تترقب محافظة درعا في جنوب سورية تطورات مهمة خلال المرحلة المقبلة، مع اتضاح خطط النظام السوري وروسيا لإحكام قبضتهما على المحافظة التي تعد مهد الثورة السورية، والتي تسودها الفوضى الأمنية منذ سيطرة قوات النظام عليها صيف عام 2018. وفي حين اعتبر مسؤول في النظام أنه لا يوجد حصار على منطقة درعا البلد في مدينة درعا، على عكس ما رصده ناشطون، بينما بادر النظام إلى إطلاق سراح عدد من المعتقلين من أبناء المحافظة، أكدت فعاليات محلية أن تصعيد النظام وروسيا ضد درعا متواصل، ويستهدف معاقبة أبنائها على موقفهم الرافض للانتخابات الرئاسية الأخيرة، وسط مخاوف من عملية عسكرية يعدّ لها النظام في منطقة درعا البلد.
إغلاق جميع الطرق المؤدية إلى درعا البلد باستثناء طريق واحد
وقال رئيس “لجنة المصالحة” وأمين فرع حزب “البعث” في محافظة درعا، حسين الرفاعي، أنّ منطقة درعا البلد (التي شهدت الانطلاقة الفعلية للثورة السورية) “غير محاصرة والطرق إليها مفتوحة”، مشيراً إلى أن المطلوب تسليم الأسلحة المتبقية بأيدي الأهالي. واعتبر الرفاعي في حديث لإذاعة “شام أف أم” الموالية للنظام، مساء أمس السبت، أنّ ما يجرى في درعا البلد هو “تصحيح للتسويات السابقة، التي لم تكن عادلة عندما تُركت الأسلحة مع المسلحين”. ورأى أن هناك ضرورة “بفرض الأمان، وعدم تكرار حوادث الاغتيالات والهجمات على الحواجز العسكرية، وهناك عرض لتسليم المسلحين أسلحتهم”. ولفت إلى أنّ “هناك تفاوضاً مع اللجنة المركزية في درعا البلد، إما بشكل مباشر أو عن طريق الأصدقاء الروس لتسليم السلاح، والمفاوضات مستمرة في العديد من المناطق الغربية والشرقية ودرعا البلد، وليست هناك مهلة زمنية لتسليم الأسلحة من قبل المسلحين، والأمور ما زالت قيد المفاوضات، مع الرغبة بالحل السلمي”، وفق تعبيره. وكان ناشطون قد رصدوا أخيراً قيام قوى أمنية وعسكرية تابعة للنظام بإغلاق جميع الطرق المؤدية إلى درعا البلد، في حين لم يترك سوى طريق واحد من جهة حي سجنة، والذي تُقام عليه العديد من الحواجز العسكرية.
تقارير عربية
إلى أين تتجه العلاقة بين روسيا واللواء الثامن بدرعا بعد قطع الرواتب؟
وقال الناشط، أبو محمد الحوراني، الناطق باسم “تجمع أحرار حوران”، لـ”العربي الجديد”، إن “قوات النظام تقوم بالتدقيق في بيانات الداخلين والخارجين، من دون تنفيذ اعتقالات حتى الآن”. وأضاف الحوراني أنه “لا توجد حالياً تحضيرات من جانب قوات النظام للقيام بعمل عسكري باتجاه درع البلد، لكن الأجواء متوترة بشكل عام، ولا نعرف شيئاً عن نيات النظام في المرحلة المقبلة، في حال لم تتم الاستجابة لمطلبه وروسيا بتسليم السلاح الخفيف الموجود بحوزة السكان في المنطقة”.
وجاءت هذه التطورات، بعد طلب من الجنرال الروسي المسؤول عن ملف الجنوب السوري، ويدعى أسد الله (وهو روسي أوزبكي)، والذي تسلم ملف درعا حديثاً، بتسليم الأسلحة الخفيفة في درعا البلد، ودخول الجيش والأجهزة الأمنية وقوات روسية للمنطقة وتفتيشها. ولاقى ذلك رفضاً من قبل الوجهاء واللجان المركزية في درعا البلد، فكان الرد بتشديد الحصار على المنطقة والمفروض أصلاً منذ نهاية إبريل/ نيسان الماضي.
أفرجت سلطات النظام عن 38 موقوفاً من أبناء درعا
وفيما يبدو أنها مبادرة للتهدئة، أو لمحاولة امتصاص روح التحدي التي ظهرت لدى الأهالي والقوى المحلية في مواجهة إجراءات النظام، بادرت سلطات الأخير اليوم الأحد إلى الإفراج عن العديد من المعتقلين من أبناء محافظة درعا، وذلك من مبنى صالة المحافظة بمنطقة درعا المحطة. ونقلت شبكة “درعا 24” عن مصادر وصفتها بالرسمية في محافظة درعا قولها إن سلطات النظام أفرجت عن 38 موقوفاً “ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء” حسب تعبير المصادر، وذلك بموجب عفو رئاسي.
