لندن – أعادت مغادرة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى الولايات المتحدة لإجراء فحوصات طبية الجدل في كواليس الحكومة الشرعية اليمنية بشأن مرحلة ما بعد الرئيس، سواء عبر انتقال سياسي تفرضه أيّ تسويات يشرف عليها المجتمع الدولي وتفضي إلى التوافق على مرحلة انتقالية تتطلب اختيار مجلس رئاسي أو نائب توافقي، أو نتيجة خلوّ مقعد الرئيس.
ويتزامن سفر الرئيس هادي إلى واشنطن مع تصعيد الحوثيين لهجماتهم العسكرية على محافظة مأرب الاستراتيجية آخر معاقل الحكومة المعترف بها دوليا في شمال اليمن، وفي أعقاب تصريحات مثيرة للجدل أطلقها المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ، وصف خلالها الجماعة الحوثية بأنها “لاعب شرعي” في المشهد اليمني.
ويضع خلوّ مقعد الرئيس الشرعية اليمنية في مأزق حرج نتيجة لسقوط ورقة الشرعية الدستورية التي يمثلها الرئيس هادي بوصفه آخر رئيس يمني منتخب، إضافة إلى تعقيدات التوافق على نائب له في مشهد شديد الاضطراب والتنازع في معسكر الشرعية.
ماجد المذحجي: لا توجد أيّ ترتيبات للتعامل مع تداعيات الوضع الصحي للرئيس
وغادر هادي مساء السبت إلى الولايات المتحدة لإجراء فحوصات طبية معتادة، وفق ما أعلنت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، بعد لقاء جمعه مع نائبه علي محسن الأحمر ورئيس الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض معين عبدالملك.
وتتزامن مغادرة الرئيس اليمني لمقر إقامته الدائم في العاصمة السعودية الرياض – في الوقت الذي لا يلوح فيه أيّ تقدم في حلحلة الملف اليمني، سواء في كواليس الدبلوماسية الدولية أو من ناحية التفاعلات المتصاعدة على الأرض- مع تزايد الهجمات الحوثية على مأرب.
ويجمع مراقبون على أن الحوثيين استثمروا في تصعيد الهجمات على مأرب تصريحات ليندركينغ الذي لمّح فيها إلى توجه المجتمع الدولي نحو التعامل بواقعية مع المعطيات على الأرض اليمنية، الأمر الذي ينسجم مع سياسة الأمر الواقع التي يسعى الحوثيون لتكريسها عبر إكمال سيطرتهم العسكرية على محافظة مأرب والدخول في مشاورات الحل النهائي بصفتهم الممثل الوحيد للساحة الجيوسياسية في شمال اليمن، وهو ما يعني إزاحة خصومهم الشماليين من خارطة النفوذ.
وردا على سؤال بشأن توقيت سفر الرئيس هادي إلى الولايات المتحدة للعلاج وهل الأمر مرتبط بمجرد دواع طبية، أم أن الزيارة تعيد للأذهان مغادرة الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج عام 2011 ضمن ترتيبات المرحلة الانتقالية بعد التوقيع على المبادرة الخليجية، قال المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي إن “كل الاحتمالات مفتوحة” في هذه المرحلة.
وعبر المذحجي في تصريح لـ”العرب” عن اعتقاده بعدم وجود أيّ ترتيبات سياسية متفق عليها، فكما هو واضح فإن الإدارة الأميركية فشلت في الوصول إلى الحد الأدنى من التسويات، ما يعني أن هكذا ترتيبات بما فيها النقاشات حول وضع الرئيس تستدعي ذهابه إلى الولايات المتحدة بعد بدء مسار سياسي وهذا غير متاح الآن.
وقال “الرئيس هادي في وضع صحي سيء ولطالما رفض الحديث عن حالته الصحية، فيما هو مطالب بفتح نقاش بشأن البدائل السياسية والقانونية لما بعده، ولا توجد حاليا أيّ خطة للتعامل مع تداعيات وضعه الصحي الذي سيترك ارتدادات كبيرة”.
ووفقا للدستور اليمني يتولى نائب الرئيس مهام الرئيس لمدة لا تزيد عن شهرين يتم خلالها الترتيب لإجراء انتخابات رئاسية، وهو الأمر الذي يتعذر في ظل ظروف اليمن الحالية التي حالت في الأساس دون إجراء انتخابات بعد انقضاء المدة الانتقالية للرئيس هادي بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ما يعني بحسب خبراء تولي نائبه علي محسن الأحمر منصب الرئيس، في ظل حالة من عدم القبول له سواء من أطراف يمنية أو إقليمية، نظرا لارتباطه بتاريخ الصراع السياسي في اليمن وانحيازه إلى مشروع جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة.
