ماذا ينتظر إيران تحت سطوة رئيسي؟

ماذا ينتظر إيران تحت سطوة رئيسي؟

يعي العارفون بطبيعة النظام الحاكم في إيران ومراكز القوى المحددة لآلياته وضوابطه أن وصول المتشدد إبراهيم رئيسي إلى الرئاسة سيقلب معادلات التعامل الإقليمية والدولية مع طهران في كل أبعادها. وقد تكون هذه المرحلة منعطفا أكثر عزلة لنظام المرشد، والذي تمليه عليه جملة من الظروف الداخلية والخارجية وطبيعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية ومتطلباتها الإستراتيجية.

طهران – انتقلت جذوة النقاشات بين المحللين والمراقبين بعد انتخاب إبراهيم رئيسي المرشح المتشدد رئيسا لإيران للسنوات الأربع المقبلة إلى مرحلة استشراف علاقات البلد مع محيطه الإقليمي ومآلات مفاوضاته مع القوى الكبرى حول برنامجه النووي المثير للجدل ودعمه للجماعات المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط.

وعلى الرغم أن الدعم الكبير الذي حظي به رئيسي من طرف مؤسسات التيار المحافظ وعلى رأسها الحرس الثوري ومن خلفهم المرشد الأعلى علي خامنئي لم يكن مفاجئا، لكنه يدفع إلى التساؤل عن مستقبل إيران في ظل انفراد المحافظين الأصوليين بالسلطة من جديد وإقصاء خصومهم السياسيين من المشهد بالكامل عقب سيطرتهم العام الماضي على البرلمان.

إيران تعزل نفسها

يخشى الكثيرون من أن تكون فترة ولاية رئيسي مشابهة لولايتي الرئيس الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي يعود إليه الفضل في تأسيس المشروع النووي لإيران والمراكز الخاصة بتصنيع الصواريخ المتطورة رغم أنه حاول تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول المنطقة والعالم التي تضررت طوال فترة الحرب العراقية – الإيرانية.

لكن يبدو أن الفرق الأبرز بين فترتي ولايتي هاتين الشخصيتين هو أن الظروف مختلفة كثيرا خاصة بعد ما شهدته منطقة الشرق الأوسط من تغييرات عميقة وتفاخر طهران بسيطرتها على عواصم عربية (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء). ومع ذلك ستكون فترة رئيسي مليئة بالأحداث التي ستجعل إيران في عزلة أكبر مما كانت عليه في السابق.

وعلّق علي واعظ المستشار بمجموعة الأزمات الدولية على فوز رئيسي الذي ترك له مجلس صيانة الدستور المجال لتخطي جميع المرشحين في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية قائلا إنه “بعد أن بلغت إستراتيجياته الإقصائية ذروة جديدة، لم يترك مجلس صيانة الدستور مجالا للدهشة”.

ويرى محللون أن سجل القاضي رئيسي، الذي عينه المرشد في 2019 في منصب رئيس القضاء، في الولاء الشديد لرجال الدين الحاكمين يساعد في تفسير فوزه في الانتخابات التي جرت الجمعة الماضي كما كان متوقعا في سباق قصرته السلطات حصريا على المرشحين المتشددين من أمثاله.

المؤكد أن فوز رئيسي المعارض العنيد للغرب الذي يتهمه المنتقدون بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ترجع إلى عشرات السنين ويحظى بدعم سياسي من خامنئي سوف يعزز فرصه في خلافته في يوم من الأيام على أعلى مقعد في هرم السلطة، وهو ما قد يكون كابوسا بالنسبة إلى الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا.

لكن ذلك سيجعل من الدولة الآن في عزلة أكبر نظرا إلى سجلها الحقوقي الأسود وتدخلها في شؤون جيرانها وعدم اهتمامها بنزع فتيل الاستفزازات بإصرارها على امتلاك أسلحة نووية مهما كلفها الثمن على الرغم من أنها في الظاهر تساير القوى الكبرى لإقناعها بأنها لا تزال ملتزمة بتخفيف التوتر مع الجميع.

ويعتقد هادي قائمي المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران، الذي يتخذ من نيويورك مقرا له، أن رئيسي الذي اكتسب سمعة باعتباره من الصقور المُهابين في المسائل الأمنية وتقول جماعات حقوقية إنه كان واحدا من أربعة قضاة أشرفوا على إعدام الآلاف من المسجونين السياسيين عام 1988، أحد أعمدة نظام يسجن من يجرؤون على انتقاد سياسات الدولة ويعذبهم ويقتلهم.

وقدرت منظمة العفو الدولية عدد من تم إعدامهم بحوالي خمسة آلاف وقالت في تقرير عام 2018 إن “العدد الحقيقي ربما يكون أعلى”. ولأن إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن متمسكة بتطبيق سياسة حقوق الإنسان فقد تصطدم بعراقيل كثيرة بسبب حساباتها الإقليمية قبل استمالة إيران في ظل رئيس لا يعترف بحقوق الإنسان.

