هل لدى إسرائيل ما يكفي من الصواريخ المضادة للتصدي لرشقة حماس القادمة

هل لدى إسرائيل ما يكفي من الصواريخ المضادة للتصدي لرشقة حماس القادمة

كانت الحرب الأخيرة في غزة مختلفة عن الحروب السابقة في الأعوام 2009 و2012 و2014، ومختلفة أيضا عن جولتي القتال اللتين دارتا لعدة أيام في عامي 2018 و2019. وما يجعل هذه الجولة الجديدة مختلفة هو العدد غير المسبوق للصواريخ التي أطلقتها حركة حماس ولم تستطع إسرائيل الرد عليها، حيث أثبت نظام القبة الحديدية ضعفه في اعتراض التهديدات، ما يطرح تساؤلات عمّا إذا كان لإسرائيل ما يكفي من الصواريخ المضادة للتصدي لرشقة حماس القادمة والمحتملة.

القدس – شهدت الحرب الأخيرة في غزة أسلوبا جديدا من جانب الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة، وهو إطلاق أعداد كبيرة من الصواريخ بهدف استغلال معدل الفشل الإحصائي للدفاعات الجوية الإسرائيلية وزيادة احتمالات التسبب في سقوط قتلى أو جرحى بمدن إسرائيل.

وعلى رغم نجاح الوساطة المصرية والأميركية في تحقيق تهدئة ووقف إطلاق النار بعد 11 يوما من القتال، إلا أن الطرفين اللذين أعلنا النصر، لا يستبعدان جولة جديدة من المواجهة.

وفيما أربكت صواريخ حركتي حماس والجهاد الإسلامي الجيش الإسرائيلي المتفوق من الناحية التكنولوجية، يتساءل المتابعون ما إذا كان لإسرائيل ما يكفي من الصواريخ المضادة للتصدي لرشقة حماس القادمة والمحتملة.

ويشير سيث جي فرانتزمان، مؤلف كتاب “بعد داعش: أميركا وإيران والصراع من أجل الشرق الأوسط”، في تقرير على مجلة فورين بوليسي إلى أن إسرائيل تراهن على نظام القبة الحديدية لاعتراض التهديدات، غير أن هذا النظام أثبت في الحرب الأخيرة أنه لم يعد العصا السحرية لأجل كسب الحرب.

ولطالما كان مفتاح نجاح إسرائيل هو نظام القبة الحديدية للدفاع الجوي، الذي يستخدم الرادار والصواريخ لاعتراض الصواريخ والتهديدات الأخرى. وقد أبقى ذلك المدنيين الإسرائيليين في مأمن بشكل نسبي من حوالي 4 آلاف صاروخ يقول الجيش الإسرائيلي إنه تم إطلاقها من غزة، مع ذلك لم يثبت هذا النظام نجاعته في الحرب الأخيرة.

وشكل دعم هذا النظام محور لقاء وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الخميس بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، حيث تلقى غانتس تطمينات لأجل الحصول على حوالي مليار دولار من المساعدات العسكرية الطارئة للمساعدة في تجديد صواريخ القبة الحديدية المستخدمة في الحرب.

وأبلغ مسؤولو الأمن والدفاع الأميركيون غانتس أنهم سيساعدون في إعادة تزويد منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية “القبة الحديدية” بالذخائر بعدما استخدمت بكثافة في الحرب الأخيرة مع قطاع غزة، لكنهم شددوا أيضا على ضرورة خفض إسرائيل للتوترات مع الفلسطينيين.

وفي البنتاغون أعاد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن التأكيد أن الرئيس جو بايدن أعرب عن دعمه الكامل لسد النقص في نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي القبة الحديدية الذي أنقذ الكثير من أرواح الأبرياء خلال النزاع الأخير.

أما بالنسبة إلى حماس وداعميها في إيران فهي تعتقد أن الحرب الأخيرة كانت ناجحة، حيث اخترق أكثر من 60 صاروخا قبة الدفاع الجوي الإسرائيلي، وتمكنوا من استخدام وابل من الصواريخ لملاحقة البنية التحتية الاستراتيجية.

وقال تلفزيون “برس تي.في” الإيراني إن حماس استهدفت بطاريات القبة الحديدية والمطارات الإسرائيلية، كما استخدمت وابلا كثيفا من الصواريخ بطريقة جديدة، مصممة على ما يبدو لاختبار أو محاولة التغلب على أنظمة القبة الحديدية.

وفي مرة واحدة، تم إطلاق ما يصل إلى 140 صاروخا في عدة دقائق، مما أدى إلى تشبع السماء فوق تل أبيب وأشدود وعسقلان. وظهرت العديد من هذه القذائف الهائلة من طريق سريع بالقرب من قطاع غزة.

وأدى الدخان الأبيض المتدفق من اعتراضات القبة الحديدية إلى نحت السماء مثل لوحة جاكسون بولوك. كان الأمر مثيرا للإعجاب، لكنه قد يمثل أيضا الحد الذي من الممكن أن يصل إليه هذا النوع من أنظمة الدفاع الجوي.

ويرى خبراء عسكريون أن الرسالة الموجهة بعد الحرب الأخيرة مفادها أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية قد لا تكون ذات يوم كافية لعرقلة حجم الصواريخ، وربما لن تعترف إسرائيل بذلك، لكن هناك ذروة استراتيجية لهذه التكنولوجيا.

وتحتفل القبة الحديدية هذا العام بالذكرى العاشرة لتأسيسها. وقبل الحرب الأخيرة في غزة، اعترض النظام أكثر من 2500 صاروخ.

