على الرغم من الاتفاق على إزالة السواتر الترابية التي أقيمت قبل شهرين في محيط منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، جراء الاشتباكات التي دارت آنذاك بين الفرقة الرابعة التابعة للنظام، والمليشيات الإيرانية المنتشرة في المنطقة، إلا أنّ أجواء التوتر ما زالت قائمة بين الطرفين، مع سعي إيران ومليشياتها إلى تثبيت وجودها في تلك المنطقة التي باتت تعد المعقل الرئيسي للوجود الإيراني في سورية.
وقال الناشط المنحدر من منطقة السيدة زينب، محمد الخالدي، لـ”العربي الجديد”، إن سلطات النظام السوري عمدت أخيراً إلى إزالة السواتر الترابية التي كانت قد رفعت على الطرق الواصلة بين السيدة زينب ومنطقتي البحدلية وحجيرة المجاورتين، لكن مع السماح بمرور الأشخاص فقط سيراً على الأقدام، ومواصلة منع مرور الآليات باستثناء الحالات الإسعافية. وأوضح أنّ إزالة السواتر الترابية جاء ضمن اتفاق بين الفرقة الرابعة والأجهزة الأمنية التابعة للنظام من جهة، والمليشيات الإيرانية المتمركزة في منطقة السيدة زينب من جهة أخرى، على أن يعاد فتح الطرق بشكل طبيعي في وقت لاحق أمام حركة النقل، بما في ذلك وسائل النقل العامة. وجاء الاتفاق بين الطرفين، بعد اشتباكات دارت بينهما على الأطراف الغربية لمنطقة السيدة زينب، من جهة حجيرة والبويضة، وفقدت الفرقة الرابعة تسعة من عناصرها جراءها، تبيّن لاحقاً أنهم اختطفوا من قبل مجموعة تابعة للمليشيات الإيرانية في المنطقة، وتبع ذلك إرسال قوات النظام تعزيزات إلى المنطقة.
يتنافس الطرفان على النفوذ والسيطرة وتقاسم الإتاوات
وتحدثت خلال الشهور الأخيرة مصادر مختلفة عن مظاهر التوتر بين الطرفين على خلفية التنافس بينهما على النفوذ والسيطرة وتقاسم الإتاوات. وفي هذا الإطار، قام عناصر من “حركة النجباء” العراقية في مارس/آذار الماضي بالاستيلاء على بعض المزارع والأبنية في المنطقة الواقعة بين ببيلا والسيدة زينب، فيما تمركزت مجموعات من الفرقة الرابعة التابعة للنظام في بعض المواقع المحيطة في المنطقة. وتجددت الاشتباكات في نهاية إبريل/نيسان الماضي والتي استخدمت فيها أسلحة ثقيلة على خلفية رفض المليشيات إعادة فتح الطريق الواصلة بين منطقتي حجيرة وببيلا، وحاولت “الفرقة الرابعة” إعادة فتح الطريق بعد تلقي شكاوى من البلديات ومؤسسة النقل التابعة للنظام بشأن المصاعب التي تواجهها في النقل نتيجة إغلاق الطريق.
والواقع أنه لم يتم التأكد من الجهة المسؤولة عن إغلاق الطريق الواصل بين دمشق والسيدة زينب عبر منطقتي ببيلا وحجيرة. وذكر الناشط محمد الخالدي لـ”العربي الجديد”، أن قوات النظام هي التي أغلقت الطريق على بعد نحو كيلومتر واحد من السيدة زينب بساتر ترابي ضخم يمنع دخول السيارات، فيما يتمكن الأفراد والدراجات العادية والنارية من تجاوزه بصعوبة عبر جانبيه للوصول إلى منازلهم، حيث ارتفاع الساتر أقل مما هو عليه في المناطق الأخرى. وكان هذا الطريق فتح بعد سيطرة قوات النظام على بلدات ببيلا ويلدا وبيت سحم صيف 2018، من خلال اتفاق “تسوية” مع المعارضة برعاية روسية.
وتتخذ إيران منذ ما قبل اندلاع الحرب في سورية قبل 10 سنوات، من منطقة السيدة زينب معقلاً رئيسياً، بسبب وجود مزار “السيدة زينب” الذي يزوره الآلاف من إيران والعراق، ولبنان، وأفغانستان، وباكستان. وقبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، كانت منطقة السيدة زينب، الواقعة على بعد 10 كيلومترات جنوب دمشق، منطقة مختلطة مهمشة تضم نحو 400 ألف شخص ينحدرون من مجمل المحافظات السورية، لكن غالبيتهم من نازحي الجولان السوري المحتل، واللاجئين الفلسطينيين، مع وجود قلة من أتباع المذهب الشيعي، معظمهم غير سوريين، من لبنان والعراق وبلدان الخليج.
