يوافق السبت (5 يونيو/حزيران)، الذكرى السنوية الـ54 لما يُعرف عربيا باسم “النكسة”، أو حرب عام 1967، التي انتهت بهزيمة إسرائيل للجيوش العربية، واحتلالها مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية والمصرية والسورية.
ورغم مرور هذه السنوات الطوال على الحرب، إلا أن تداعياتها ما تزال مستمرة، حيث تواصل إسرائيل احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة، ومرتفعات الجولان السورية، رغم صدور قرارات دولية عن مجلس الأمن، تطالبها بالانسحاب منها.
شرارة الحرب
اندلعت الشرارة الأولى للحرب، بعد إقدام سلاح الجو الإسرائيلي على شن هجوم مباغت على قواعد سلاح الجو المصري في سيناء، 5 يونيو/حزيران 1967.
واستغرقت هذه الحرب، التي نتجت عنها هزيمة الجيوش العربية، 6 أيام.
وأطلقت إسرائيل على هذه الحرب اسم “الأيام الستة”، وذلك من باب التفاخر بالمدة الزمنية القصيرة التي هزمت خلالها الجيوش العربية.
ويقول مؤرخون عرب، إن إسرائيل استغلت عدة أمور، لتبرير شنها للحرب، ومنها إغلاق مصر لـ”مضائق تيران” بالبحر الأحمر في وجه الملاحة الإسرائيلية، وهو الأمر الذي اعتبرته “إعلانا مصريا رسميا للحرب عليها”، وذلك في 22 مايو/ أيار 1967.
نتائج الحرب
انتهت حرب 1967 عسكريا، لكن تبعاتها السياسية والجغرافية لم تنته بعد، حيث تواصل إسرائيل احتلال الضفة الغربية، ومحاصرة قطاع غزة، إلى جانب ضم القدس والجولان لحدودها، والمضي في المشاريع الاستيطانية بمدينة القدس.
وبحسب تقارير فلسطينية، فإن إسرائيل تستولي على 85 بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية والبالغة حوالي 27 ألف كيلومتر مربع، وتواصل نهب مقوماتها، فيما لم يتبق للفلسطينيين سوى 15 بالمئة فقط، وتخضع للاحتلال الإسرائيلي.
كما أدت الحرب إلى مقتل نحو 20 ألف عربي، و800 إسرائيلي.
ودمّرت إسرائيل خلال الحرب، وفق دراسات تاريخية، ما يقدّر بنحو 70 إلى 80 بالمئة من العتاد العسكري في الدول العربية، فيما لحق الضرر بنحو 2 إلى 5 بالمئة من عتادها العسكري.
وخلال الأيام الستة، احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء المصرية وجنوب لبنان ومرتفعات الجولان السورية.
وترتب على “النكسة”، وفق إحصائيات فلسطينية، تهجير نحو 300 ألف فلسطيني من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة؛ معظمهم نزح إلى الأردن.
ووفق بيان لهيئة شؤون الأسرى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، السبت، فقد سجلت على مدى 54 عاما نحو مليون حالة اعتقال نفذها الاحتلال الإسرائيلي، بينهم قرابة 4400 ما زالوا رهن الاعتقال.
استيطان وتنكر للشرعية الدولية
فتحت النكسة باب الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، وبخاصة في مدينة القدس، وقطاع غزة (انسحبت من داخله عام 2005).
وتشير تقديرات إسرائيلية وفلسطينية، إلى وجود نحو 650 ألف مستوطن في مستوطنات الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، يسكنون في 164 مستوطنة، و116 بؤرة استيطانية.
وفي نوفمبر/ تشرين ثاني 1967، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، القرار 242، والذي يدعو إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي احتلتها في يونيو/حزيران من ذات العام.
لكنّ إسرائيل لم تطبق هذا القرار، في سلوك يصفه الفلسطينيون بأنه “انتهاك واضح وصريح للشرعية الدولية”.
إقامة السلطة وإعادة احتلال مدن الضفة
فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية، فقد استمر الاحتلال العسكري المباشر، للضفة الغربية وقطاع غزة، حتّى تأسيس السلطة الفلسطينية، عقب توقيع اتفاقية أوسلو للسلام (بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل) عام 1993، والتي ترتب عليها تطبيق نظام الحكم الذاتي، في تلك الأراضي.
وكان من المقرر إقامة دولة فلسطينية مستقلة، إلى جانب إسرائيل، عقب انتهاء المرحلة الانتقالية عام 1999، وإنهاء الاحتلال لأراضي الضفة وغزة، حسبما تنص اتفاقيات أوسلو للسلام.
