الدراما السياسية الإسرائيلية لن تنتهي بالإطاحة بنتنياهو

الدراما السياسية الإسرائيلية لن تنتهي بالإطاحة بنتنياهو

أصبح بنيامين نتنياهو أطول رؤساء وزراء إسرائيل بقاء في الحكم قاب قوسين أو أدنى من الخروج من السلطة بعد أن ظل أكثر من عشر سنوات في مقعد القيادة وذلك بعد نجاح خصمه الوسطي يائير لابيد في تشكيل حكومة جديدة بانتظار أن تؤدي اليمين في الأيام القادمة، ويرى المتابعون أن المشهد السياسي في إسرائيل لن يحظى بالجديد حيث ستتواصل الأزمة الداخلية في ظل ولادة تحالف حكومي هش، في المقابل ستبقي الحكومة اليمينية على سياستها المتشددة مع الفلسطينيين.

القدس – مع اقتراب زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد من الإطاحة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإعلانه الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة مع ائتلاف من حلفاء سياسيين ينتمون لتيارات متباينة، يطرح متابعون تساؤلات بشأن معالم المشهد السياسي الجديد في إسرائيل، وأي نهج ستتخذه الحكومة الجديدة في التعاطي مع الفلسطينيين ودول المنطقة ككل.

ويتوقع متابعون ألا تبتعد الحكومة الجديدة التي يرأسها الوسطي لابيد كثيرا عن نهج الحكومة التي سبقتها، حيث ستكون هشة في ظل غياب التجانس في الأحزاب المشاركة فيها، وفي تقدير هؤلاء يحمل تحالف التغيير نواة تفككه في ظل مرجعياته المتضادة ما من شأنه أن يبقي على الأزمة السياسية الداخلية.

وقد تؤدي التركيبة المتنوعة لتحالف لابيد – بينيت إلى وضع غير مستقر، لاسيما في بلد تمزقه الانقسامات السياسية إلى درجة أن تكرار انتخابات بات أمرا طبيعيا فيه.

ويمثل التحالف الهش الذي سيتمتع بأغلبية صغيرة في الكنيست فرصة لنتنياهو، أطول رؤساء الوزراء بقاء في السلطة في إسرائيل، لمحاولة تقليب نواب البرلمان ضده، والانقضاض على الحكم من باب المعارضة.

وحتى في الوقت الذي يخوض فيه معركة قضائية في مواجهة تهم الفساد التي ينفيها، فإن نتنياهو بصفته زعيما للمعارضة سيكون في وضعية الاستعداد للهجوم على ائتلاف حاكم جديد من أحزاب يمينية ووسطية وعربية لا يجمعها شيء مشترك سوى الرغبة في الإطاحة به.

وفي مواجهة احتمال انتهاء فترة حكمه المتصل على مدى 12 عاما، قال نتنياهو على تويتر “يتعين على كل المشرعين اليمينيين المنتخبين معارضة حكومة اليسار الخطرة هذه” واستهدف المشاركة العربية التاريخية في الائتلاف.

وأعادت تصريحاته إلى الأذهان أصداء اللغة التي كان يتحدث بها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أقرب حلفائه على الصعيد الدولي والذي أطيح به كذلك من منصبه لكنه لا يزال يحظى بولاء مؤيديه.

وبالنسبة إلى الناخبين الموالين لنتنياهو، فإنه يظل زعيما صاحب موقف قوي في ما يتعلق بالأمن ودرعا في مواجهة الضغط حتى من الرئيس الأميركي جو بايدن لأي خطوات جريئة قد تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية.

ومن مقاعد المعارضة، يمكن أن يواصل نتنياهو ترديد رسالة مفادها أن الائتلاف الجديد سيكبله الأعضاء اليساريون إذا دعت الضرورة لاتخاذ خطوات عسكرية ضد أعداء إسرائيل.

وعودة نتنياهو الى المشهد الإسرائيلي محتملة فقد صوت ربع الناخبين لحزبه الذي لا يزال صاحب أكبر عدد من المقاعد في الكنيست برصيد 30 مقعدا من 120 مقعدا.

وسيصبح نتنياهو الزعيم الطبيعي للمعارضة. وهذه مهمة مألوفة ففي منتصف التسعينات كان مصدر إزعاج شديد لرئيس الوزراء آنذاك إسحق رابين، وسيوجه سهام نقده لحكومة غير متجانسة بهدف إرباكها وتسجيل نقاط سياسية على حساب خصومه.

ائتلاف من أطراف متباينة
بموجب اتفاق تشكيل التحالف سيتولى السياسي القومي نفتالي بينيت (49 عاما)، وهو وزير دفاع سابق ومليونير، منصب رئيس الوزراء أولا ثم يسلم المنصب إلى لابيد (57 عاما)، وهو مقدم برامج تلفزيونية سابق ووزير مالية سابق، في غضون نحو عامين.

وليست لدى الأحزاب المشاركة في الائتلاف الجديد قواسم مشتركة تذكر سوى الرغبة في الإطاحة بنتنياهو الذي يواجه أيضا محاكمة في اتهامات بالفساد ينفيها.

