تجري الجزائر في الـ12 من يونيو الجاري سابع انتخابات برلمانية، وهي الأولى بعد الحراك الشعبي الذي أطاح بالولاية الرئاسية الخامسة لعبدالعزيز بوتفليقة. وعلى الرغم من مساعي المرشحين حشد الناخبين على مواقع التواصل الاجتماعي لإقناعهم بالتصويت لهم، فإن وقوعهم في فخ الشعبوية وافتقارهم إلى الخبرة السياسية وانتهاجهم خطابا سياسيا هزيلا تنبئ بمقاطعة شعبية واسعة للاستحقاق المرتقب.
الجزائر – دخلت الحملة الانتخابية في الجزائر أيامها الأخيرة، وسط غموض حول مخرجات الاستحقاق البرلماني، في ظل سقوط الخطاب السياسي إلى مستوى لا يرقى إلى سقف التحديات التي تنتظر البلاد، ولامبالاة غير مسبوقة من طرف الشارع الجزائري، فباستثناء شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الحكومية والموالية للسلطة، فإنه لا شيء يوحي بأن البلاد بصدد إجراء انتخابات نيابية.
وأدت بعض التدابير التي وضعها قانون الانتخابات الجديد، دورا عكسيا في مسار الانتخابات النيابية المقررة في الثاني عشر من يونيو الجاري، عقب ظهور طبقة جديدة من المرشحين لا تملك من الممارسة السياسية إلا القليل جدا، وظهر معها خطاب سياسي يزيد من نفور المشاركة المأمولة في الاقتراع.
ولم يفرز الاهتمام الرسمي باستقطاب العنصر الشبابي في العملية السياسية، وإدراج بعض الآليات للقطع مع ممارسات المرحلة السابقة، إلا صدمة لدى الشارع الجزائري، المتفاجئ بمستوى مرشحين لا يفقهون دور النائب البرلماني، وتحول التصويت المفتوح إلى مناورات داخل اللائحة الواحدة لخدمة الأفراد وليس اللائحة كبرنامج سياسي وانتخابي.
وحتى الدخول اللافت للإعلاميين لم يفض إلى أي تحول يأمل منه الناخب الجزائري تغييرا حقيقيا في المشهد القادم، فالعشرات من الصحافيين من مختلف وسائل الإعلام المحلية الحكومية والخاصة، لم يقدموا أي إضافة للساحة السياسية، وظلوا في نظر البعض يرغبون في تغيير الأوضاع الاجتماعية لأصحابها لا غير.
باستثناء شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الحكومية، فإنه لا شيء يوحي بأن البلاد بصدد إجراء انتخابات برلمانية
وتحول العمل الجواري إلى تغطية على الفشل في تنظيم المهرجانات الشعبية، نتيجة العزوف على تلبية دعواتهم، حيث ظهر رئيس حزب جيل جديد جيلالي سفيان بمدينة تلمسان، ورئيس حزب الكرامة محمد الداوي في مدينة قسنطينة، أمام أقل من تعداد لائحتيهما، مما يعكس حجم القطيعة بين بعض القوى السياسية والشارع الجزائري، وهاجس العزوف المنتظر خلال يوم الاقتراع.
ولو حاول البعض من هؤلاء تعليق صدمتهم على الإجراءات الصحية المطبقة، تفاديا لانتشار المزيد من الإصابات بوباء كورونا، إلا أن الطابع الاستثنائي للانتخابات المذكورة يبرز بشكل واضح حالة الفتور في الساحة السياسية، وعجز هؤلاء حتى على ملء الفضاءات الدعائية المخصصة لهم.
وتحول ما كان يعرف بـ”زلات اللسان” المعهودة لدى السياسيين في مثل هذه المناسبات، إلى نسق عام يميز الخطاب السياسي المعروض على الجزائريين، فلم يسجل أي ارتقاء لدى هؤلاء إلى طرح برامج ومواقف من الملفات المعقدة على غرار الوضع السياسي السائد، واستمرار الاحتجاجات السياسية، مقابل قبضة أمنية مشددة غير مسبوقة في البلاد، فضلا عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور باستمرار.
