تَحوُّل المناوشات الجارية في إقليم كردستان العراق بين البيشمركة وعناصر حزب العمّال الكردستاني إلى حرب مفتوحة، سيمثّل انتصارا نوعيا لتركيا عجزت عن تحقيق مثيل له في حربها المتواصلة منذ أربعة عقود ضد الحزب، وذلك بتحويلها أكراد العراق أداة ووقودا لتلك الحرب مستغلة حالة الضعف التي تمرّ بها سلطات الإقليم وافتقارها لدعم الدولة العراقية، بل خضوعها لضغوط شديدة من قبل قوى فاعلة في الدولة ذاتها.
أربيل (العراق) – يحمل التوتّر المتصاعد بين القوات التابعة لإقليم كردستان العراق وعناصر حزب العمال الكردستاني المنتشرين في عدد من مناطق الإقليم محاذير صدام أوسع نطاقا بين الطرفين، سيمثّل في حال حدوثه انتصارا غير مسبوق لتركيا التي لطالما سعت لاستخدام أكراد العراق أداة في حربها ضدّ الحزب المسلّح والمتواصلة منذ عقود من الزمن دون أن تحقق هدفها النهائي المتمثّل في اجتثاثه والقضاء عليه.
وفي الوقت الذي صعّدت فيه تركيا بشكل غير مسبوق من عملياتها العسكرية ضدّ مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، لاحت لها فرصة ثمينة لتأليب سلطات إقليم كردستان العراق ضدّ الحزب، ليس فقط بسبب ما أصبح يمثّله من عبء أمني على الإقليم ومن عائق أمام استقراره، ولكن أيضا بسبب الصعوبات الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها تلك السلطات والمنعكسة على الأوضاع الاجتماعية والضغوط الشديدة التي تتعرّض لها من قبل قوى سياسية وفصائل مسلّحة متحكمة في دواليب الدولة الاتحادية العراقية.
ويقول سياسيون أكراد عراقيون إنّ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الإقليم وضغوط الأحزاب والميليشيات الشيعية على قيادته تكرّس ضعفه وعدم قدرته على ممانعة المطالب التركية التي قد تصل حدّ مطالبته بتسخير قواته العسكرية والأمنية من بيشمركة (الجيش) والأسايش (الشرطة) في حرب صريحة ومعلنة ضدّ حزب العمّال خصوصا وقد أصبحت المناسبة قائمة مع تعرّض القوات الكردية لهجمات من قبل عناصر الحزب.
ويقول متابعون للتطورات العسكرية والأمنية في كردستان العراق، إنّ التدخل العسكري التركي شمال العراق ستكون له تبعات في تأجيج الصراع بين الأكراد وخلق بوادر حرب بين حزب العمال الكردستاني وقوات الإقليم.
وقتل الثلاثاء عنصر من البيشمركة بعدما تعرضت قوة مشتركة من المقاتلين الأكراد وحرس الحدود العراقي لإطلاق نار في منطقة حدودية مع تركيا في شمال العراق.
اعتداءات حزب العمال الكردستاني المتكرّرة على البيشمركة تسهل على تركيا تأليب سلطات كردستان العراق ضد الحزب
وقال مدير ناحية دركار في محافظة دهوك بإقليم كردستان أديب جعفر إن عناصر حزب العمال الكردستاني الذين يسيطرون على تلك المنطقة، هم من أطلقوا النار على القوة المشتركة التي كانت تعمل على وضع نقطة مراقبة في أحد المرتفعات الجبلية، ما تسبب بمقتل العنصر. وجاء ذلك بعد مقتل خمسة من عناصر البيشمركة السبت عندما تعرضوا لكمين من حزب العمال في جبل متين في محافظة دهوك.
وقالت وزارة البيشمركة في بيان تعقيبا على الحادث “كنا أعطينا سابقا تحذيرا بأنه يجب على الجميع احترام حدود الإقليم وعدم تعريض أمنه واستقراره للخطر”، بينما حذّر حزب العمال الكردستاني من جهة مقابلة من أنّه لن يقبل بأي تحرك لقوات البيشمركة في مناطق سيطرته التي وصفها بأنّها منطقة حرب بينه وبين “القوات التركية التي تريد احتلال إقليم كردستان انطلاقا من تلك المناطق”.
والاثنين اختطف حزب العمال الكردستاني عنصرين من قوات البيشمركة في منطقة سنجار التابعة لمحافظة الموصل العراقية. وذكرت الصحافة المحلية في أربيل أن عملية الاختطاف جاءت خلال نصب المتمردين الأكراد كمينا في منطقة قرب سنجار.
وتشنّ القوات التركية منذ 23 أبريل الماضي عملية عسكرية لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من الجبال العراقية المحاذية لتركيا قواعد له.
وقصفت تركيا قبل أيام مخيم مخمور للاجئين في شمال العراق إثر تهديدات أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ“تنظيف” المخيّم. وقتل في القصف ثلاثة أشخاص، بينهم قيادي كبير في حزب العمال، بحسب أردوغان. وتتهم أنقرة حزب العمال الكردستاني باستمرار بأنه يسيطر على مخيّم مخمور الواقع على مسافة 250 كيلومترا جنوبي الحدود التركية.
وكثيرا ما تتّهم السلطات التركية العراق بالتراخي تجاه نشاط الحزب الذي يشنّ تمردا ضدها منذ العام 1984 خلّف أكثر من 40 ألف قتيل، وتؤكد أنه ليس لديها خيار آخر سوى شنّ عمليات عسكرية في الأراضي العراقية ضد التنظيم الذي تصنفه هي وحلفاؤها الغربيون إرهابيا.
وبينما تحذّر الحكومة المركزية العراقية تركيا من مواصلة انتهاك أراضي العراق، تبدو سلطات إقليم كردستان العراق عديمة الحيلة أمام الحرب التي تدور رغما عنها على أراضي الإقليم، ولا تجد بدّا في التجاوب بشكل متزايد مع المطالب التركية.
ودعت وزارة البيشمركة الكردية الثلاثاء في بيان “الحلفاء كافة والحكومة العراقية” إلى “أداء دورهم في وقف انتهاكات حزب العمال وحماية المناطق الحدودية في الإقليم بالتعاون مع قوات البيشمركة”.
وتعوّل أنقرة على فرض معادلتها الأمنية على العراق بالقوّة من خلال تكثيف عملياتها العسكرية داخل أراضيه وتوسيع دائرتها لتتجاوز المناطق الحدودية إلى مناطق أبعد داخل العمق العراقي، وتراهن بالتوازي مع ذلك على إقناع السلطات العراقية بالتعاون معها والقبول بوجود القوات التركية على الأرض العراقية، من خلال مساومة بغداد على ملفّات حيوية على رأسها ملف مياه نهري دجلة والفرات.
ويخشى عراقيون، لاسيما من أكراد البلاد، أن يكون التدخّل التركي في العراق انعكاسا لمطامع حقيقية في أراضيه وامتدادا للمطامع في أراضي سوريا المجاورة والتي جسدتها أنقرة بالسيطرة على أجزاء واسعة من شمال وشرق سوريا باستخدام الذريعة ذاتها وهي ملاحقة التشكيلات الكردية المسلّحة التي تصنّفها أنقرة تنظيمات إرهابية.
وتقول مصادر عراقية إنّ ملامح شريط أمني تركي بدأت تتشكّل في عمق الأراضي العراقية، متوقّعة عدم انسحاب القوات التركية من المناطق التي دخلتها بالنظر إلى سوابق حكومة أردوغان في سوريا، وحتى في العراق.
العرب