قد يكون من المبكر بعض الشيء، ولكن ليس من المبالغة، القول إنه سيؤرَّخ بالدخول الروسي إلى سوريا لبداية خريف الميليشيات التي تتصارع في هذا البلد، لا سيما الميليشيات الدينية السنية والشيعية. الأكيد أكثر أن الميليشيات الشيعية ستسبق مثيلتها السنية إلى اضمحلال الدور والوظيفة والحضور. ليس خافيًا أن الميليشيات الشيعية العراقية تعاني من فقدان بيئتها الحاضنة اليوم في العراق لأسباب محلية صرفة أنتجت صحوة شيعية عربية مناهضة لإيران، ولدورها الاستغلالي للعراق ومقدراته والتلاعب بمكوناته الوطنية والسياسية والدستورية.
أما الميليشيا الشيعية الأبرز، أي حزب الله، فهي تعاني من نتائج انهيار مشروعها في سوريا، ومن نزيف الأكلاف البشرية والمعنوية، رغم عدم القدرة على حماية النظام، دعك عن تغيير قواعد اللعبة! إذا كان من مؤشر على انهيار القدرة الإيرانية عبر حزب الله على حماية الـ«ستاتيكو»، فهو الدخول الروسي العسكري إلى سوريا بعد أن ناشد بشار الأسد حلفاءه قبل شهرين، عبر الاعتراف بأن جيشه يواجه نقصًا في العدد، وتقلصًا في القدرة على الانتشار، بحيث بات مجبرًا على الانسحاب من مواقع من أجل الدفاع عن أخرى!
«أنا أسقط»، قال الأسد.. ليأتي الدخول الروسي ترجمة ميدانية لانهيار قدرة حزب الله بصفته الإيرانية على تحقيق أهداف حربه المكلفة في سوريا، وتحقيق النصر الذي دأب على تذكير جمهوره بأنه وعدهم به.
وما تعثره في معركة الزبداني، بعد الكثير من الخطابات والتأكيدات بالنصر، إلا دليل آخر على عمق المأزق الذي يتخبط فيه حزب الله، مما بات يحتم عليه التفكير الجدي في الانسحاب من سوريا، تحت عنوان إعادة التموضع دفاعيًا، كما بات يتسرب في تقارير تنسب هذا الكلام إلى مسؤولين في الحزب.
ليس وضع حزب الله أفضل في حرب اليمن، التي أوكل إليه بأن يكون صوت إيران العربي في الحرب الدعائية فيها. ولا بد لحسن نصر الله أن يكون أحس ببالغ الحرج وهو يتابع على شاشات التلفزة اكتمال عودة الشرعية إلى عدن بوصول الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إليها. فنصر الله الذي سيبدأ حتمًا انسحابه السوري ململمًا خلفه الجراح والخيبة، وسيكون عليه أن يبرر الكلفة البشرية الهائلة، سيكون مطالبًا أيضًا بأن يبرر لجمهوره السقف اليمني الذي رفعه وفشل في بلوغه. فهو لم يتردد بالجزم والحسم أن «الأمل بعودة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى اليمن انتهى»، أو كما استدل على فشل الرياض بقوله إن «(عاصفة الحزم) فشلت في إعادة عبد ربه منصور هادي إلى عدن أو صنعاء»!!
فإذا كانت عودة هادي، وفق نصر الله، هي معيار الفشل والنجاح، فسيكون عليه أن يحدث قومه بالنتائج «الباهرة» التي وصل إليها.
«أوضح الواضحات»، إذ ذاك، هي النكسات والنكبات الميدانية والسياسية التي يعانيها حزب الله في كل من اليمن وسوريا. وفوق هذا وذاك، يبدو حزب الله أسير ذوبان جبل الجليد الآيديولوجي والتعبوي الذي نهل منه خطابه لسنوات طويلة. فها هي روسيا، التي رفعها حزب الله إلى مصاف الحليف والركن في الحرب ضد الإمبريالية والصهيونية والاستكبار، تطمئن رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو بأن «سياسة موسكو عاقلة، وأن سوريا ليست في وضع يسمح لها بمهاجمة إسرائيل». وما ينطبق على سوريا ينسحب على حزب الله!
الأسوأ لنصر الله ما سيتمرن على سماعه من الساسة الإيرانيين. فإذا كانت «العقلانية» الروسية التي خاطب به بوتين نتنياهو لا تدعو لكثير من العجب، فستكون العقلانية الإيرانية المستجدة موضع إنهاك آيديولوجي له ولحزبه وللعقائديين بين ناسه!
ها هو الرئيس الإيراني حسن روحاني يصرح بأن «العداء لأميركا يخف رغم استمرار الخلافات وتدني الثقة». خلافات؟! كلام أقرب إلى ما يمكن أن يقوله مسؤول ألماني أو فرنسي بعد أزمة تنصت واشنطن على حلفائها، من قربه لرئيس نظام الثورة ضد الشيطان الأكبر والاستكبار العالمي!!
بل يذهب روحاني إلى حدود التصريح بأن شعار «الموت لأميركا» الذي عبأ الملايين، واختطف وقُتل، واغتيل، باسمه وعلى وقعه، الكثيرون، ليس سوى شعار، وكأنه يحيل لغة وعمارة خطابية كاملتين إلى التقاعد، ويؤكد أن القرار بالاتفاق مع الشيطان يتجاوز الطبيعة الإجرائية إلى تحول عميق في موقع وهوية وتكوين إيران.
من سوريا إلى اليمن، مرورًا بالتحول العراقي الشيعي العميق، وصولاً إلى تخفف إيران من رطانة الآيديولوجيا، سيكون مفيدًا ترقب ماذا سيفعل «الشاطر» حسن.
نديم قطيش
صحيفة الشرق الأوسط