قوة سياسية جديدة تبرز في إيران بدعم من المتشددين والحرس الثوري

قوة سياسية جديدة تبرز في إيران بدعم من المتشددين والحرس الثوري

“دمية” أم رئيس؟ بدعم من المتشددين والحرس الثوري قوة سياسية جديدة تبرز في إيران. كان قاضياً مغموراً إلى حد ما، وكان المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي عينه رئيساً لمؤسسة دينية مهمة في مدينة مشهد الشرقية. لكن ذات يوم في مايو (أيار) 2016، زاره اثنان من كبار المسؤولين الأمنيين في النظام.

ولم تظهر سوى تفاصيل قليلة عما حدث في ذلك الاجتماع، بين إبراهيم رئيسي (الذي انتُخِب رئيساً لإيران)، والجنرال محمد علي الجعفري (الذي كان آنذاك رئيساً للحرس الثوري)، والجنرال قاسم سليماني، القائد الشهير للقوات الإيرانية السرية في الخارج (فيلق القدس)، الذي قُتِل في وقت لاحق في ضربة شنتها الولايات المتحدة بطائرة من دون طيار عام 2020.

لكن صوراً تظهر الرجلين العسكريين، وكل منهما في زي مدني، وهما على ما يبدو يمدحان رئيسي ذا العمامة السوداء وينحنيان أمامه، وكان في ذلك الوقت رئيساً لمؤسسة الإمام الرضا، وهي واحدة من العديد من التكتلات ذات الطابع الديني التي تملك قطاعات ضخمة من الاقتصاد الإيراني وتتولى إدارتها.

وبالنسبة إلى مراقبي المشهد السياسي في إيران عن كثب، كان المشهد غير العادي واحداً من أولى الدلائل التي تشير إلى أن المؤسسة الأمنية المتعاظمة القوة في البلاد كانت تجهّز رئيسي، الرجل الذي اشتهر في الأغلب بدوره في الإعدامات الجماعية لسجناء سياسيين، ليكون حامل لوائها. وبعد سنة من ذلك الاجتماع، برز بين مجموعة مزدحمة بالمتشددين ولمع نجمه باعتباره المنافس الرئيس للرئيس المعتدل حسن روحاني.

يقول رضا حاجيغاتنجاد، الخبير في السياسة الداخلية في إيران الذي يتخذ من براغ مقراً، “كان حدثاً بالغ الغرابة، لأن رئاسة مؤسسة الإمام الرضا منصب ديني مهم لكنها ليست منصباً سياسياً يعتد به. كانت الطريقة التي جلسا بها مع رئيسي أشبه بالطريقة التي جلسا بها مع خامنئي. ولم تكن لدى رئيسي هوية سياسية محددة قبل ذلك. لقد رفعا مكانته”.

رئيسي (60 سنة) حين يتسلم منصب الرئيس الإيراني سيحتل واحداً من ثاني أقوى المناصب في البلاد، إذ انتُخِب بأكثر من 60 في المئة من الأصوات بعد ما يصفه المراقبون بإقبال ضعيف، يمثل أقل من 50 في المئة من الناخبين المؤهلين. وجاء هذا الانتصار بعد أربع سنوات من خسارته الكبيرة لصالح روحاني، الرئيس الحالي المنتهية ولايته. وجاء فوز رئيسي في أعقاب حملة فاترة مقيدة بدقة يبدو أنها كانت مصممة لدفع رئيسي غير “الكاريزمي”، الذي لم يشغل قط منصباً سياسياً في حياته، إلى أعلى منصب منتخب في البلاد.

وأثار هذا كله تساؤلات حول رئيسي، ومؤهلاته، وما أثر انتخابه في إيران وفي علاقاتها مع بقية العالم.

يقول أحد المسؤولين العاملين لدى منظمة حكومية في جنوب إيران، “ربما كان رئيسي أقل رئيس سياسي على الإطلاق للبلاد. كانت لدى الآخرين جميعاً هوية سياسية مستقلة. لكنه خاوي الوفاض. هو لا يتمتع بالكاريزما، بل إنه ليس حتى بالمتحدث الجيد (طليق اللسان). سيكون دمية، وستكون القوة الحقيقية بين أيدي الحرس الثوري والمرشد الأعلى، الذي يريد تنفيذ خططه من خلاله”.

