تسعى الحكومة اللبنانية إلى منح المواطنين مساعدات مالية شهريا بواسطة بطاقة تموينية ستُوزع عليهم في حال وافق البرلمان على ذلك، في وقت بات معظم اللبنانيين يرزحون تحت خط الفقر.
وسيُناقش البرلمان مشروع القانون، والذي تبلغ قيمة مخصصاته نحو 1.23 مليار دولار خلال وقت لاحق الشهر الجاري ثم يصوت النواب عليه بالموافقة أم لا.
ويرجح محللون أن يرافق مناقشة المشروع جدل واسع بين النواب خاصة وأن حجم التمويل ضخم في بلد يعاني من أزمة مالية خانقة انعكست على كل مظاهر حياة اللبنانيين رغم وعود المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة بدعم هذه الخطوة.
وتترافق هذه المساعي مع مطالبة الرئيس ميشال عون الاثنين بإعادة هيكلة القروض المعطاة من البنك الدولي للبنان، والتي لم تستعمل بعد وذلك حسب الأولويات الطارئة. ويبلغ عدد اللبنانيين قرابة 4.2 مليون نسمة داخل البلاد، و1.3 مليون خارجها، ولا يتيح المشروع حصول العائلات المقيمة خارج البلاد على تلك البطاقة.
وقال مصدر مقرب من رئاسة الحكومة لوكالة الأناضول الاثنين إن الحكومة “أعدت مشروعا ينص على دفع مساعدات مالية شهريا بالدولار ولمدة سنة كاملة، من خلال بطاقة تموينية ستُمنح لقرابة 750 ألف عائلة لبنانية”.
وأضاف المصدر، مفضلا عدم الكشف عن هويته، كونه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام، أن “المعدل الوسطي لقيمة البطاقة يبلغ شهريا 137 دولارا”. وأوضح أن المبلغ الذي سيتم تقديمه شهريا، سيكون 53 دولارا كحد أدنى، و185 دولارا كحد أقصى، وذلك بحسب الوضع الاقتصادي والاجتماعي لكل أسرة.
والشهر الماضي، أعلن رئيس البلاد ميشال عون أنه وقع إحالة مشروع قانون “معجّل” أعدته الحكومة إلى مجلس النواب، يرمي إلى إقرار البطاقة التمويلية، وتأمين الأموال اللازمة لها.
وبحسب ما ينص عليه مشروع القانون، سيتم تأمين الأموال اللازمة للمشروع من الموازنة العامة للدولة، والبنك الدولي ودول مانحة أجنبية وعربية. ويأتي إجراء حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب كخطوة تسبق عملية رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية كالوقود والأدوية وسلع أخرى.
ويرى الخبير الاقتصادي باتريك مارديني أنه في حال لم تؤمن الأموال اللازمة من الدول المانحة، فإن استبدال الدعم بالبطاقة التموينية لن يوقف هدر احتياطي العملات الأجنبية لدى المركزي. وقال إن “الحكومة لن تستطيع رفع الدعم من دون بديل، لأن ذلك سيُسبب غضبا شعبيا واسعا، ولذلك تم طرح فكرة البطاقة التموينية”.
ووفق لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (إسكوا)، ارتفعت نسبة الفقر في لبنان خلال العام الماضي لتصل إلى حوالي 55 في المئة من عدد السكان، إلا أن التوقعات تشير إلى أن النسبة ستكون مرتفعة أكثر في 2021.
وتمرّ البلاد بأسوأ أزمة سياسية واقتصادية مع استمرار تعثر تشكيل حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري، يتخللها انهيار مالي وارتفاع التضخم لمستويات تاريخيّة. وفي أفريل الماضي، ربط دياب رفع الدعم عن السلع بتطبيق برنامج البطاقة التموينية، محذرا من أن توقف الدعم ستكون له تداعيات خطيرة على معظم شرائح المجتمع اللبناني.
والدعم هو تغطية الفارق بين سعر صرف الدولار الرسمي (1515 ليرة) والسوق الموازية (13 ألف ليرة حاليا) من قبل مصرف لبنان المركزي، من أجل استيراد السلع الأساسية، بغية الحفاظ على سعرها منخفضا في الأسواق.
وكانت قيمة الليرة مقابل الدولار مستقرة طيلة عشرين عاما عند حدود 1510، إلا أنها اهتزت لأول مرة في ديسمبر 2019 وبدأت تتدهور تدريجيا حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن.
ويقول خبراء إن الدعم تسبب باستنزاف احتياطي العملات الأجنبية لدى المركزي، حيث بلغت كلفته 6.2 مليار دولار خلال العام الماضي. وتراجعت الاحتياطات النقدية بشكل غير مسبوق منذ أواخر 2019 بسبب الأزمة الاقتصادية، ويبلغ حاليا 16 مليار دولار مقارنة مع أزيد من 30 مليار دولار سابقا.
وكان حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الملاحق في سويسرا وفرنسا بشبهة اختلاس وتهريب وتبييض أموال قد قال الشهر الماضي إن “الاحتياطيات الأجنبية التي تستخدم للدعم، توشك على النفاد، وإن استخدام الاحتياطي الإلزامي لتمويل واردات السلع الأساسية سيكون صعبا من الناحية القانونية”.
والاحتياطي الإلزامي هي مبالغ تمثل نسبة معينة من ودائع الزبائن لدى البنوك، تكون محفوظة لدى المركزي، ولا يتم استخدامها إلا في الحالات الطارئة، وبعد استنفاد رزمة من الخيارات الأخرى لتوفير السيولة.
وفي الحالة اللبنانية، تبلغ نسبة الاحتياطي الإلزامي 15 في المئة تم خفضها مؤخرا إلى 14 في المئة، من إجمالي الودائع، بينما بلغ في بلدان أخرى مثل الأردن 5 في المئة.
صحيفة العرب