبة أم لا. في مقدمة هذه العوامل، الإنتاجية في الاقتصادات المتقدمة، ووتيرة تباطؤ النمو في الصين، ونجاح الهند في استعادة عافيتها، وأخيرا نجاح الدول الصاعدة الأخرى ذات الكثافة السكانية العالية مثل إندونيسيا والمكسيك ونيجيريا في استغلال إمكانياتها على المدى الطويل. فإذا حدث هذا سيكون لدى الاقتصاد العالمي فرصة لتحقيق معدلات نمو تماثل معدلات العقد الماضي.
ويعتقد أنه بعد كارثة جائحة كورونا، يجب على الاقتصادات الصاعدة وبخاصة الكبرى منها تبني سياسات مالية أذكى، بحيث تعطي أولوية للاستثمارات العامة.
ويحتاج العالم إلى أساس مختلف لتقييم الإطار الاقتصادي والظروف الخاصة بالسياسة المالية. وبتحديد أكثر فإن الوقت قد حان للتمييز بشكل حقيقي بين الإنفاق الاستثماري الحكومي والإنفاق الحكومي الاستهلاكي، حيث إن الأول تكون له تأثيرات إيجابية متضاعفة، وبالتالي لا تجب معاملته محاسبيا مثل الإنفاق الاستهلاكي.
كما أن التعامل مع أزمات المناخ والتهديدات الصحية المستقبلية يحتاج إلى مثل هذه الاستثمارات العامة. وأخيرا، يخلص أونيل إلى أن استفادة أي سوق صاعدة من إمكانياتها يعتمد على مثل هذا الاستثمار والذي يمكن القول إنه أكثر أهمية من الأحوال المالية بالنسبة للنمو الاقتصادي.
صحيفة العرب