بعد أن كانت واشنطن ذات يوم توجه اللوم بانتظام إلى الحكومات الأجنبية والشركات المتواطئة معها على ممارستها في مجال رصد الإنترنت، والرقابة عليها، وغير ذلك من صور القمع الإنترنتي – تبدلت المواقف الآن، حيث سرّب إدوارد سنودن -متعاقد سابق مع جهاز الأمن القومي الأمريكي- آلاف الوثائق التي تكشف عن أشد برامج المراقبة الإلكترونية الأمريكية سريّة، مما أطلق العنان لموجات هائلة من النقد والاتهامات بالنفاق وجهت للمسئولين الأمريكيين الذين كانوا يناصرون حرية الإنترنت.
وفي هذ الإطار، يرى ريتشارد فونتين، رئيس مركز أمن أمريكي جديد Center for a New American Security، في ورقة بحثية نشرها المركز تحمل عنوان “الإتيان بالحرية إلى الإنترنت” Bringing Liberty Online، أنه على الرغم من التعقيدات الكثيرة الناشئة عن الأسرار التي أفصح عنها سنودن؛ تظل أمريكا في حاجة إلى استراتيجية لحرية الإنترنت، استراتيجية تُرجح كفة الميزان في اتجاه مَن سيستخدمون الإنترنت لتشجيع التسامح، وحرية التعبير، وتُبعدها عمن سيوظفونها للقمع أو العنف، مشيرًا إلى أن أمريكا بحاجة إلى اتباع هذه الاستراتيجية، مع التمييز بوضوح بين المراقبة لأغراض الأمن القومي (وهو نشاط تمارسه كل الحكومات) والرصد كوسيلة من وسائل القمع السياسي (الذي تعارضه الحكومات الديمقراطية). وليس هذا بالعمل السهل، على حد وصف الباحث، لكنه شديد الأهمية. وبعد مضي أكثر من عام على ظهور المعلومات التي أفصح عنها سنودن، يرى فونتين أنه قد حان الوقت لإعادة تفعيل أجندة حرية الإنترنت.
أشار ريتشارد فونتين إلى سعي الحكومة الأمريكية الصريح لتحقيق حرية الإنترنت أثناء الفترة الرئاسية الثانية لإدارة بوش. فمن ضمن خطوات أخرى اتُّخذت في هذا الشأن، استهدف إنشاء فريق عمل حرية الإنترنت العالمية التابع لوزارة الخارجية الأمريكية تنسيق الجهود الرامية إلى تشجيع حرية الإنترنت، وإلى الرد على الرقابة على الإنترنت. وبعد الربيع العربي، دشنت الولايات المتحدة في 2011 ائتلاف الحريات على الإنترنت، الذي يشتمل على تعاون 23 بلدًا من أجل تنسيق الجهود بغية توسيع حرية الإنترنت العالمية.وقد دعمت الحكومة الأمريكية أقوالها بالموارد. فمنذ عام 2009، أنفقت وزارة الخارجية الأمريكية والأجهزة الحكومية الأخرى أكثر من 125 مليون دولار على برامج حرية الإنترنت. كما اتخذت إدارة أوباما خطوات تنظيمية تهدف إلى تشجيع حرية الإنترنت، وتحديدًا بعد أن يسّرت التكنولوجيا بشكل واضح قيام الثورة الخضراء في إيران عام 2009، والربيع العربي عام 2011.
كما استهدفت الولايات المتحدة تشجيع التدفق الحر للمعلومات على الإنترنت من خلال العمل الدبلوماسي أيضًا، حيث يضغط دبلوماسيو وزارة الخارجية الأمريكية على الأنظمة الحاكمة القمعية لتخفيف القيود التي تفرضها على الإنترنت، وإطلاق سراح المدونين المسجونين، وضمان قدرة المواطنين على التعبير عن أنفسهم على الإنترنت دون خوف من العقاب.