ويقول مركز حقوق الإنسان في إيران إن أولئك الذين تم إعدامهم “دفنوا في مقابر جماعية وفردية لم توضع عليها علامات وذلك بناء على تقييم لجنة لمدى ولائهم للجمهورية الإسلامية حديثة العهد. وحوكم هؤلاء السجناء بالفعل وكانوا يقضون أحكاما بالسجن صدرت بحقهم”.

ولم تعترف إيران قط بالإعدامات الجماعية غير أن بعض رجال الدين قالوا إن محاكمات السجناء كانت عادلة وإنه يجب مكافأة هؤلاء القضاة الذين شاركوا فيها لقضائهم على المعارضة المسلحة في سنوات الثورة الأولى. ولم يتطرق رئيسي نفسه قط علانية إلى ما تردد عن دوره فيها.

ودعا خبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان العام الماضي إلى محاسبة المسؤولين عن إعدامات 1988 وحذروا من أن “الوضع ربما يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية” إذا واصلت الحكومة الإيرانية رفض محاسبة المسؤولين عنها.

وكانت الحكومة الأميركية قد فرضت خلال عام 2019 عقوبات على رئيسي بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان من بينها إعدامات الثمانينات ودوره في قمع الاضطرابات التي شهدتها البلاد في 2009.

وسيعزز فوز رئيسي بالرئاسة سلطة خامنئي داخليا ويخشى ناشطون حقوقيون أن يكون بداية لمزيد من القمع. وقال كسرى أعرابي المحلل الكبير المتخصص في الشأن الإيراني وفي التطرف الشيعي بمعهد توني بلير للتغيير العالمي “لم يكن ليسجل نفسه مرشحا إذا لم تكن فرصه في حكم المؤكد، ومن المؤكد تقريبا أن قرار رئيسي بالترشح جاء بتوجيه من خامنئي نفسه”.

الاقتصاد معلق بالنووي
لم يطرح رئيسي الذي خسر أمام الرئيس البراغماتي حسن روحاني في انتخابات 2017 برنامجا سياسيا أو اقتصاديا مفصلا خلال حملة الدعاية الانتخابية وسعى لاستمالة الإيرانيين من ذوي الدخل المنخفض بإطلاق الوعود بالتخفيف من مشكلة البطالة.

لكن وعوده بعدم “تضييع لحظة واحدة” من أجل رفع العقوبات الأميركية أشارت إلى دعمه للمحادثات مع القوى العالمية والتي ترمي إلى إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015. وقال رئيس الوفد الإيراني إن الجانبين أوقفا الأحد المحادثات للعودة إلى عواصمهم للتشاور لأنه لا يمكن حل الخلافات الباقية بسهولة.

وهذا الوضع سيؤخر خطط المسؤولين الإيرانيين لإنعاش الاقتصاد المشلول، والذي يعتمد بشكل مفرط على بيع النفط الخام إلى حين التوصل إلى تسوية قد لا تأتي خاصة مع الولايات المتحدة التي تجد نفسها في موقف محرج في ظل إصرار إسرائيل على منع طهران من امتلاك فرصة لإنتاج أسلحة نووية وتطوير صواريخ باليستية.

وتتوقع سارة فاخشوري رئيسة شركة “أس.في.بي إنيرجي إنترناشيونال” للاستشارات الإستراتيجية المتعلقة بالنفط أن تواصل إيران المحادثات الهادفة إلى إعادة إحياء اتفاقها النووي خلال الفترة المقبلة قبل تولي الحكومة الجديدة مهامها، لكنها أشارت إلى أن انتخاب رجل دين محافظ لمنصب الرئيس يخفض من التوقعات بعودة إيرانية سريعة إلى سوق النفط العالمية.

ونقلت وكالة بلومبرغ عن فاخشوري قولها إن “ارتفاع الطلب واستمرار فرض قيود على الإنتاج من جانب تحالف أوبك بلس ومنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة يعني أن الأسواق ستشهد عجزا بما يصل إلى 1.5 مليون برميل يوميا بحلول نهاية العام”. وأضافت أن “الطلب سيمتص عودة النفط الإيراني إلى السوق إذا ما حدث ذلك في النصف الثاني أو الربع الأخير من عام 2021”.

وسيكون من غير المرجح أن تسعى الشركات الأميركية والأوروبية لعقود طويلة الأجل والعمل في صناعة النفط الإيرانية في ظل ترجيحات باستمرار حالة عدم اليقين بشأن العقوبات. وفي الوقت نفسه من المرجح أن تفضل الحكومة الجديدة استمرار بيع النفط إلى الصين مقابل استثمارات خاصة بعد توقيع اتفاقية إستراتيجية قبل أشهر بين البلدين تمتد لربع قرن.

العرب