ومن رئيس جبهة الحكم الراشد عيسى بلهادي، الذي وصف بتعبير إيحائي مرشحات حزبه، بـ”الفراولة المنتقاة بعناية”، إلى رواية رئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري، عن أحد قيادات حركته الإخوانية، الذي جهر برغبته في تقبيل إحدى الصحافيات، لرفع الحرج عن الزعيم السابق الراحل محفوظ نحناح، نزل مستوى الخطاب وازداد منسوب الغضب لدى الجزائريين من أداء الطبقة السياسية ومن الانتخابات عموما.
وفيما تم استعراض ما بات يعرف بـ”حسناوات” السباق الانتخابي بشكل إيحائي لإغراء الناخب، فضلت مرشحات أخريات عدم ظهور صورهن أصلا في الملصقات، لأسباب متعددة لكنها تندرج كلها في الخشية من ردة فعل الشارع المعارض وعدم القدرة على مواجهة الناخبين، خاصة في حال عدم التوفيق في الوصول إلى البرلمان.
وعلق المختص في علم الاجتماع الهادي سعدي، ظهور مرشحات بلا صور في ملصقات الدعاية الانتخابية، بأن “الوضع السياسي والاجتماعي يشهد حالة احتقان، أدى إلى عدم اقتناع البعض بالترشح للبرلمان، وأن مطالب الحراك دفعت بالبعض أيضا إلى تفضيل عدم الظهور سواء خجلا أو خوفا”.
وأضاف “حسب بعضهم أصبحت الانتخابات دون جدوى وأصبح الفرد يخجل من إظهار ترشحه أمام أبناء مجتمعه، فضلا على أن السياقات الثقافية والتربوية تتحكم نسبيا في لجوء مرشحات إلى إخفاء وجوههن”.
ولفت إلى أن “أصحاب لوائح انتخابية لم يجدوا مرشحين، لذلك عملوا على إقناع أسماء غير معروفة بالترشح مقابل وعود معينة، وكأن هناك مجرد ملء للقوائم فقط لإعطاء صورة تبدو صادقة بأن هناك قائمة حرة ونزيهة”.
وفيما عبرت النائب البرلمانية السابقة، عن الجالية الجزائرية في المهجر أميرة سليم، عن “رفضها المطلق لتوظيف المرأة كبضاعة غريزية في استحقاق انتخابي”، لم تبد مرشحات في الحزب المذكور أي انزعاج من وصف زعيمه، الأمر الذي أضفى حالة من الاحتقان، خاصة في ظل نزول الخطاب إلى مستوى غير مسبوق، فقد حول رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة الإخواني، جزءا من أحد خطاباته إلى حديث عن “زوجته وقدها النحيف ومسقط رأسها”.
وفوق ذلك ذهب قادة سياسيون مخضرمون إلى تقديم تعهدات أقرب منها إلى الخيال أكثر من الحقيقة، فالإخواني مقري وعد سكان ورقلة بتحويل مطار المدينة إلى مطار دبي أو إسطنبول، ورئيس التجمع الوطني الديمقراطي طيب زيتوني، وعد سكان تيندوف بتحويلها إلى قطب اقتصادي كبير، وأمين عام جبهة التحرير الوطني رافع لصالح المؤسسة العسكرية، وحذر من المساس بها، رغم أن ملف ترشحه بالعاصمة رفض بسبب عدم تأدية واجبه العسكري.
وهو ما تلقفه رواد شبكات التواصل الاجتماعي والمعارضون للانتخابات في الحراك الشعبي، كذريعة سياسية تبرر العزوف الشعبي والمقاطعة التي ينادي بها هؤلاء، قياسا بالعرض السياسي الهزيل الذي قدم للناخب الجزائري طيلة أطوار الحملة الانتخابية.
العرب