تهديد حفتر باقتحام طرابلس.. مغامرة جديدة نحو المجهول

تهديد حفتر باقتحام طرابلس.. مغامرة جديدة نحو المجهول

تهديد اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، بالهجوم مجددا على العاصمة طرابلس، إذا لم يتم التوصل لحل سياسي، يعكس مدى انزعاجه من إحباط محاولات أتباعه في ملتقى الحوار السياسي بجنيف تفصيل قاعدة دستورية تسمح له بالترشح للرئاسيات.
وقال حفتر، بحسب ما نقله عنه الإعلامي الداعم له محمود المصراتي: “إن لم نصل لحل، فإن قواتكم المسلحة (مليشيات حفتر) مستعدة مرة أخرى لتحرير العاصمة”، وفق تعبيره.
فحفتر يضغط بكل السبل الممكنة على ملتقى الحوار والبعثة الأممية لإعداد قاعدة دستورية تسمح له بالترشح للانتخابات الرئاسية دون أن يتخلى عن جنسيته الأمريكية أو ينزع بزته العسكرية.
وتلويح حفتر بشن هجوم جديد على طرابلس، يتزامن مع فشل أنصاره في تمرير المقترح الذي تبنته اللجنة الاستشارية المنبثقة عن ملتقى الحوار، والذي يسمح له بالالتفاف على شرط عدم ازدواجية الجنسية.
والخيار الأول من بين ثلاث خيارات طرحتها لجنة التوافقات، والتي لا تضع شروطا معينة للترشح، سقط هو الآخر أمام معارضة كتلة وازنة بين أعضاء ملتقى الحوار الـ75.
ويزعم حفتر، أنه سيذهب للحل السياسي حتى النهاية المرسومة في خارطة الطريق، وهي الانتخابات، نزولا عند رغبة الأصدقاء والحلفاء، قبل أن يهدد باقتحام مليشياته لطرابلس إن فشل الحل السياسي.
والحل السياسي في نظر حفتر هو ذلك الذي يوصله إلى كرسي الرئاسة دون قتال، وإلا فالخيار العسكري الأكثر تفضيلا رغم هزيمته القاسية على أسوار طرابلس بعد 14 شهرا من القتال والحصار.

البحث عن تبرير الهزيمة
ويرفض حفتر الاعتراف بأن هزيمته كانت على يد الجيش الليبي الحكومي والقوات المساندة له، ناهيك عن دعم الحليف التركي الحاسم، ويحاول تبرير اندحاره مئات الكيلومترات نحو قاعدة الجفرة الجوية باستهداف القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) لمليشياته في قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنو غرب طرابلس) وفي عدد من محاور طرابلس.
وتجاهل حفتر الدور الذي لعبته طائرات بيرقدار المسيرة التركية، في تدمير منظومات الدفاع الجوي الروسية من نوع بانتسير، ما جعل مليشياته في الوطية وجنوبي طرابلس مكشوفة ما أتاح قنصها لاحقا.
وبعد انسحاب مرتزقة فاغنر المفاجئ من محاور القتال جنوبي طرابلس، لم تصمد مليشيا حفتر سوى 10 أيام، قبل أن تنهار بشكل سريع، وتندحر إلى قواعدها الخلفية في مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) والجفرة (650 كلم جنوب شرق طرابلس).
ويدعي حفتر أن القوات الحكومية مدعومة من قوى إقليمية كانت ستقوم بإنزال في مناطق الموانئ والحقول النفطية لذلك انسحبت مليشياته لحمايتها وتأمين خطوطها الخلفية.
وتجاهل حفتر توجيه طائرات بيرقدار المسيرة عدة ضربات جوية قاتلة لخطوط إمداده الطويلة التي تزيد عن 1400 كلم، من بنغازي إلى الجفرة ثم بني وليد وترهونة فجنوبي طرابلس، مما أضعف مليشياته في الخطوط الأمامية المتقدمة، بسبب نقص الوقود والمؤن والذخائر.
غير أن أكثر ما يثير الاستغراب والدهشة، مزاعم حفتر بأنه لم يندم على “عدم استخدام القوة المفرطة لاقتحام العاصمة، من أجل الحفاظ على أرواح أهلنا وممتلكاتهم”.
بينما ارتكبت مليشياته عدة مجازر في حق المدنيين الآمنين، بينها قصف جوي ومدفعي وصاروخي لأحياء شعبية آهلة بالسكان مثل حي أبو سليم، وقتل الأسرى وقطع الطرقات وتفخيخ أحياء طرابلس الجنوبية بالألغام، والمقابر الجماعية في مدينة ترهونة المتاخمة للعاصمة، ناهيك عن التعذيب والجثث المحروقة والأفران البشرية ورمي الجثث في الآبار.
وكل هذه الجرائم وغيرها لا يعتبرها حفتر “قوة مفرطة”، ويحاول إقناع أنصاره بأنه حافظ على أرواح وممتلكات سكان طرابلس، رغم أنه تسبب في تشريد مئات آلاف السكان الآمنين من أحيائهم ناهيك عن آلاف القتلى والجرحى.
وقد يكون حفتر صادقا في نقطة واحدة، عندما تحدث عن طلب الأمريكيين منه فك الارتباط مع “الحليف الروسي”، وأنه عندما طلب منهم البديل تنصلوا.
فحفتر ليس له إشكال في التخلص من “الحليف الروسي” شريطة أن تكون واشنطن البديل الذي يزوده بالسلاح والدعم الدبلوماسي.
أكثر ما يزعج الولايات المتحدة في ليبيا التواجد العسكري الروسي ممثلا في شركة فاغنر، لكن هناك أيضا دعم روسي مباشر لحفتر بأسلحة ثقيلة لا تمتلكها فاغنر، ولم تكن ضمن ترسانة السلاح الليبي في عهد معمر القذافي على غرار طائرات سوخوي 24، وطائرات ميغ 29.