وتم تطوير القبة من قبل وزارة الدفاع الإسرائيلية ومنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلي لمواجهة التهديد المتزايد بإطلاق الصواريخ من حزب الله في أعقاب حرب عام 2006 وللتعامل مع تهديدات حماس التي سيطرت على قطاع غزة في عام 2007. وأصبح النظام حجر الأساس للدفاع الصاروخي الإسرائيلي، وتم تصميمه من قبل شركة “رافاييل أدفانسد ديفينس سيستمز” الإسرائيلية، وهي أحد عمالقة الصناعة الدفاعية في إسرائيل، ويتلقى النظام الدفاعي الآن دعما ماليا من الحكومة الأميركية، وتم توفير بطاريتين للجيش الأميركي.

وفيما تقول إسرائيل إن نظام القبة الحديدية لديه معدل نجاح اعتراض بنسبة 90 في المئة، لا تذكر الحكومة عدد الصواريخ التي تم اعتراضها، لكن في الخامس عشر من مايو الماضي قالت إن النظام اعترض ما يقرب من 1000 صاروخ من أصل 2300 تم إطلاقها. وبالمقارنة بشهر مايو 2019، تم إطلاق 690 صاروخا من غزة خلال قتال قصير وتم اعتراض 240 صاروخا.

مع ذلك يشكو هذا النظام من النقائص، حيث أن بطاريات القبة الحديدية وأجهزة اعتراضها ليست مستدامة. وعلى الرغم من سنوات جمع المعلومات الاستخبارية في المواقع التي هاجمتها إسرائيل، توضح النتيجة كيف أن أنظمة الدفاع الإسرائيلية، مثل القبة الحديدية، وتفوقها العسكري قد يتركها دون استراتيجية واضحة طويلة المدى.

وبالنسبة إلى العديد من المراقبين، قد تبدو هذه الحروب في غزة وكأنها متشابهة، لكن هذه المعركة تمثل بداية حقبة جديدة على صعيد عسكري.

وعلى الرغم من أن نظام القبة الحديدية كان مفتاحا لمنع سقوط الصواريخ على تل أبيب وعسقلان والمدن الإسرائيلية الأخرى التي تم استهدافها، إلا أنه أوضح أنه لا يوجد حل للمشكلة الكلية التي تطرحها حماس من خلال السيطرة على غزة وإطلاق الصواريخ على إسرائيل من القطاع.

حماس استخدمت وابلا كثيفا من الصواريخ بطريقة جديدة، مصممة على اختبار أنظمة القبة الحديدية أو محاولة التغلب عليها

هذا المأزق يخلق نوعا من منطق “كاتش 22″، بمعنى أنه لن ترفع إسرائيل الحصار الساحلي عن غزة ما لم تترك حماس السلطة وتوقف تهريب الأسلحة. ولكن وفي نفس الوقت تواصل دول مثل إيران تزويد حماس بالأسلحة والخبرة، وتوسيع ترسانة صواريخها.

ويحصي فرانتزمان جملة من المتغيرات والتداعيات السياسية أعقاب حرب غزة الأخيرة.

ففي إسرائيل، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تراجعا سياسيا، بعد أن فشل أربع مرات في تشكيل حكومة وعلى وشك خسارتها مع إعلان أحزاب المعارضة عن استعدادها لتشكيل ائتلاف موحد للإطاحة به.

أما حركة حماس فتعتقد أنها حولت التوترات في القدس أعقاب حملة استيطان استفزازية إلى نجاح كبير خلال الحملة العسكرية الأخيرة. وتفتخر الجماعة بوجود مئات الأميال من الأنفاق تحت الأرض وأنها تعرضت لأضرار طفيفة. وفي غضون ذلك، قال الجيش الإسرائيلي إنه وجه هزيمة محققة لحماس من خلال استهداف 60 ميلا من الأنفاق والمخابئ التي تستخدمها حماس لنقل الذخائر. كما استهدف الجيش الإسرائيلي أكثر من عشرين من قادة حماس.

وفي الخارج، يحذر الدبلوماسيون الإسرائيليون من أن سفاراتهم تعاني من نقص في الموظفين ولا يمكنها التعامل مع تداعيات الحرب.

ويلاحظ فرانتزمان أن كابوس إسرائيل المتمثل في شن حرب متعددة الجبهات قاب قوسين أو أدنى، وفيما تعد القبة الحديدية بمثابة رد تكتيكي على تهديد إقليمي حقيقي، تتوقع إسرائيل من حزب الله إطلاق 2000 صاروخ في اليوم في الحرب القادمة.

وقد دربت إسرائيل لضرب ما يصل إلى 3000 هدف يوميا في صراع محتمل، وزادت من قدرات أنظمة الدفاع الجوي متعددة الطبقات لمثل هذا السيناريو.

ويستنتج فرانتزمان أن الحرب الأخيرة مع حماس أوضحت أنه على الرغم من أن القبة الحديدية عملت كما هو متوقع، إلا أنها لم تكن عصا سحرية لكسب الحرب أو ردع العدو، ولا تزال عقيدة الضربات الجوية الإسرائيلية الدقيقة لمواجهة التهديدات تترك العشرات من القتلى من المدنيين في غزة، وهو ما لم يكن مقبولا لدى المجتمع الدولي وعرض إسرائيل لضغوط مستمرة.

وختم قائلا “أبقت القبة الحديدية الإسرائيلية البلاد خارج معظم الحروب البرية الكبرى في العقد الماضي. والآن ربما وصلت إلى نهاية فترة صلاحيتها استراتيجية، مما يعني أن كبار الضباط في إسرائيل بحاجة إلى التفكير في خطة لعب جديدة”.

العرب