وبعد عام 2011، بدأت الأنظار تتجه للمنطقة لوجود مقام “السيدة زينب” فيها المقدس عند المسلمين الشيعة، والذي كانت حمايته، من ضمن الأهداف المعلنة لتدخل إيران ومليشياتها في سورية. واتخذت إيران من مسألة الدفاع عن المقام حجة لجذب المسلحين منها ومن أصقاع العالم إلى سورية، إلى أن أصبحت تنتشر في سورية، وفي السيدة زينب بالذات، مليشيات إيرانية ومحلية وأجنبية تابعة لطهران.
وفي إبريل 2018، بدأت إيران بتنفيذ مشروع لتوسيع مرقد السيدة زينب في دمشق كلف ملايين الدولارات، بينما وافقت حكومة النظام السوري في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي على تغيير اسم المنطقة التي يقع فيها مقام السيدة زينب، لتسمى رسمياً باسم “مدينة السيدة زينب” بعد أن كانت تعرف في الدوائر الرسمية باسم “قبر الست”. كما نفذت جهات إيرانية مشروعاً لترميم الطرقات والدوارات المرورية في منطقة السيدة زينب، تضمن إعادة تسميتها بأسماء جديدة من وحي المقدسات الإيرانية، فتحوّل شارع “التين” إلى شارع “الحوراء”. كما أطلق على شارع آخر اسم “الفاطمية”. وفي المدخل الشمالي للمنطقة، تلفت الانتباه لوحة خضراء وضعت حديثاً على الدوار الذي كان يسمى دوار حجيرة، وكتبت عليها عبارة “دوار السيدة زينب”.
عمليات شراء كثيرة للعقارات تمت خلال سنوات الحرب لمصلحة إيرانيين وزعماء مليشيات في المنطقة
وقبل أسبوعين، نقل موقع “صوت العاصمة” عن مصادر قولها إن مجلس محافظة ريف دمشق أنهى دراسة مشروع قدّم له لإطلاق اسم “ضاحية زينب” على منطقة البحدلية التي تقع على مقربة من منطقة السيدة زينب. كما يضم المقترح تعديل المخطط التنظيمي للمنطقة، وهو ما وافقت عليه المحافظة أيضاً. وبحسب المصادر، فإنّ تعديل المخطط التنظيمي يهدف إلى توسع منطقة “ضاحية زينب” الجديدة، وتشييد المزيد من الأبنية السكنية فيها. وتعتبر منطقة البحدلية، واحدة من أبرز مناطق تمركز المليشيات الإيرانية في جنوب دمشق، كونها المنطقة الأقرب للسيدة زينب.
وتشير معلومات إلى عمليات شراء كثيرة للعقارات تمت خلال سنوات الحرب لمصلحة إيرانيين وزعماء مليشيات في المنطقة، بما في ذلك مئات الفنادق والمحال التجارية والبيوت السكنية.
وقال الصحافي الفلسطيني محمد صبح، الذي كان يقيم في مخيم السيدة زينب للاجئين الفلسطينيين، لـ”العربي الجديد”، إن “التفجيرات التي وقعت في المنطقة عام 2016، ساهمت في تقويض سلطة النظام السوري داخل منطقة السيدة زينب، من خلال إغلاق المخافر الحكومية، وانتشار عناصر من المليشيات الإيرانية لضبط المنطقة أمنياً، إضافة إلى وضع حواجز أمنية على مداخل المنطقة تضايق كل من يحاول الدخول إليها من غير المنتسبين للمليشيات أو على صلة بهم”.
وبرزت محدودية سلطة النظام هناك من خلال عجزه عن التدخل أخيراً لفرض إجراءاته الاحترازية الخاصة باحتواء وباء كورونا، بعد أن تحوّلت السيدة زينب إلى بؤرة لتفشي الوباء، بينما رفضت المليشيات التقيّد بإجراءات سلطات النظام بعدم الدخول والخروج إلى العاصمة دمشق وما حولها، فضلاً عن عدم دفع الضرائب والفواتير المترتبة على أهالي المنطقة، والسكن العشوائي في بيوت حديثة غير مرخصة.
ومن أبرز الشخصيات الإيرانية التي كرست نفوذ إيران في السيدة زينب القائد السابق لـ”فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي ظهر باكياً عند مرقد السيدة زينب. كما زار المرقد أخيراً، وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.
عدنان أحمد
العربي الجديد