وكشف الصحافي اليمني ماجد الداعري عمّا وصفه باستعدادات أمنية لافتة تشهدها مدينة الغيضة عاصمة محافظة المهرة (أقصى شرق اليمن)، مشيرا إلى تسرب معلومات غير مؤكدة عن احتمال عودة الرئيس هادي إليها من رحلته العلاجية الأولى للولايات المتحدة في عهد إدارة الرئيس جو بايدن.
وقال الداعري، في تصريح لـ”العرب”، “تذهب التوقعات إلى احتمالية مغادرة الرئيس لمقر إقامته المؤقت بالرياض والانتقال إلى المهرة على الحدود مع سلطنة عمان التي تحتضن مشاورات ماراثونية دولية لحل الأزمة اليمنية، ما قد يستدعي من الرئيس العودة وقيادة معركة حسم مصيرية للحرب التي تراوح مكانها بين الحكومة اليمنية والحوثيين، خاصة مع اشتداد المواجهات بشكل غير مسبوق في محافظة مأرب، وعودة التوتر بين قوات المجلس الانتقالي بمحافظة شبوة وقوات الحكومة بعد إقدام السلطة المحلية في المحافظة على منع أنصار الانتقالي من إقامة فعالية سلمية لهم”.
وأشار إلى أن احتمالات عودة الرئيس هادي إلى المهرة مرهونة على الأرجح بموافقة السعودية وهي التي تشرف على قوات التحالف في المحافظة والتي يمكن أن تتولى مهمة تأمين وجود الرئيس هادي في المهرة، فيما يتوقع أن تلقى هذه الخطوة ترحيب المجلس الانتقالي، بالنظر إلى أن عودة هادي إلى اليمن يمكن أن تحرر الرئيس من الكثير من ضغوط الإخوان المهيمنين على قراره الرئاسي بالرياض.
وشهدت محافظة مأرب خلال الأيام القليلة الماضية مواجهات وصفت بالأعنف، مع زج الميليشيات الحوثية بالمزيد من التعزيزات بهدف كسر خطوط الدفاع عن المدينة المكتظة بالنازحين.
وقال الصحافي اليمني عبدالوهاب بحيبح الذي ينتمي إلى محافظة مأرب إن “جبهات المحافظة شهدت معارك ضارية خلال الساعات القليلة الماضية، حيث شنت الميليشيا الحوثية هجمات انتحارية واسعة على جبهات صرواح غرب المحافظة على شكل أنساق من الموجات البشرية، لكنها كسرت جميعا وتكبدت خلالها خسائر كبيرة في العتاد والأرواح ووقع عدد من أفرادها أسرى”.
وأشار إلى أن الميليشيا الحوثية، ومن خلفها إيران، تسعى للسيطرة على المحافظة الاستراتيجية التي تعد رأس الحربة في مواجهة الميليشيا الحوثية وهي نواة المقاومة الأولى ضد المشروع الحوثي الإيراني في اليمن، وتعد المهدد الأول لسلطة الانقلاب الحوثي في صنعاء نظرا لقرب المحافظة المقاومة من العاصمة اليمنية صنعاء.
وأضاف بحيبح، في تصريح لـ”العرب”، “إيران تدخل بكل ثقلها في معارك مأرب نظرا لما تمثله من أهمية كبيرة حيث تدرك أن مشروعها لن يمتد على كافة التراب اليمني ويهدّد دول الجوار إلا عبر بوابة محافظة مأرب التي تعد خنجرا في خاصرة مشروعها، وكذلك للسيطرة على الموارد النفطية والغازية فيها، إلا أن هذه الهجمات الانتحارية المتواصلة تتم مواجهتها بشراسة من قبل الجيش الوطني والمقاومة وبدعم وإسناد قويين ومستمرين من مقاتلات التحالف العربي لدعم الشرعية، كما تتعرض مدينة مأرب المكتظة بالسكان ومخيمات النازحين للاستهداف المستمر بالطائرات المسيرة الانتحارية والصواريخ الباليستية التي أوقعت العديد من الضحايا في صفوف المدنيين”.
العرب