بدأ الأميركيون والروس – وبناءً على اقتراحٍ أميركي كالعادة – تفاوضاً هدفُهُ التنسيق في الشأن العسكري حتى لا تحدث صدامات بالخطأ بين الطائرات الأميركية والأُخرى الروسية. فالأميركيون يقودون حملةً بالطيران ضد «داعش» بسوريا والعراق قوامُها ستون دولة بينها تسع دول عربية. وعندما بدأ التخطيط لعاصفة الجو هذه قبل قرابة السنتين، حصلت اجتماعات في فرنسا والكويت وجدة. وقدمت الدول الستون التزاماتٍ مختلفة، تنسّق بينها القيادة الأميركية، ولا تزال تفعل حتى اليوم. وقتها اعتذرت عدة دول عن المشاركة لأسباب متنوعة، ومنها روسيا وإيران وتركيا ومصر والجزائر.. إلخ. أما إيران وروسيا فللتشكك في نوايا الولايات المتحدة، إذ كانت الدولتان تخشيان ألا يقتصر الهجوم على «داعش»، بل يتعداها إلى النظام السوري. أما تركيا فاشترطت أن تكون الغارات ضد «داعش» وضد نظام الأسد معاً، وأن تقبل الولايات المتحدة بمنطقة عازلة على الحدود التركية السورية. وأعلنت تركيا عن مشاركتها قبل شهر فقط، لكنها ما أغارت حتى الآن إلا على «حزب العمال»، كما أنها لم تشرع في إقامة المنطقة الخالية من «داعش»!
كانت موسكو لا تزال مع بشار الأسد، بالتسليح والخبراء والتعاون في قيادة المعارك. وما انقطع تشاور موسكو مع إدارة أوباما حول سوريا منذ عام 2011. وكانت لديهما نقطة لقاء أساسية هي أنهم يريدون بقاء الأسد لحين بروز البديل الذي يمكن الاتفاق عليه وفق مشتركات بيان «جنيف-1». لقد حدثت أمور غيّرت من نظرة الروس ولم تغير من نظرة الأميركيين، فقد فهم الأميركيون بوسائلهم التقنية المتطورة في الأسبوعين الماضيين أن الروس يريدون زيادة تدخلهم في سوريا لمساعدة الأسد. ولأن الأميركيين يحلّقون فوق سوريا، فإنّهم اهتموا بالتنسيق حتى لا يحدث تصادُمٌ بالخطأ! لماذا وجد الروس ضرورة لزيادة التدخل؟ يرى مراقبون عدة أسبابٍ محتملة لذلك: أن الأسد خسر كثيراً في الشهور الأخيرة ضد المعارضة و«داعش»، وما عاد الإيرانيون يستطيعون أن يفعلوا فوق ما فعلوا حتى الآن، فالميليشيات الإيرانية تقاتل على الجبهات في العراق وسوريا، وبينها حوالى عشرين ألفاً من الحرس الثوري في البلدين، وحوالى أربعين ألف متأيرن أو أكثر وما عاد يمكن زيادة العدد والعديد ولا التأثير النوعي في الجبهات كما يبدو من وقائع الميادين في العراق (عدم التقدم في الرمادي والفلوجة وبيجي) وفي سوريا (عدم القدرة على احتلال الزبداني، وعدم القدرة على الدفاع عن قريتي كفريا والفوعة الشيعيتين). لذا، ولإحداث تغيير نوعي يوقف الانهيار، تدخلت موسكو. بينما يرى آخرون رأياً معاكساً، وهو أن روسيا تدخلت لأنها رأت بأن إيران سيطرت على سوريا بالعسكر والسياسة، وهي تبحث عن حصتها في المنطقة العلوية من جهة، ومع الولايات المتحدة من جهة ثانية، والإمكان الثالث هو أنّ موسكو منزعجة من الحصار عليها، ومن عدم القدرة على الحسم في أوكرانيا، والانخفاض الشديد في أسعار النفط، لذا فهي تنبِّه الجميع إلى وجودها وسطوتها على الساحة السورية.
لو أرادت موسكو المساعدة ضد «داعش» لما احتاجت للاستئذان أو التنسيق، فهي تستطيع مساعدة الأسد على استعادة تدمر، وفي استعادة حقول حمص النفطية والغازية، والمطارات التي تضيع هنا وهناك. موسكو تريد إثبات الوجود، والقول بأنها لا تزال قوةً عظمى. وهي تريد مفاوضة الولايات المتحدة على حصة وازنة، ولا تستطيع ذلك إلا بالتهديد بالسلاح النوعي الذي تملكه والذي أعطته للأسد قبل سنوات، جون كيري، تحدث عن التنسيق لكي لا يحدث صدامٌ بالخطأ. لكنه ما لبث أن بدأ الحديث في السياسة، فقال: القضاء على «داعش»، وزوال الأسد، ينبغي أن يحصلا معاً. ثم تابع: إنما ليس من الضروري أن يزول الأسد على الفور، لأن «داعشاً» لن يزول على الفور!
ويا لشقاء الشعب السوري بين أميركا وروسيا!
رضوان السيد
صحيفة الحياة اللندنية