طرابلس – يبعث فتح الطريق الساحلي الليبي المعروف بطريق مصراتة – سرت رسائل إيجابية إلى المجتمع الدولي قبل انعقاد مؤتمر برلين الثاني الأربعاء المقبل، والذي من المتوقع أن تكون قراراته أشد صرامة من قرارات سابقه وتتوعد الجهات التي تعرقل تسوية الأزمة بعقوبات حاسمة.
ويتزامن فتح الطريق الحيوي الممتد على ساحل المتوسط بين شرق ليبيا وغربها مع تصاعد التوتر بين حكومة الوحدة الوطنية وسلطات شرق البلاد.
وأعلن رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة إعادة فتح الطريق الساحلي المغلق منذ نحو عامين، بعد اجتماعات عقدها مع آمر غرفة عمليات سرت – الجفرة بحضور قادة بركان الغضب وآمري المحاور والمجلس البلدي ومجلس الأعيان في مصراتة.
وأكد على أن “عهد التفتت والفرقة والانفصال في ليبيا قد ولّى إلى غير رجعة”.
ووصف فتح الطريق الساحلي باليوم التاريخي، داعيا الليبيين إلى نبذ الفرقة ونسيان الأحقاد والتوجه نحو الاستقرار والإعمار والالتفات إلى الوطن وبناء المستقبل، وواعداً باللقاء في سرت خلال الفترة القادمة.
وشارك الدبيبة في فتح الطريق، بعد أن قام شخصيا بإزالة آخر حاجز في الطريق الساحلي من الناحية الغربية.
وأشار الناطق باسم غرفة عمليات سرت – الجفرة عبدالهادي دراه إلى أنه تم إعطاء مهلة للطرف الثاني (المشير خليفة حفتر) -لم يحددها- لسحب المرتزقة الروس (قوات فاغنر) الذين يتمركزون في مدينة سرت ومطارها وقاعدة الجفرة الجوية، دون أيّ إشارة إلى وضع المرتزقة السوريين والقوات التركية الموجودة بكثافة في الغرب.
وذكرت مصادر إعلامية ليبية الأحد أن وفدا من البعثة الأممية وصل إلى سرت للعمل على تذليل الصعوبات، كما ستبحث اللجنة العسكرية المشتركة الإثنين ترتيبات فتح الطريق الساحلي وسُبل تأمينه، فضلا عن ملف إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب.
وجاء فتح الطريق بعد زيارة قام بها السبت رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل إلى طرابلس التقى فيها كلا من الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ثم ذهب إلى بنغازي والتقى قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر.
وكشفت مصادر مصرية أن الزيارة ناقشت مسألة فتح الطريق الساحلي مع الجانبين، ونصحتهما بضرورة القبول بفتحه قبل التئام مؤتمر برلين الثاني وتقديم رسالة إيجابية للمجتمع الدولي يفيد فحواها بإمكانية التفاهم في أمور كثيرة.
وأكدت المصادر في تصريح لـ”العرب” أن المعاني التي ينطوي عليها فتح الطريق لها أهمية كبيرة في هذا التوقيت الذي صارت فيه العملية السياسية تعاني من صعوبات يمكن أن تستغلها قوى إسلامية رافضة للوصول إلى محطة الانتخابات قبل نهاية العام الجاري.
وجاء فتح طريق مصراتة – سرت بعد مرور يوم واحد على زيارة قامت بها وزيرة خارجية ليبيا نجلاء المنقوش إلى القاهرة، حيث استقبلها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كما أجرت مباحثات مستفيضة مع نظيرها المصري سامح شكري.
وأكد السيسي دعم بلاده الكامل للمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية في مهامهما خلال المرحلة الانتقالية بهدف استعادة ليبيا أمنَها واستقرارها، وصولاً إلى عقد الانتخابات الوطنية في موعدها، معتبرا أن أمن ليبيا القومي يمثل امتدادا للأمن القومي المصري.
وشدد شكري على دعم مصر لسيادة ليبيا وأهمية إجراء الانتخابات في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل، وإخراج المرتزقة وكافة المقاتلين الأجانب، وتم تناول التحضيرات الجارية لمؤتمر برلين الثاني وأهمية نجاحه.
ويستعد المجتمع الدولي لعقد مؤتمر برلين الثاني بشأن الأزمة الليبية، وتعول عليه قوى عديدة للعمل على تسريع خطوات توحيد المؤسسة العسكرية وخروج المرتزقة ووقف التدخلات الخارجية.
وقالت المنقوش في مؤتمر صحافي مشترك مع شكري إن مؤتمر برلين سيطلق “مبادرة استقرار ليبيا” التي “ستكون أجندة ورؤية ليبية وآلية للضغط على المجتمع الدولي ليكون لديه اهتمام جدي بدعم استقرار ليبيا”.
ويرى مراقبون أن فتح الطريق الساحلي وصموده يشيران إلى إمكانية التفاهم بشأن ملفات شائكة بين السلطة التنفيذية في الغرب وقائد الجيش الليبي في الشرق، ويمثلان خطوة مهمة نحو تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في أكتوبر الماضي ورفع الضغوط الواقعة على كاهل السلطة التنفيذية التي بحاجة إلى تأكيد جديتها في إعادة اللحمة الوطنية.
واعتبر المحلل السياسي الليبي عيسى رشوان أن الحراك الدبلوماسي بين مصر وليبيا استهدف تضييق الخناق على تدخلات تركيا التي تزايدت مؤخرا، ومنعها من إفشال اجتماعات اللجنة العسكرية، وعدم الوصول إلى نقطة التأجيل المتكررة دون حسم.
وأضاف رشوان في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة تسعى لضمان استمرار فتح الطريق الساحلي، وألا يكون القرار مجرد إجراء مؤقت يمكن توظيفه سياسيًّا لصالح طرف على حساب آخر.
ولم تستبعد مصادر ليبية تحدثت لمراسل “العرب” غلق الطريق الساحلي في غضون شهر أو شهرين، لأن هناك كتائب مسلحة في الغرب تستفيد من عملية الإغلاق وتحصل على ملايين الدولارات من التجار الساعين للمرور عبر الطرق البديلة.
ويستخدم الليبيون منذ إغلاق الطريق الساحلي في أبريل 2019 طرقا بديلة للتنقل بين الشرق والغرب والعكس بالعكس، وتستغرق وقتا طويلا وتحيط بها مخاطر كبيرة بسبب انتشار العصابات المسلحة لمسافات طويلة.
وأدت محادثات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) سابقا إلى الاتفاق على فتح الطريق الساحلي، لكن الخطوة تعطلت جراء عدم تقديم تنازلات متبادلة آنذاك.
واشترطت “غرفة عمليات سرت – الجفرة” التابعة للحكومة تراجع قوات الجيش الليبي بقيادة حفتر والخروج من سرت لفتح الطريق الساحلي، الأمر الذي رفضه الأخير، وطالب بابتعاد قوات المرتزقة، ما أدى إلى استمرار غلق الطريق على مدار عامين.
وتتمركز وحدات من الجيش الليبي على بعد 40 كيلومترا في الغرب من مدينة سرت، وتسيطر على الجانب الشرقي ميليشيات تابعة للحكومة تتمركز على بعد 60 كيلومترا شرق مدينة مصراتة.
العرب