استهداف الجيش الأميركي للميليشيات الشيعية العاملة لحساب إيران في سوريا والعراق رسالة بأن الولايات المتّحدة في عهد الرئيس جو بايدن لم تتخلّ عن حزمها تجاه تلك الفصائل ولم تتراجع عن هدفها المرسوم منذ سنوات والمتمثّل في منع طهران من استخدام تلك الفصائل في ربط الأراضي السورية والعراقية وإنشاء ممر عبرها للأسلحة والمقاتلين يمتد إلى ضفة البحر المتوسّط.
بغداد- اختارت الولايات المتّحدة الأميركية الزمان والمكان المناسبين لتوجيه تحذير شديد اللهجة للميليشيات الشيعية في العراق وسوريا ومن يقف خلفها ويوفّر لها الغطاء ويستخدمها في تنفيذ أجندته وخوض صراعاته بالوكالة، وذلك من خلال قصفها موقعا لإحدى الميليشيات أسفر عن خسائر بشرية ومادية وصفت بالمعتبرة.
وجاء القصف غداة مشاركة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في استعراض لميليشيات الحشد الشعبي في خطوة وصفت بالسلبية لما تضفيه من شرعية على الميليشيات التي تنازع المؤسسات الأمنية العراقية سلطتها وتكرّس فوضى السلاح وتمنع توحيد القرار الأمني والعسكري وتساهم في منع استقرار البلاد.
أما مكان القصف فهو منطقة حدودية بين سوريا والعراق حيث توظّف إيران الميليشيات الشيعية في عملية ربط أراضي الدولتين وفتح طريق يصل طهران بضفة البحر المتوسّط في سوريا ولبنان، وهو خطّ أحمر بالنسبة للولايات المتحدّة وحليفتها إسرائيل.
أنتوني بلينكن: مستعدون للقيام بما يلزم لمنع أي هجمات أخرى على قواتنا
وقُتل الأحد عدد من عناصر ميليشيا شيعية من ميليشيات الحشد الشعبي في غارات جوية أميركية استهدفت مواقعهم على الحدود السورية العراقية، في خطوة اعتبرها رئيس الوزراء العراقي انتهاكا سافرا لسيادة بلده، فيما توعد الحشدُ الشعبي بالثأر لمقاتليه.
وجاءت الضربات في مرحلة حساسة إذ تتهم واشنطن فصائل عراقية مرتبطة بإيران بشن هجمات على منشآت عراقية تؤوي عناصر أميركيين في وقت تتواصل فيه الجهود الدولية لإعادة تفعيل الاتفاق النووي مع طهران.
وقال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي في بيان إنّه “بتوجيه من الرئيس الأميركي جو بايدن شنت القوات العسكرية الأميركية غارات جوية دفاعية دقيقة ضد منشآت تستخدمها ميليشيات مدعومة من إيران في منطقة الحدود العراقية السورية”. ويأتي ذكر بايدن في هذا المقام ليؤكّد أن الرئيس الديمقراطي لا يقل حزما عن سلفه الجمهوري دونالد ترامب إزاء الميليشيات التابعة لإيران خصوصا وأن ترامب كان قد وجهّ أكبر ضربة لتلك الميليشيات بإعطاء أمر قتل قائد فيلق القدس الإيراني والمشرف المباشر على إدارة ميليشيات الحشد الشعبي إلى جانب رئيس أركان الحشد أبومهدي المهندس الذي قتل معه في نفس الغارة التي نفذها الطيران الحربي الأميركي في يناير من العام الماضي.
وأضاف كيربي “بالنظر إلى سلسلة الهجمات المستمرة التي تشنها جماعات مدعومة من إيران، والتي تستهدف المصالح الأميركية في العراق، وجّه الرئيس بمزيد من العمل العسكري لتعطيل وردع هجمات كهذه”.
ومن جهته ندد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الاثنين بالضربات التي اعتبرها انتهاكا سافرا لسيادة العراق . وقال في بيان “يجدد العراق رفضه أن يكون ساحة لتصفية الحسابات ويتمسك بحقه في السيادة على أراضيه ومنع استخدامها كساحة لردود الفعل والاعتداءات” داعيا إلى “التهدئة وتجنب التصعيد بكل أشكاله”.
واستهدفت الضربات بحسب وزارة الدفاع الأميركية منشآت تشغيلية ومخازن أسلحة في موقعين في سوريا وموقع واحد في العراق.
وأعلن الحشد من جهته في بيان مقتل أربعة من مقاتليه في الضربات الأميركية التي قال إنها استهدفت “ثلاث نقاط مرابطة” داخل الحدود العراقية في قضاء القائم غربي محافظة الأنبار، مشيرا إلى أن مقاتليه كانوا “يؤدون واجبهم الاعتيادي لمنع تسلل عناصر داعش الإرهابي من سوريا إلى العراق”.