ويضم التحالف حزب يامينا بزعامة بينيت، وحزب أزرق أبيض الذي يمثل تيار يسار الوسط بزعامة وزير الدفاع بيني غانتس وحزبي ميرتس والعمل اليساريين، بالإضافة إلى حزب إسرائيل بيتنا بزعامة السياسي القومي ليبرمان، وحزب أمل جديد بزعامة جدعون ساعر وزير التعليم السابق الذي انفصل عن حزب ليكود.

ويتوقع المحللون السياسيون على نطاق واسع أن يحاول نتنياهو قطف ما وصفها أحدهم بأنها “الثمرة الدانية” باستقطاب أعضاء من حزب يامينا غير راضين عن العمل مع مشرعين عرب ويساريين.

وقال ليبرمان للقناة 13 بالتلفزيون الإسرائيلي “بدأنا هذه الخطوة، لكننا لم نستكملها بعد. مازالت أمامنا 12 يوما لن تكون سهلة، وفي نهاية المطاف ستتشكل حكومة”.

التركيبة المتنوعة لتحالف لابيد – بينيت قد تؤدي إلى وضع غير مستقر، لاسيما في بلد تمزقه الانقسامات السياسية منذ سنوات

وكان نتنياهو، خلال فترة توليه منصب رئيس الوزراء، شخصية استقطابية في أغلب الأحيان سواء في الداخل أو في الخارج. ويشير منافسوه إلى الاتهامات الجنائية الموجهة إليه باعتبارها السبب الرئيسي لاحتياج إسرائيل لزعيم جديد، دافعين بأنه قد يستغل فترة ولاية جديدة لإصدار تشريع يمنحه حصانة.

وقال مصدر مشارك في محادثات تشكيل الائتلاف إن الحكومة الجديدة المقترحة ستحاول الحفاظ على الوفاق بتجنب الأفكار الخلافية مثل ما إذا كان يتعين ضم أراضي الضفة الغربية التي يريدها الفلسطينيون لإقامة دولتهم المستقبلية أو التخلي عنها.

وقد يكون أقرب اختبار للحكومة الجديدة هو إقرار الموازنة العامة، وهي قضية تسببت في الإطاحة بائتلافات في السابق.

ومازالت إسرائيل، بسبب الأزمة السياسية التي طال أمدها، تستخدم نسخة معدلة بالتناسب من ميزانية سنة الأساس 2019 التي أُقرت في منتصف عام 2018. وقد تكون هناك بعض التغييرات الكبيرة في الميزانية بسبب خلو الحكومة الجديدة من تمثيل للأحزاب الدينية المتطرفة التي تريد تمويلا من الدولة للمؤسسات الدينية.

الملف الفلسطيني
ستواجه الحكومة الجديدة، إذا ما أدت اليمين، تحديات كبيرة. فإلى جانب إيران وعملية السلام مع الفلسطينيين، ستواجه تحقيقا في ارتكاب جرائم حرب تجريه المحكمة الجنائية الدولية، ومهمة إنعاش الاقتصاد بعد جائحة فايروس كورونا.

وبالنسبة إلى الملف الفلسطيني، يتوقع متابعون أن يبقي بينيت الذي يقود حزب يامينا (إلى اليمين) القومي المتطرف على سياسة متشددة تجاه الفلسطينيين.

ويعتمد بينيت خطابا دينيا قوميا متشددا، ويقود حزب يامينا المؤيد للاستيطان وضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، كما يدعو إلى سياسة متشددة حيال إيران.

ليست لدى الأحزاب المشاركة في الائتلاف الجديد قواسم مشتركة تذكر سوى الرغبة في الإطاحة بنتنياهو

وإذا ما حصلت الحكومة الإسرائيلية الجديدة على ثقة الكنيست (البرلمان)، فسيصبح بينيت رئيسا لها حتى سبتمبر 2023.

وفي حال توليه المنصب فسيكون أول رئيس وزراء لحكومة يمينية دينية متشددة في تاريخ الدولة العبرية بعدما شغل خمس حقائب وزارية سابقا بينها وزارة الدفاع في العام 2020.

ويعرف عن بينيت معارضته الشديدة لقيام دولة فلسطينية، ودعوته المتكررة لضم إسرائيل المنطقة “ج” التي تُشكّل 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية.

وذكر بينيت لصحيفة “جروزاليم بوست” الإسرائيلية في يوليو الماضي “لقد قتلت الكثير من العرب في حياتي، ولا توجد مشكلة في ذلك”.

ويستبعد المتابعون أي تغيير باتجاه إقرار حق الفلسطينيين في دولة مستقلة، خاصة مع غياب شبه كامل لملف الصراع من برامج الأحزاب السياسية.

وتجمدت عملية السلام بين فلسطين وإسرائيل منذ 2014، جراء رفض الأخيرة وقف الاستيطان في الأراضي المحتلة، والقبول بحدود 1967 كأساس للتفاوض على إقامة دولة فلسطينية.

العرب