واشنطن – للمرة الثانية خلال أشهر قليلة منذ وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، يأمر بتوجيه ضربة جوية مباشرة مستهدفة قواعد ومقار لوجستية للميليشيات الإيرانية المقاتلة على الأراضي السورية بالقرب من الحدود العراقية.
فقد أعلنت واشنطن ليل الاثنين الفائت أن الرئيس بايدن أمر بشن غارات جوية ضد ميليشيات مدعومة من إيران في كل من العراق وسوريا، وذلك “رداً على هجمات الطائرات دون طيار من قبل الميليشيات ضد الأفراد والمنشآت الأميركية في العراق”، كما جاء في بيان الحكومة الأميركية الرسمي. هذا بينما أعلن الحشد الشعبي في العراق عن قتلى وجرحى في صفوف قواته جرّاء تلك الغارات.
جاءت غارات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة بُعيد ساعات فقط من لقاء وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد بنظيره الأميركي أنتوني بلينكن في العاصمة الإيطالية روما. ويعتبر هذا اللقاء هو أول لقاء مباشر بين رأس الدبلوماسية الأميركية والقيادة الإسرائيلية الجديدة التي وصلت إلى سدة الحكم بعد خسارة نتنياهو للانتخابات.
ومن الجدير بالذكر أن تل أبيب أعربت عن “تحفظات” جديّة على سير المفاوضات النووية الدائرة الآن في فيينا مع الجانب الإيراني، ولاسيما أنها دخلت في جولتها السابعة دون التطرق إلى نشاطات طهران المخلّة بالأمن، وكذلك الصواريخ البالستية التي تصنعها، والطائرات المسيّرة (درونز)، وغيرها من الطرق التي تسلكها في حروبها العابرة للحدود.
مصدر مطلع أفاد مكتب واشنطن لصحيفة “العرب” بأن الحكومة الإسرائيلية لن ترضى أبداً عن توقيع الولايات المتحدة على اتفاق نووي مع إيران بمعزل عن إدراج أسلحتها الأخرى غير التقليدية في أي اتفاق قادم. وأكّد المصدر أن إسرائيل ستتخذ كل ما هو متاح لحماية أمن مواطنيها ولاسيما بعد أن ثبت استخدام منظمة حماس المدعومة من الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، أسلحة إيرانية الصنع في حرب غزة الأخيرة، وقد طالت بصواريخها تل أبيب ومدن إسرائيلية كبرى أخرى.
من الجلي أن واشنطن وتل أبيب مختلفتان على الآليات المتبعة لكبح طموح إيران النووي وإنهاء سلوكياتها الإرهابية التي تمارسها على دول الجوار، بالرغم من أنّ الطرفين متفقان على الهدف، وقد صرّح بلينكن علناً بهذا الأمر حين تحدّث عن الاختلاف بينه ونظيره الإسرائيلي لابيد حول سبل معالجة المعضلة الإيرانية التي تقضّ مضجع إسرائيل.
العمل الدبلوماسي باستعمال القفازات البيضاء لن يمنع واشنطن من تدخّل جراحي عسكري حين الحاجة وكلما اضطرها الظرف
من جانب آخر تتابع الولايات المتحدة تنفيذ العقوبات التي أقرتها واشنطن على النشاطات الإيرانية التي يديرها الحرس الثوري ولاسيما الفعاليات الإعلامية والمنصات التي يطلقها على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. وقد قامت الولايات المتحدة مؤخراً، وبأمر قضائي، بمصادرة 33 موقعاً إلكترونياً يستخدمها اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي الإيراني، إلى جانب ثلاثة مواقع إلكترونية تعود ملكيتها وإدارتها إلى حزب الله.
وأعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (أوفاك) التابع لوزارة الخزينة الأميركية أن مكونات حكومية إيرانية تضم اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي الإيراني وعدد من المؤسسات الموازية، قد تنكرت في هيئة وكالات إخبارية أو وسائل إعلامية واستهدفت الولايات المتحدة بحملات تضليل وعمليات نفوذ خبيثة. وأن اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي الإيراني يشغل العشرات من المواقع التي تمت مصادرتها.
وأوضح مكتب أوفاك أن الحرس الثوري الإيراني يقدم دعما حاسما لكتائب حزب الله المدرجة على قوائم الإرهاب منذ العام 2009 مع العديد من الميليشيات الشيعية العراقية التي تستهدف وتقتل أفراد من قوات التحالف وقوات الأمن العراقية.
وبينما ترغب إدارة بايدن في صياغة اتفاق معدّل لـ”خطة العمل الشاملة المشتركة” JCPOA التي أبرمت في العام 2015 وخرجت منها إدارة السلف ترامب، فإن وصول رئيس متشدد إلى سدة الرئاسة في طهران من جهة والضربات العسكرية المؤلمة التي توجهها واشنطن لأذرع إيران المقاتلة التي تهدد أمن القوات الأميركية من جهة ثانية، إنما يرسمان خطوط معادلة جديدة لمفاوضات فيينا الجارية الآن، ويبرزان الدور العسكري الرادع الذي ستستخدمه إدارة بايدن كلما اضطرها الظرف كما حدث في الغارات الأخيرة، وأن العمل الدبلوماسي باستعمال القفازات البيض لن يمنع من تدخّل جراحي عسكري حين الحاجة.
فهناك قضايا إقليمية تحرص واشنطن أن تجد حلولاً ناجعة ومستدامة لها ستندرج ضمن بنود الاتفاق الجديد، وليس التغوّل المسلّح الطائفي لإيران في العراق ولبنان وسوريا واليمن إلا القلب من تلك القضايا المعلقة مع طهران والتي إن لم تجد حلولاً لها ضمن صفقة نووية متكاملة مع إيران، فإن مفاوضات فيينا ستنتهي إلى حائط مسدود.
ومن الجدير ذكره أن طهران مازالت تعتبر العقوبات الأميركية المفروضة عليها عائقاً أساساً في مسيرة مفاوضات فيينا، وأن تلك المحادثات لا يمكن أن تتقدم قبل رفع العقوبات. وفي حال لم يصل الفرقاء إلى اتفاق جديد يرضي الأطراف كافة ويغطي كل مخاوف الدول المعنية، العربية والإقليمية ومن تقبع وراء المحيط، بالصراع مع حكومة طهران، فإن انهيار المحادثات أمر وارد الحدوث، وقد يجرّ المنطقة إلى مواجهات قد لا تنطفئ نارها إذا ما اشتعلت.
العرب