لليوم الثالث على التوالي، تواصلت في العراق، أمس السبت، موجة احتجاجات ليلية حتى الساعات الأولى من الصباح، في عدد من مدن جنوب ووسط البلاد، فضلاً عن ضواحي بغداد الشرقية الأكثر فقراً واكتظاظاً بالسكان، بسبب التراجع الحاد في توفير ساعات الكهرباء والذي بلغت ذروته فجر الجمعة بتوقف منظومة الكهرباء العراقية بشكل كامل. وفيما تتسبّب عوامل عدة بدخول البلاد في أزمة طاقة غير مسبوقة منذ عام 1991 إبان حرب الخليج الأولى، من بينها تخفيض إيران نسبة تدفق الغاز الذي يجهز محطات التوليد العراقية، وقطع خطوط توريد الكهرباء الأربعة، بسبب تراكم الديون على العراق، بالتزامن مع هجمات وعمليات تخريب منظّمة استهدفت أبراج نقل الطاقة في مدن وسط وشمال وشرقي العراق، فإن مخاوف المسؤولين بدأت ترتفع من أن تؤدي هذه الأزمة إلى تفجّر احتجاجات واسعة من جديد، وخروج الأمور عن السيطرة، وهو ما يدفع البعض للتحذير من أن يكون ذلك سبباً لتأجيل الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وشهدت محافظة ميسان، ليلة الجمعة-السبت، سقوط أول قتيل عراقي في الاحتجاجات الحالية، وجرح آخرين برصاص قوات الأمن خلال تصديها للتحركات، في وقت سجلت فيه الناصرية والعمارة والبصرة والبطحاء والعزيزية تجمّعات وتظاهرات مماثلة قادها في الغالب شبان محتجون على انقطاع الكهرباء، والذي رافقه توقف ضخ المياه للمنازل، فيما شهدت بغداد اقتحام محطة توليد ودائرة توزيع كهرباء في حي الزعفرانية شرقي العاصمة. وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قد وافق، أمس الأول الجمعة، على طلب استقالة وزير الكهرباء ماجد حنتوش، كما أقال وعاقب مسؤولين آخرين في الوزارة، وشكّل خلية أزمة وزارية لمواجهة نقص الطاقة الكهربائية.
وقال مسؤول بارز في الحكومة، طلب عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، إن قيادات سياسية عراقية مختلفة تضغط على الحكومة من أجل تلافي حصول أزمة، خوفاً من عودة تفجر الاحتجاجات مجدداً، مضيفاً أن الكاظمي الذي عاد إلى البلاد من جولته الأوروبية فجر أمس السبت، سيتخذ إجراءات عاجلة بهذا الخصوص وسيعلن عنها في غضون الساعات المقبلة. ولفت إلى أن القوى السياسية التي تخشى تفجّر الاحتجاجات مجدداً هي نفسها المتورطة في أزمة الكهرباء، مثل حزب “الدعوة الإسلامية” بزعامة نوري المالكي، معتبراً أن حكومة الكاظمي لا تتحمّل الأزمة الحالية التي هي تركة فساد عمرها أكثر من 16 عاماً. وأضاف أن بعض القوى صارت تقترح تجهيز المدن المحتجة بالكهرباء لإسكاتها خوفاً من أن تكون الأزمة شرارة عودة احتجاجات واسعة تشهدها البلاد.
قيادات سياسية عراقية مختلفة تضغط على الحكومة من أجل تلافي حصول أزمة، خوفاً من عودة تفجر الاحتجاجات مجدداً
في السياق، توقّع عضو البرلمان العراقي السابق، صادق المحنا، أن يتسبّب التدهور في ملف الكهرباء في خروج تظاهرات جديدة، موضحاً في حديث مع “العربي الجديد” أن الشعب قد يثأر لنفسه من الفاسدين الذين تسبّبوا في كل ما يجري. وأشار إلى أن الكهرباء أصبحت تمثل ملفاً سياسياً أكثر من كونه فنياً، مبيناً أن الهجمات التي استهدفت أبراج الكهرباء تهدف إلى إثارة الرأي العام، وحرمان الشعب من الخدمات. وتابع أن “الكهرباء لا يمكن إصلاحها إلا بمعجزة”، معتبراً أن هناك استهدافاً مبرمجاً للمنظومة الكهربائية. وذكر أن جميع رؤساء الوزراء في العراق لم يتمكّنوا من فعل شيء في هذا الملف، مضيفاً أنه “قد يتم افتعال أزمة في ملف الكهرباء لتأجيل الانتخابات التي لن تجري في موعدها”. وبيّن أن الحكومة والبرلمان والقوى السياسية يتحمّلون مسؤولية تردي الكهرباء، مشيراً إلى أن “الشعب يتحمّل نصف المسؤولية لأنه يأتي بأشخاص لهم ارتباط بالخارج”.