هل يملك حفتر القدرة على الزحف نحو طرابلس؟
تهديدات حفتر بالهجوم مجددا على طرابلس ليست جديدة ولن تكون الأخيرة، فحلم حفتر بحكم ليبيا لن يتحقق إلا بدخول طرابلس أو انتهاء أجله، ومن المستبعد أن يترك الليبيين يقررون مصيرهم بأيديهم.
ويتضح ذلك في رفضه الخضوع لحكومة الوحدة الوطنية، وقبلها حكومة الوفاق الوطني، حتى وإن حاول إظهار عكس ذلك.
لكن حفتر مازال يحافظ على تماسك مليشياته نسبيا، والتي لم تدمر بالكامل في معركة طرابلس (2019-2020)، رغم أن خسائره كانت كبيرة، حيث قدرها المتحدث باسمه أحمد المسماري بنحو 7 آلاف قتيل، بينما وعد حفتر بتخصيص 20 ألف سكن لأسر القتلى والجرحى من مليشياته.
وهذه الأرقام كبيرة جدا بالنسبة لمليشيا يقدر عدد عناصرها بعشرات الآلاف من المسلحين المحليين والمرتزقة الأجانب.
ومع ذلك لم تتفكك المليشيا، رغم حالة التململ التي عاشتها في فترات متقطعة في الشرق والجنوب، وتمكن حفتر من امتصاص غضب بعض الأطراف مثل قبائل برقة وجرحى وأسر قتلى مليشياته.
وقام رجال حفتر “بتصفية” شخصيات حقوقية وعسكرية وجهت لدائرته المقربة انتقادات حادة على غرار المحامية حنان البرعصي، والقيادي في قوات الصاعقة الرائد محمد الورفلي.
واستغل حفتر وقف إطلاق النار لإعادة تنظيم مليشياته وشراء أسلحة جديدة وحديثة، وتكثيف المناورات العسكرية وتحريك قواته نحو الجنوب الغربي لتوجيه رسائل للداخل والخارج.
ولا شك أن حفتر ينتظر الظروف الداخلية والدولية المناسبة لبدء هجومه على طرابلس، وقد لا يتم ذلك إلا بعد استعادته لبعض المدن التي كانت خاضعة له في المنطقة الغربية على غرار ترهونة والزنتان وبني وليد.
إلا أنه ما دامت تركيا مستمرة في دعم الحكومة في طرابلس عسكريا، فلن يكون بإمكان حفتر دخول العاصمة بالقوة.
كما أن الجزائر دخلت مؤخرا ضمن القوى الدولية والإقليمية الرافضة لاستيلاء حفتر على السلطة بالقوة، ما يجعل مهمة حفتر شبه مستحيلة، بل ومغامرة جديدة نحو المجهول.
لذلك فإن اللواء المتقاعد يناور سياسيا وعسكريا في انتظار ثغرة يستغلها للوصول إلى السلطة بعد تغير التحالفات الدولية والمحلية لصالحه.

(الأناضول)