عقب فشل مساعيها لإجبار اللاجئين على تجنب الوصول إلى أراضيها عبر تخويفهم وإعادتهم بالقوة إلى تركيا، والجمود شبه التام في تطبيق اتفاقية “إعادة القبول” الموقعة بين أثينا وأنقرة، أقدمت اليونان على خطوة جديدة تهدف من خلالها إلى وقف تدفق اللاجئين إلى أراضيها عبر تركيا براً وبحراً في خطوة أثارت لدى كثير من اللاجئين خشية من تحطم أحلامهم بالوصول إلى أوروبا عبر اليونان.
وفي خطوة مفاجئة، أصدرت وزارتا الخارجية والهجرة اليونانيتين، الاثنين، مرسوماً مشتركاً نصَّ على أن “تركيا بلد آمن لطالبي اللجوء من سوريا وأفغانستان وباكستان وبنغلادش والصومال”، وأكدت وزارة الهجرة في بيان أنهم “ليسوا (اللاجئون القادمون من تركيا) في خطر بسبب دينهم أو جنسيتهم أو آرائهم السياسية أو انتمائهم إلى فئة اجتماعية ويمكنهم طلب اللجوء في تركيا بدلاً من اليونان”.
وتهدف اليونان من خلال هذه الخطوة إلى تشريع وتسهيل جهودها لوقف الهجرة القادمة من تركيا براً وبحراً، ولكن لا يعرف إلى أي مدى يمكن أن يمثل هذا القرار تحولاً حقيقياً وعملياً في المساعي اليونانية المتواصلة منذ سنوات طويلة ولا تنجح حتى اليوم في تخفيض الهجرة إلا من خلال الاتفاقيات مع تركيا، وهي الاتفاقيات شبه المجمدة منذ سنوات نتيجة الخلافات المختلفة المتصاعدة بين البلدين.
وعام 2016 وقعت تركيا واليونان ضمن اتفاقيات أوسع مع الاتحاد الأوروبي على “اتفاق إعادة القبول” والذي ينص على قبول تركيا استقبال لاجئين وصلوا إلى اليونان بطرق “غير شرعية”، وبالفعل استقبلت تركيا دفعات محدودة من اللاجئين قبل أن تتصاعد الخلافات بين البلدين حيث لم تشهد السنوات الأخيرة استقبال تركيا أي من اللاجئين من اليونان رغم المطالبات والضغوط اليونانية المكثفة.
وفي العام الأخير، كثفت اليونان محاولاتها لـ”ترهيب” اللاجئين لمنعهم من الوصول إلى أراضيها عبر تركيا وذلك من خلال تشديد الإجراءات الأمنية براً وبحراً، ولجأت إلى تعقب قوارب المهاجرين ومحاولة إعادتهم إلى المياه التركية كما سجلت عشرات حالات إغراق للاجئين واتهامات باعتقال لاجئين وتعذيبهم وسرقة مقتنياهم قبل رميهم باتجاه الأراضي أو المياه التركية، كما نصبت “مدافع صوت” على الحدود البرية، وهو ما ولد ضدها انتقادات سياسية وحقوقية واسعة تركية ودولية وحتى من داخل الاتحاد الأوروبي.
ومن خلال قراراها الجديد، تهدف اليونان إلى إحباط اللاجئين الذين يخططون للعبور من تركيا إلى أراضيها وذلك من خلال التأكيد على أنها لن تمنحهم إقامات في حال وصولهم لأراضيها، وبالتالي دفعهم نحو عدم المخاطرة في حياتهم من أجل – محاولة يائسة لن يكون لها أي نتائج إيجابية – وإيصال رسالة للاجئين بانهم حتى لو وصلوا إلى الأراضي اليونانية فإنهم لن يحصلوا على إقامة ولن يتمكنوا العبور من أراضيها بشكل قانوني لدول أوروبية أخرى وأن مصيرهم سيكون إما البقاء في المخيمات -سيئة السمعة- أو الإعادة إلى تركيا، وبالتالي دفعهم نحو التخلي عن فكرة العبور نحو الأراضي اليونانية.
يقول وزير الهجرة اليوناني نوتيس ميتاراخي: “ستكون هذه خطوة مهمة للحد من تدفُّق المهاجرين بشكل غير قانوني.. وإرغام تركيا على إعادة قبول طالبي اللجوء المرفوضين في الجزر اليونانية”، إلا أن الوزير لم يوضح كيف يمكن إرغام تركيا على قبول اللاجئين، لا سيما وأن أنقرة ترفض منذ سنوات إعادة قبول اللاجئين إلا في حال تحديث اتفاق الهجرة مع الاتحاد الأوروبي وتحقيق الكثير من المطالب التركية سواء في ملف الهجرة أو ملفات أخرى تتعلق بإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة دخول الاتحاد الأوروبي وسط خلافات كبيرة بين الجانبين، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بصعوبة توصل الجانبين لاتفاق قريب وبالتالي فإن اليونان عملياً لا تملك أي أوراق أو وسائل قد تجبر تركيا على قبول اللاجئين الذين ترغب في إعادتهم.
وفي ظل ضعف هذه الورقة بيد اليونان، فإنه يعتقد أن القرار اليوناني الجديد يهدف إلى بث الإحباط في نفوس اللاجئين ورفع تكلفة الهجرة عبر إطالة أمد بقائهم في المخيمات التي تعتبر بمثابة الهاجس الأكبر للاجئين، حيث يبقى لاجئون لأشهر وبعضهم لسنوات في مخيمات تقيمها السلطات اليونانية في عدد من جزرها ببحر أيجه وتعاني من سوء الخدمات الإنسانية والصحية والحياتية وتعتبر أسوأ وأصعب مرحلة يمر به اللاجئ في طريقه إلى أوروبا.
وحسب منظمة “دعم اللاجئين في إيجة” الحقوقية غير الحكومية فإن مبدأ “دولة ثالثة آمنة” يخالف القانون الأوروبي، والبلد الآخر الوحيد في الاتحاد الأوروبي الذي ينسب هذا التوصيف إلى تركيا هو المجر. من جهتها أشارت منظمة “متطوعي ساموس” غير الحكومية إلى أن “هذا المبدأ يخالف المادة 3 من اتفاقية جنيف (الخاصة بحماية اللاجئين) التي تُلزِم الدول الموقِّعة على الاتفاقية تطبيق بنودها من دون تمييز يستند إلى العرق أو الدين أو بلد المولد”.
وتزايدت خلال الفترة الماضية انتهاكات اليونان ضد طالبي اللجوء الذين يصلون إلى أراضيها، وقبل نحو أسبوع أعلنت قيادة خفر السواحل التركية أن فرقها أنقذت خلال الأشهر الخمسة الأخيرة 3 آلاف و763 طالب لجوء تركتهم اليونان يواجهون الموت في مياه بحر إيجة.
وفي السياق نفسه أعربت مفوضية الاتحاد الأوروبي الخميس عن قلقها جراء إقدام اليونان على تركيب جهاز إلكتروني على حدودها الشرقية مع تركيا يصدر موجات صوتية قوية بهدف منع طالبي اللجوء من العبور إلى أراضيها. وقال أدلبرت جانز المتحدث باسم المفوضية الأوروبية إن المفوضية الأوروبية على اتصال مع السلطات اليونانية، وطلبت منها معلومات حول الجهاز الذي يصدر موجات صوتية قوية بعيدة المدى تتسبب بإلحاق الضرر بحاسة السمع.