لكنّ إسرائيل تنصلت من التزاماتها، وبدلا من ذلك عززت الاستيطان في أراضي الضفة الغربية، وأعادت عام 2002 احتلال مناطق خضعت للسلطة الفلسطينية وفق اتفاقية أوسلو.
وبسبب السلوك الإسرائيلي، تعطلت عملية السلام، وتوقفت المفاوضات السياسية، وما زالت متوقفة منذ فشل آخر جولة مفاوضات عام 2014 بسبب إصرار إسرائيل على بناء المستوطنات.
ومنذ تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، لصالح قرار منح فلسطين صفة دولة “مراقب”، لم تتوقف مساعي الفلسطينيين لإكمال عضويتهم.
سيناء والجولان
انسحبت إسرائيل، عام 1982، من شبه جزيرة سيناء المصرية، تطبيقا لمعاهدة السلام التي أبرمت بين مصر وإسرائيل عام 1979.
أما مرتفعات الجولان السورية، التي تعتبر أرضًا سورية محتلة، بحسب قرارات الشرعية الدولية، فترفض إسرائيل الانسحاب منها وتعتبرها جزءا من أراضيها، حيث قررت في 14 ديسمبر/كانون أول 1981 ضمها، بموجب قانون أصدره البرلمان.
ولم يعترف المجتمع الدولي بالقرار ورفضه مجلس الأمن الدولي، في قرار يحمل رقم 497 صدر في 17 ديسمبر/كانون أول 1981.
وفي 25 مارس/آذار 2019 وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرارًا تعترف بموجبه الولايات المتحدة بأن هضبة الجولان هي جزء من إسرائيل، وهو ما رُفِض من قِبَل الدول العربية كافة.
كما أصدرت الأمم المتحدة بيانًا أعلنت فيه أن قرار الرئيس الأمريكي “لا يغيّر من الوضعية القانونية للجولان بصفتها أرضا سورية واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي”.
ذكرى مختلفة
تختلف الذكرى هذا العام من جهتين: توحد الفلسطينيين وشعورهم بأنهم أقوى من أي وقت مضى، وإن كان الانقسام السياسي ما زال نقطة ضعفهم.
فمن جهة، جمعت الهبة الجماهيرية، ضد الاحتلال الإسرائيلي، أول مرة منذ النكبة (1948)، الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، في فعاليات رافضة للاحتلال.
وخلال العدوان على قطاع غزة (10-21 مايو/أيار الماضي) هب فلسطينيو الضفة بما فيها القدس، والمدن العربية والمختلطة داخل إسرائيل، والشتات، في مظاهرات وفعاليات واسعة أعادت لهم اللحمة والوحدة، بعد أن ظن الاحتلال أنه استطاع تشتيت شملهم.
ومن جهة ثانية بعث التقدم في إمكانيات المقاومة الفلسطينية في جولة المواجهة الأخيرة مع إسرائيل، الأمل لدى الفلسطينيين بأنهم لم يعودوا الطرف الذي يتلقى الضربات، وإنما لديهم إمكانيات تطال العمق الإسرائيلي وبإمكانها تحقيق ولو بعض الردع.
وأسفر العدوان الإسرائيلي إجمالا، عن سقوط 290 شهيدا، بينهم 69 طفلا و40 سيدة و17 مسنا، وأكثر من 8900 مصاب، مقابل مقتل 13 إسرائيليا وإصابة مئات؛ خلال رد الفصائل في غزة بإطلاق صواريخ على إسرائيل.
الانقسام.. نقطة الضعف
ويبقى الانقسام السياسي الذي تعيشه أراضي السلطة الفلسطينية نقطة ضعف طال أمدها في خاصرة القضية.
ومنذ 2007، يسود انقسام بين حركتي “حماس” التي تسيطر على قطاع غزة، و”فتح” التي تحكم الضفة الغربية.
ولم تُطل حالة الارتياح التي شعر بها الفلسطينيون، بعد التوافق على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني هذا العام، بسبب قرار تأجيلها لعدم القدرة على إجرائها بمدينة القدس المحتلة، وفق ما أعلنه الرئيس محمود عباس 29 أبريل/نيسان الماضي.
والأسبوع الجاري من المقرر أن تدعو القاهرة الفصائل الفلسطينية لاجتماع سيتم التباحث فيه حول عدة قضايا بينها تشكيلة حكومة توافق أو حكومة وحدة وطنية، وملف إعمار غزة والانتخابات.
(الأناضول)