أجندة حرية الإنترنت بعد واقعة سنودن
لفت ريتشارد فونتين إلى أن الأسرار المثيرة التي كشف عنها سنودن عن تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكي، التي بدأت تظهر علانية في يونيو 2012، أثارت عاصفة من ردود الأفعال الدولية؛ حيث أعرب عدد من الزعماء السياسيين عن غضبهم من ممارسات المراقبة الأمريكية، وهددوا بالقيام بمجموعة كبيرة من التدابير الانتقامية؛ فألغت الرئيسة البرازيلية دلما روسف زيارة رسمية مخططة إلى الولايات المتحدة، ونظمت الحكومة البرازيلية فيما بعد مؤتمرًا دوليًّا بعنوان “نت مونديال” لمناقشة مستقبل حوكمة الإنترنت، وأحسّت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالإساءة البالغة بفعل ما زُعم من تعرض هاتفها الشخصي للمراقبة، واتهم مسئولون صينيون وغيرهم أمريكا بالنفاق الفج.
وقد طالت نتائج هذه الواقعة القطاع الخاص أيضًا، إذ بينما كان تركيز كثير من المراقبين ينصب فيما سبق على المعونات التي تقدمها الشركات الأمريكية للحكومات الأجنبية الضالعة في قمع الإنترنت، تحولت الأنظار الآن إلى الدور الذي تلعبه الشركات الأمريكية -بعلمٍ أو بغير علمٍ- في تمكين المراقبة الأمريكية. والبلدان التي كانت قبل ذلك هدفًا للتوبيخ الأمريكي وبخت الحكومة الأمريكية على ما اعتبرته نفاقًا من جانبها.
وكان رد فعل المنظمات غير الحكومية ردًّا حادًّا أيضًا؛ إذ أقدمت منظمة “مراسلون بلا حدود”، على سبيل المثال، على إدراج “وكالة الأمن القومي” الأمريكية باعتبارها “عدوًّا للإنترنت” في تقريرها لسنة 2014 حول الكيانات الضالعة في قمع الإنترنت.
وأكدت “مؤسسة الحدود الإلكترونية” أن مراقبة الإنترنت ينتهك حقوق الإنسان، في حين نوّه مسئولون في منظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى أن فضيحة المراقبة ستصعب أكثر على الحكومة الأمريكية الضغط على الشركات كي تتبع ممارسات أفضل. وقال كبير الباحثين في المنظمة: “رؤية الولايات المتحدة وحلفائها ومصداقيتهما بشأن حرية الإنترنت في حالة مهلهلة الآن”.
وفي رد على القمع الأمريكي لحريات الإنترنت أعلنت البرازيل والاتحاد الأوروبي عن خطط لمد كابل بحري لنقل البيانات مباشرة بين أوروبا وأمريكا اللاتينية دون المرور بالولايات المتحدة. وهدد الاتحاد الأوروبي بتعليق اتفاقية “سيف هاربر” الخاصة بتبادل البيانات مع الولايات المتحدة، ووضع لها قواعد جديدة قال مسؤولو الاتحاد الأوروبي إنها نابعة مباشرة من المخاوف بعد المعلومات التي كشف عنها سنودن.
ثمة ملاحظة تحذيرية تقتضيها المناسبة عند تفسير ردود الأفعال تجاه قضية سنودن، على حد قول ريتشارد فونتين، فهناك بعض التطورات -مثل متطلبات توطين البيانات والمخاوف من تفتيت الإنترنت- سبقت في وجودها إفصاحات سنودن، ولم تكن هذه الإفصاحات سببًا في ظهورها بل في تسريعها. كما تعلمت الحكومات الأتوقراطية أيضًا دروسًا من الربيع العربي الذي أججته التكنولوجيا، مما أسفر عن القيام بأفعال تهدف إلى الحد من حرية الإنترنت. وعلى الرغم من كل الهواجس بشأن القوانين التي ستقضي بالتخزين المحلي لبيانات المستخدمين؛ فإن البلدان التي سنت هذه القوانين فعليًّا قليلة عددًا. ومع ذلك يظل احتمال حدوث هذه النتائج العرضية فعلا أمرًا قائمًا، وفقًا للكاتب.