لن يتولى رئيسي منصبه حتى أغسطس (آب)، وقد يُتفق على استئناف العمل بالاتفاق النووي المبرم في عام 2015 وإعادته إلى الحياة قبل ذلك من خلال المحادثات الجارية في فيينا. وحتى إذا استمرت المفاوضات إلى ولاية رئيسي، هناك فرصة طيبة في أن تظل إيران مهتمة بالعودة إلى الاتفاق، لكن ظهور متشدد بوجهات النظر الخاصة برئيسي وسمعته من شأنه أن يزيد من المخاطر التي تواجه الدول الغربية الساعية إلى التوصل إلى نتيجة كهذه، ومن المرجح أيضاً أن يكون هو وأعضاء فريقه المكلف بالسياسة الخارجية أقل اهتماماً من أسلافهم باتفاقات تكميلية في شأن التكنولوجيا النووية والأمن الإقليمي التي سعت إليها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وهذا ربما يؤدي إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين إيران والغرب.

وتكهن كثر بأن رئيسي يبرز كخليفة محتمل لخامنئي البالغ من العمر 82 سنة، لكن خامنئي وغيره قد ينظرون إليه باعتباره مجرد بديل مخلص يمهد الساحة لتغيرات كبرى قد تعمل لترسيخ الجمهورية الإسلامية.

يقول علي فائز، الخبير في الشأن الإيراني في “مجموعة الأزمات”، وهي مجموعة تناصر حل النزاعات، “ما قد يضعه خامنئي نصب عينيه هو الإصلاحات البنيوية لإرساء الأساس لخلافته، والتغييرات التي من شأنها أن تقلص من التوتر في النظام وأن ترسيه على قاعدة أكثر استقراراً”.

ومن بين الأفكار التي يُنظر فيها الآن مفادها بأن الغاية من انتخابه ربما هي التخلص من منصب رئيس منتخب شعبياً يتمتع بمكانة وطنية، ويستطيع أن يتحدى المرشد الأعلى، ويقول فائز، “يعتقد (خامنئي) أن النظام لن يكون مستقراً في عهد خلفه أياً كان. ولإجراء تغييرات، يحتاج إلى رئيس مطواع”.

قد يكون رئيسي الوسيلة المثالية لتحقيق طموحات المتشددين، فهو وُلِد لعائلة محافظة في شرق إيران، ودرس الشريعة في حوزات قم، وكان مراهقاً حين اختطف رجال دين وطلاب إسلاميون الثورة الشعبية في البلاد وكرسوا إيران كنظام ثيوقراطي، لكنه سرعان ما أصبح مشاركاً متحمساً في فرض تطبيق رؤية آية الله روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية.

وفي سنّ الـ 21، بدأ رئيسي العمل في الادعاء العام، وتابع قضايا سياسية في مدينتي كرج وهمدان، واكتسب سمعته بوصفه واحداً من أكثر الشخصيات صلابة في النظام، كان شاباً أيديولوجياً شديد الرغبة في العمل بنفسه.

كتب الباحث الذي يتخذ من لندن مقراً، إسكندر صادقي، على “تويتر”، “الليلة الماضية، تذكر صديق أكبر سناً كيف تنقل رئيسي، أثناء أواخر الثمانينات، من سجن إلى آخر في مختلف أنحاء البلاد وأمر بإعدام قائمة من السجناء السياسيين تلو أخرى. وأثناء حديثه (الصديق)، علمت أنه كان يتحدث عن مصير بعض من أعز أصدقائه”.

وفي غضون بضع سنوات، عُيِن رئيسي قاضياً، في تقدم سريع كان مذهلاً للإيرانيين وأدى إلى سنوات من التساؤلات حول مؤهلاته المهنية، وذات يوم، وصف نفسه على موقعه الإلكتروني بأنه “آية الله”، وهي أعلى مرتبة بين رجال الدين الشيعة، قبل أن يغير الوصف إلى “حجة الإسلام” الأكثر تواضعاً بعد ما اجتذب انتقادات.

ويقول محمد جواد أكبارين، الطالب السابق في حوزة إيرانية والمنشق الحالي الذي يتخذ من باريس مقراً، “لقد درس أربع سنوات في الحوزة، وأصبح على الفور مدعياً في كرج ووصل إلى منصب القاضي. كيف قطع المسافة بين طالبٍ وقاضٍ؟ متى أنهى دراساته؟ هل كتب الكتب التي تحمل اسمه أم لا؟”.

عام 1988، عمل رئيسي، ومعه ثلاثة رجال دين متشددين آخرين، في “لجنة الموت” التي يُزعَم أنها أشرفت على الإعدام الجماعي لآلاف السجناء السياسيين، والعديد منهم من أعضاء منظمة مجاهدي خلق الإسلامية اليسارية المحظورة، في سجن إيفين بطهران. وأثارت منظمات حقوق الإنسان مخاوف خطيرة في شأن عمليات القتل التي وقعت قبل 33 سنة والدور المزعوم الذي أداه رئيسي.

