مع بدء الحوار الأميركي – العراقي مساء الخميس 11 يونيو (حزيران) الحالي، بدأ القلق الإيراني يتحول إلى خوف كبير، فطهران التي امتلكت نفوذاً كبيراً في العراق خلال السنوات الـ17 الأخيرة، تخشى اليوم أن تخسر كل مكتسباتها.
لا تخشى إيران على نفوذها في سوريا واليمن ولبنان، بقدر خشيتها على وضعها في العراق، فهي تعتبر نفوذها في بلاد الرافدين عموداً فقرياً لوجودها خارج حدودها الجغرافية، وتعرف جيداً أن زعزعته تُعتبر تهديداً لها.
مع بدء الاحتجاجات في العراق بداية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وانطلاق مثلها في مُدن إيرانية، كان القائد السابق لـ “فيلق القدس” قاسم سليماني وفريقه يُركزون كثيراً على ما يجري في العراق ولم يعيروا أهمية قصوى لما حدث في بلادهم، وهذا بحد ذاته يؤشر إلى أهمية نفوذ طهران في العراق.
حاولت إيران من خلال بعض الفصائل المسلحة التابعة لها، وبعض الأطراف السياسية التشكيك بالحوار الأميركي – العراقي والتقليل من شأنه، وروّجت فكرة أن الحوار “عسكرياً” فقط، ولن يبحث ملفات أخرى مثل الاقتصاد والتكنولوجيا والثقافة.
حوار مدروس
في المقابل، أكد رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، أن “الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن يعتمد رأي المرجعية الدينية والبرلمان العراقي”.
وقالت عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي، آلا طالباني لـ”اندبندنت عربية”، إن “ما جرى هو مفاوضات وليس حواراً، وعلى إيران أن تفهم بأن مصلحة العراق في أن تكون له علاقات واضحة وجيدة مع أميركا، لأن هذه العلاقات ستؤثر بالتالي في إيران”.
وأضافت “لن نقبل بأي تدخل خارجي يُحاول تحديد أو رسم ملامح علاقتنا مع دول أخرى، لذلك يجب على إيران أن تفهم بأن مصلحتها تتطلب وجود علاقة أميركية عراقية مستقرة”.
قلق إيراني
وذهب الصحافي مصطفى سعدون الذي راقب كواليس الحوار الاستراتيجي إلى الحديث عن مساحة “إعادة توازن” بين واشنطن وطهران، وقال لـ”اندبندنت عربية”، إن “الخلاف بين أميركا وإيران ليس على نفوذ الأخيرة، بل على تجاوزها حدود المتفق عليه”. وأضاف أن “نفوذ إيران بعد 10 يونيو (حزيران) 2014 (سقوط الموصل) توسع بشكل كبير، ولم يكن متفقاً على ذلك مع واشنطن. وتعرف واشنطن وطهران جيداً أنهما لن تستطيعا طرد بعضهما البعض من العراق، ما يدفعهما إلى العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل سقوط الموصل”.
ويعتقد سعدون أن “إيران خائفة من هذا الحوار، وتبدو متخبطة تجاهه، بالتالي فإن زيارة القائد الجديد لـ”فيلق القدس” إسماعيل قآني إلى بغداد، والمواقف السياسية المتتالية لحلفائها في الداخل العراقي، ومحاولات التركيز على خروج القوات الأميركية من العراق، كلها مؤشرات إلى خوف كبير من تراجع نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي”.
مَن طلب الحوار؟
ويروّج حلفاء إيران إلى أن هذا الحوار بدأ مساره منذ تشكيل حكومة مصطفى الكاظمي، وصولاً إلى القول إن “حكومة الكاظمي أميركية”، لكن بالعودة إلى شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، فإن رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي، هو مَن طلب هذا الحوار.
ودفع القلق الإيراني تحالف “الفتح” الموالي لطهران إلى الضغط على الكاظمي لزج شخصيات مقربة من إيران ضمن فريق الحوار العراقي، لكن ذلك لم يحدث، كما لم يكن ضغط “تحالف الفتح” بقرار منه وفق المعلومات، بل بدفع إيراني.
هذه المعلومات تؤكدها تغريدة أبو علي العسكري، المسؤول الأمني لـ”كتائب حزب الله” في العراق، الذي قال “يجب تضمين أحد قادة الحشد وشخصية عشائرية ضمن الفريق التفاوضي مع إضافة شخصية إعلامية وطنية كعضو مراقب لنقل المجريات بشفافية”.
ويقول مراقبون إن “مخاوف إيران في محلها، فواشنطن وبغداد، تركزان كثيراً على تقويض النفوذ الإيراني في العراق بطريقة غير مُعادية، وتعملان على عزل “الحشد الشعبي” عن الفصائل المسلحة التي ترتبط بشكل مباشر بـ”الحرس الثوري” الإيراني.
إيران التي وافقت على وصول الكاظمي إلى رئاسة الحكومة العراقية لكن من دون دعمه، تنظر إليه بريبة، بحسب مراقبين، فالإعلام الذي تموله يُهاجمه باستمرار، ويُحاول تحميله مسؤولية الأزمات التي يعيشها العراق.
محمد ناجي
اندبندت عربي