تقارير عربية
العراق: مقتل متظاهر باحتجاجات الكهرباء واستهداف جديد لأبراج الطاقة
أما عضو لجنة الأمن والطاقة في البرلمان العراقي، صادق السليطي، فرأى في حديث مع “العربي الجديد” أن “أزمة الكهرباء لا تخلو من السياسة، وهناك من يحاول استخدام أي ملف من أجل التأثير في الشارع لخلط الأوراق وصولاً إلى تأجيل الانتخابات”، مضيفاً “كل ذلك وارد، لأنه لا معنى لاستهداف راحة المواطنين، واستهداف خطوط نقل الكهرباء ليس عشوائياً لأن العمليات ركزت على الخطوط المهمة”، محمّلاً وزارة الداخلية مسؤولية حماية خطوط نقل الكهرباء. وحمّل وزارة الكهرباء مسؤولية أزمة الكهرباء التي تتكرر في صيف كل عام، موضحاً أن الوزارة لم تطبّق خططاً استراتيجية في هذا الملف، وكل وزير كهرباء يأتي يطبّق خطة تختلف عن الخطط التي اعتمدها الوزراء الذين سبقوه، ما تسبّب بعدم وضوح الرؤية في الوزارة. وتابع: “كان مخططاً أن تزداد ساعات إمداد الكهرباء خلال الصيف الحالي، لكن قبل أسبوعين، حدث انخفاض كبير في إنتاج الكهرباء لأسباب عدة، منها تقليل إيران لحصة العراق من الغاز، بسبب عدم دفع العراق مبالغ إيرانية مستحقة في هذا المجال، فضلاً عن الهجمات الإرهابية المتكررة التي سبّبت خللاً في منظومة الكهرباء”. وطالب بـ”استخدام مناطيد وطائرات مسيّرة لحماية محطات وأبراج الكهرباء”، موضحاً أن وزارة النفط ملزمة بتوفير الغاز لإنتاج الكهرباء، كي لا يبقى العراق معتمداً على الخارج. وشدد على ضرورة وجود غرفة عمليات تتابع حل المشاكل التي تحول دون توفير التيار الكهربائي، مبيناً أن هذا الأمر يحتاج إلى جهود حقيقية.
وعلى الرغم من تأكيد السلطات العراقية، في وقت سابق، أنها ستقوم بتوفير الحماية لخطوط نقل الكهرباء من خلال الطائرات المسيّرة، إلا أن الهجمات التي تستهدف أبراج ومحطات الكهرباء لا تزال مستمرة وبشكل شبه يومي. وأعلنت قيادة العمليات العراقية المشتركة، الجمعة، تخصيص مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات تتعلق باستهداف أبراج ومحطات الكهرباء، مؤكدة أنها تقوم بـ”متابعة هذه الأفعال الإرهابية بوضع الخطط الأمنية وتوجيه القطعات العسكرية والأمنية والقوة الجوية وطيران الجيش، لاتخاذ ما يلزم لحماية أبراج نقل الطاقة والمنشآت الكهربائية في البلاد، على الرغم من المساحة التي تمتد عليها هذه الأبراج”.
وتعليقاً على الهجمات، اعتبر رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، محمد رضا، في حديث مع “العربي الجديد”، أن بلاده تعرّضت إلى “غزوة اقتصادية” نفذها تنظيم “داعش” بتوجيهات من خليفته الجديد، باستهداف أبراج الكهرباء وتهديد الأسواق، متحدثاً عن عزم البرلمان استضافة عدد من القيادات الأمنية العراقية لمناقشة الهجمات الأخيرة ومجمل الوضع الأمني في البلاد. وتابع رضا أن “معلوماتنا بشأن سلسلة الهجمات التي طاولت أبراج نقل الطاقة تشير إلى أن ما يسمّى بخليفة تنظيم داعش الجديد أوصى بالقيام بغزوة اقتصادية هذه المرة عبر استهداف أبراج نقل الكهرباء، واستهداف الأسواق، وأرتال صهاريج نقل النفط والأرزاق، وهذه تسمّى غزوة اقتصادية يعمل عليها داعش، ويجب متابعة الملف من قوات الجيش والشرطة بمختلف مناطق انتشارها”.
محمد رضا: العراق تعرّض إلى “غزوة اقتصادية” نفذها “داعش” بتوجيهات من خليفته الجديد، باستهداف أبراج الكهرباء وتهديد الأسواق
وفي السياق، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، حسان العيداني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن ملف الكهرباء لم يعد خدمياً فحسب، بل بدأ يأخذ منحى سياسياً وأمنياً خلال الفترة الأخيرة، بعد الهجمات الممنجهة التي استهدفت أبراج الكهرباء أخيراً، موضحاً أن هذه الهجمات أخذت أبعاداً سياسية وأمنية. ورأى أن الحكومة مطالبة بالإسراع في اتخاذ خطوات عاجلة لترميم الخلل الكبير في قطاع الكهرباء، قبل أن تخرج الأمور في الشارع عن السيطرة، مبيناً أن التذمر من تردي الخدمات ومنها الكهرباء اليوم يشبه أجواء ما قبل انطلاق احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019، وقد تتكرر التظاهرات بالوتيرة السابقة نفسها إذا لم تتوصل الحكومة إلى حلول عاجلة فنية وأمنية لتدهور الحاصل في الكهرباء وبناها التحتية.
براء الشمري
العربي الجديد