ولم تتوفر تفاصيل حول الحالات المفرج عنها، لكن حضر عملية الإفراج محافظ درعا مروان شربك، وأمين فرع حزب “البعث” حسين الرفاعي، إضافة إلى قائد الشرطة العميد ضرار مجحم الدندل، ورئيس اللجنة الأمنية في درعا اللواء حسام لوقا، وعدد من قادة الأجهزة الأمنية في المحافظة. وقال لوقا، في تصريحات صحافية، إن من أهداف الإفراج هو “إعادة الأمن والاستقرار إلى درعا، وخدمة المواطنين بكل الإمكانات”.
من جهته، قال عضو “اللجنة المركزية في درعا البلد”، عدنان المسالمة، إنّ “الإجراءات العقابية التي يفرضها نظام الأسد على المحافظة سببها موقف أهالي درعا الرافض للانتخابات الرئاسية الأخيرة”. وأضاف المسالمة في منشور عبر حسابه بموقع “فيسبوك” إنّ “المطالب الروسية بتسليم السلاح الخفيف هدفها زعزعة استقرار المحافظة، ومحاولة كسر إرادة أهالي المنطقة”.
وكانت “اللجنة المركزية في درعا البلد” قد تشكّلت في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018، من ناشطين ورجال دين وشيوخ عشائر وقادة فصائل سابقين. ومنذ أن سيطرت قوات النظام على درعا بعد اتفاقات تسوية في يوليو/ تموز 2018، جندت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام مليشيات محلية وسلمتها السلاح والبطاقات الأمنية بهدف القيام بعمليات اغتيال للقادة والعناصر السابقين في فصائل المعارضة.
الإجراءات العقابية التي يفرضها النظام على درعا سببها موقف الأهالي الرافض للانتخابات الرئاسية
من جهته، لم يستبعد القائد العسكري السابق في “الجيش الحر”، خالد الفراج (أبو عدي)، في حديث مع “العربي الجديد”، إقدام النظام على عمل عسكري في درعا البلد. وتوقع أن يكون “عماد الحملة عناصر من حزب الله والمليشيات التابعة لإيران، نظراً لعدم وجود عدد كافٍ من عناصر النظام للقيام بعمل عسكري في درعا”. وأضاف الفراج أنّ “النظام وروسيا يحاولان من خلال تصعيد الضغوط من جهة، والإفراج عن بعض المعتقلين من جهة أخرى، إحداث انقسام بين السكان وأفراد المجتمع”، مشيراً إلى أنّ “الروس هددوا بقطع التواصل مع اللجنة المركزية في درعا في حال رفضت شروطهم، وبأن النظام سيقتحم المدينة”.
تقارير عربية
روسيا تستعرض: سورية قاعدة خلفية للمواجهة مع الغرب
ومن أبرز المجموعات المحلية التي يتوعّد الروس بحلها أو سحبها من درعا البلد في حال عدم تسليم السلاح الخفيف؛ مجموعة مصطفى المسالمة المعروف بـ”الكسم” التابع للأمن العسكري، والذي يتخذ من حي المنشية وجمرك درعا القديم الحدودي مع الأردن مقراً لمجموعته. إضافة إلى مجموعة القيادي شادي بجبوج الملقب بـ”العو” التابع للأمن العسكري أيضاً، والخلية الأمنية التي يديرها وسيم العمر المسالمة، وهو قيادي يعمل مع المليشيات الإيرانية، والمجموعة التي يتزعمها محمد بسام تركي المسالمة التابعة للفرقة الرابعة.
ولا يثق الأهالي ولا الفاعليات المحلية في درعا بوعود النظام وروسيا، خصوصاً في ضوء عدم التزامهما بوعود سابقة تتعلق بتنفيذ بنود التسوية المبرمة عام 2018، وأهمها الإفراج عن جميع المعتقلين، وسحب الجيش إلى ثكناته، ورفع المطالب الأمنية، وعودة الموظفين المفصولين إلى أعمالهم.
مجهولون يغتالون رجل “حزب الله” الأول في درعا
وفي التطورات الميدانية، تم اغتيال أحد أبرز رجال “حزب الله” اللبناني في درعا، مساء أمس السبت، من خلال إطلاق الرصاص عليه من قبل مجهولين. وقال الناشط أبو محمود الحوراني، لـ”العربي الجديد”، إنّ “مسلحين أطلقوا النار على عارف الجهماني على طريق صيدا – الغرية بريف درعا الشرقي، ما أدى إلى مقتله على الفور”، مشيراً إلى أن الجهماني “يعدّ رجل حزب الله الأول في درعا”. وكان الجهماني تعرض نهاية إبريل الماضي لمحاولة اغتيال في بلدة صيدا” شرقي درعا، وأصيب حينها بجروح.
يشار إلى أنّ الجهماني كان القائد العسكري في فصيل “جيش اليرموك” التابع لـ”الجيش الحر”، وانضم لـ”حزب الله” بعد تسوية وضعه الأمني عقب سيطرة قوات النظام على درعا، حيث عمل مع مجموعته المسلحة تحت إمرة رئيس فرع الأمن العسكري، العميد لؤي العلي، وشارك في تنفيذ العديد من المهام الأمنية التي أوكلت له من قبل شعبة المخابرات العسكرية بدمشق، بما في ذلك اغتيال معارضين للنظام السوري شرق درعا.
العربي الجديد