وكانت عمليات القتل هذه جريمة خطيرة؛ لقد سبقت محاكمة أولئك الذين أُعدِموا وصدرت أحكام سجن في حقهم، لكن بالنسبة إلى مراقبي الشؤون الإيرانية، يتمثل الأمر الأكثر أهمية وإنباء (أكثر إنباء) الآن في موقف رئيسي حالياً من عمليات القتل، وما يقوله عن توجهاته السياسية.

هو يدافع بقوة عن عمليات الإعدام، حتى حين يلتزم بقية المطلعين في النظام الصمت أو يصفونها باعتبارها جزءاً من فترة مؤسفة من التجاوزات في مرحلة ما بعد الثورة. كذلك أدان مراراً وتكراراً وفي شكل فاحش الاحتجاجات الحاشدة على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009، وأشاد بحملة القمع العنيفة التي أعقبت ذلك وشملت التعذيب وعمليات قتل.

ورئيسي متزوج من ابنة أحمد علم الهدى، إمام صلاة الجمعة في مشهد وأحد رجال الدين الأكثر تشدداً في النظام.

ويقول حاجيغاتنجاد، “يمكنكم أن تروا أنه متشدد وراديكالي. لقد دافع مراراً وتكراراً عن عمليات الإعدام التي نُفَّذت عام 1988. لقد رد كثر بالصمت أو الانتقاد. وعام 2009، دافع عن إعدام المحتجين وسجنهم”.

ودفع دور رئيسي في انتهاكات حقوق الإنسان الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات عليه عام 2019. لكن واقع تورطه هو نفسه في جرائم مزعومة ضد الإنسانية لا بد وأنه يطمئن داعمي النظام الملطخة أيديهم بالدماء الذين يخشون من أنهم قد يضطرون إلى مواجهة العدالة بسبب جرائمهم، ولو غرقت السفينة، سيغرق رئيسي معها، على خلاف رؤساء سابقين مثل محمد خاتمي، وهو وزير ثقافة سابق أيضاً، أو حتى روحاني.

يقول أكبارين، الذي كان هو نفسه رجل دين منشقاً وسجيناً سياسياً في إيران، “لقد أُعدِموا حتى بعد صدور أحكام بالسجن عليهم بالفعل. لقد أصدرت المحكمة أحكاماً عليهم، وكانوا يستكملون هذه الأحكام، وقتلوهم في أي حال”.

وعلى الرغم من أنه يزعم أنه عالم دين، أمضى رئيسي قسماً كبيراً من حياته المهنية ليس في الحوزات الشهيرة في قم أو مشهد، بل في طهران مخلصاً لخامنئي، فاستمع إلى محاضراته الأسبوعية، حيث يُعتَقَد أنه رعى علاقاته بالزعامة تماماً كما فعل خامنئي نفسه كتلميذ للخميني. وشغل منصب نائب رئيس الهيئة القضائية، ومنصب مدع عام، ورئيس لمحكمة تحاكم رجال الدين، أثناء فترة مظلمة شهدت حملات قمع شديدة ضد المنشقين ورقابة على شبكة الإنترنت وغيرها من وسائل الإعلام.

وبعد خسارة الرئاسة لصالح روحاني، رفع خامنئي، في تصرف يُعتبر تحدياً لإرادة عامة (الشعب)، رئيسي إلى منصب رئيس السلطة القضائية، متجاهلاً صادق لاريجاني الأكثر تعلماً وخبرة، وسليل الأسرة الدينية القوية التي تتمتع بعلاقات جيدة.

ويقول فائز، “إذا نظرنا إلى سجله الحافل، فإن خبرته في السياسة الخارجية ضئيلة للغاية، وهو يكاد لا يتمتع بخبرة فعلية في الإدارة الاقتصادية. فخلفيته في الأغلب في السلطة القضائية، باستثناء مؤسسة الإمام الرضا. وهو يتمتع بخبرة محدودة للغاية في الإدارة”.

لكن بالنسبة إلى رئيسي، يكاد الافتقار إلى الخبرة لا يشكل أهمية كبيرة. كان ولاؤه الذي لا يتزعزع للمتشددين هو الذي رفعه (إلى أعلى المناصب). وقال أحد الخبراء في الشأن الإيراني إن عدداً من الساسة يتواصلون بالخارج بالفعل لاستكشاف إمكانية أن يسلكوا طريق المنفى، خوفاً من غضب رئيسي.

اندبندت عربي