وأفادت مصادر من الحشد الشعبي أن القتلى ينتمون إلى كتائب سيد الشهداء، وهي ميليشيا قوية تعدّ حوالي أربعة آلاف مقاتل ومعروفة بشدّة ارتباطها بالحرس الثوري الإيراني الذي أشرف على تشكيلها وتسليحها بشكل جيّد، ويشرف على أنشطتها في العراق وسوريا بشكل مباشر.
وشدد بيان الحشد على أن النقاط المستهدفة “لا تضم أي مخازن أو ما شابه خلافا للادعاءات الأميركية”، وأضاف “نؤكد احتفاظنا بالحق القانوني للرد على هذه الاعتداءات ومحاسبة مرتكبيها على الأراضي العراقية”.
وتباينت حصيلة القتلى بين بيان الحشد ومصادر أخرى. إذ أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مقتل سبعة مقاتلين عراقيين على الأقل جراء الضربات الأميركية التي استهدفت “مقرّات عسكريّة وتحرّكات للميليشيات العراقية الموالية لإيران داخل الأراضي السوريّة”.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيراني سعيد خطيب زاده إنّ “ما تقوم به الولايات المتحدة يزعزع أمن المنطقة”، معتبرا أنّ “إحدى ضحايا زعزعة الاستقرار في المنطقة ستكون الولايات المتحدة نفسها”.
وتتمتع المجموعات المسلّحة الموالية لإيران وعلى رأسها فصائل من الحشد الشعبي بنفوذ عسكري في المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق وتنتشر على الضفة الغربية لنهر الفرات في محافظة دير الزور الحدودية. وغالبا ما تتعرّض شاحنات تقل أسلحة وذخائر أو مستودعات في المنطقة لضربات نُسب بعضها لإسرائيل المعنية بمنع تمركز فصائل تابعة لإيران بالقرب منها في سوريا ولبنان.
وتُشكل الضربات الجوية ثاني هجوم أميركي من نوعه على فصائل مدعومة من إيران في سوريا منذ تولي الرئيس جو بايدن منصبه. ففي فبراير الماضي قتل أكثر من 20 مقاتلا عراقيا في ضربات أميركية استهدفت مواقعهم في شرق سوريا وفق حصيلة للمرصد السوري.
وأوضح المتحدث باسم البنتاغون أن المنشآت، التي استهدفتها الضربات الأحد “تستخدمها ميليشيات مدعومة من إيران تشارك في هجمات بطائرات دون طيار ضد أفراد ومنشآت أميركية في العراق”.
حرج الضربة الأميركية يشمل رئيس الوزراء العراقي الذي اُعتبر حضوره استعراض الحشد الشعبي شرعنة للميليشيات
ومنذ بداية العام الجاري استهدف أكثر من أربعين هجوما مواقع في العراق تضمّ جنودا أميركيين كما طالت الهجمات محيط سفارة الولايات المتّحدة في بغداد وقوافل مدنية تحمل مؤنا لقوات التحالف الدولي ضدّ داعش.
والهدف المعلن من تلك الهجمات المنسوبة لميليشيات شيعية هو إخراج من بقي من الجنود الأميركيين في العراق وعددهم حوالي 2500 جندي.
وشكل استخدام طائرات دون طيار خلال الآونة الأخيرة مصدر قلق للتحالف الدولي لأن هذه الأجهزة الطائرة يمكنها الإفلات من الدفاعات التي عمد الجيش الأميركي إلى تركيبها للدفاع عن قواته ضد الهجمات الصاروخية.
وقال المتحدث إن الضربات تشكل “عملا ضروريا ومناسبا ومدروسا للحد من مخاطر التصعيد ولكن أيضا من أجل بعث رسالة ردع واضحة لا لبس فيهاّ. وليل الجمعة – السبت وقع هجوم بثلاث طائرات مسيرة مفخخة في منطقة قريبة من القنصلية الأميركية عند أطراف أربيل مركز إقليم كردستان العراق.
ورأى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الاثنين أن الضربات الأميركية التي استهدفت مقاتلين موالين لإيران في سوريا والعراق يجب أن تمثّل رسالة قوية لردعهم عن مواصلة استهداف القوات الأميركية. وقال للصحافيين في العاصمة الإيطالية روما “تبعث خطوة الدفاع عن النفس برسالة مهمة وقوية إلى الفصائل المستهدفة بشأن القيام بما يلزم لمنع أي هجمات أخرى”.
العرب