الولايات المتحدة ترد
على الرغم من الغضب الدولي والنقد الذي وُجِّه سرًّا وعلانية لسياسات المراقبة الأمريكية، واصلت الحكومة الأمريكية أنشطتها ذات الصلة بحرية الإنترنت، وإنْ بمستوى جماهيري أقل. وفي ظل مواصلة تنفيذ أجندة حرية الإنترنت، حاول المسئولون الأمريكيون التوفيق بين ممارسات المراقبة التي تقوم بها حكومتهم وبين رغبتها المعلنة في المزيد من حرية الإنترنت، وهذا أمر أقل ما يقال فيه إنه ينطوي على تحديات.
ويفرق المسئولون الأمريكيون بشكل حاسم بين مراقبة الاتصالات لأغراض حماية الأمن القومي والمراقبة التي تهدف إلى قمع حرية التعبير والنشاط السياسي. ويعني الموقف الأمريكي، بحسب الباحث، أنه يحلّ مثلا للحكومة الأمريكية أن تراقب المواطنين، لكن لا يحل ذلك للحكومة الصينية، وهذا شيء يصعب إقناع أحد به، وسوف يظل كذلك، برأي فونتين.
بالإضافة إلى ذلك، اتخذت الحكومة الأمريكية خطوات أخرى لتلطيف رد الفعل الدولي، حيث آثرت وزارة التجارة الأمريكية، على سبيل المثال، التنازل عن الإشراف على هيئة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة (الآيكان)، التي تدير أسماء النطاقات، إلى “مجتمع الإنترنت العالمي”.
وأوضح فونتين أن مثل هذه التحركات حققت أثرًا متواضعًا على ردود الأفعال الأجنبية. فالمراقبة الأمريكية ستستمر حتمًا تحت أي سيناريو محتمل في حدود المعقول. وكثير من المطالب، مثل المزيد من الشفافية، لن يتم الوفاء بها، ببساطة بسبب الطبيعة السرية للتجسس الإلكتروني. كما أنه لن يتم إبرام اتفاقية “عدم تجسس” دولية لطمأنة المواطنين الأجانب على أن اتصالاتهم لا تخضع للمراقبة. فأنشطة التجسس التي ترعاها الدول ستظل على الأرجح، كما كان حالها منذ قرون، ممارسة دولية مقبولة غير متقيدة بالقانون الدولي.
نبذة مختصرة عن حرية الإنترنت اليوم
رأى فونتين أن الحديث المختلط عن حرية الإنترنت وما يترتب عليه ذلك من عواقب معقدة أمر مثبط، على الأقل لأن الحاجة إلى أجندة فعالة للحرية على الإنترنت لم تكن قط أشد إلحاحًا منها الآن. وتشير التقديرات حاليا إلى أن نحو نصف مستخدمي الإنترنت حول العالم يتعرضون لرقابة الإنترنت بشكل أو بآخر. وتنوه منظمة “فريدوم هاوس” إلى تدهور في حرية الإنترنت العالمية على مدى السنوات الثلاث المتتالية التي أصدرت بشأنها تقارير، وينوه تقريرها الصادر في 2013 إلى أن حرية الإنترنت تراجعت في أكثر من نصف البلاد التي قامت بتقييمها والتي وصلت إلى ستين دولة.
كما أن المراقبة الواسعة، والتشريعات الجديدة التي تتحكم في محتوى الإنترنت، والقبض على مستخدمي الإنترنت، كلها أشياء آخذة في ازدياد. وعلى مدى سنة واحدة، قام نحو 24 بلدًا بسن قوانين أو لوائح تنظيمية تهدد حرية التعبير على الإنترنت.
وألقى فونتين نظرة سريعة على الاثني عشر شهرًا الماضية والتي تكشف عن اتجاه مقلق. ففي تركيا، وبعد أن قضت المحكمة العليا في البلد بإلغاء حظر مفروض على تويتر، بدأت الحكومة تطالب الشركة بالمسارعة إلى تنفيذ أوامر بحجب مستخدمين معينين. كما حجبت أنقرة يوتيوب بعد ظهور تسجيل سُجّل خلسة لوزير خارجية البلاد، كما ازدادت بشكل حاد طلبات الحذف التي تلقتها كل من تويتر وجوجل. وبدأت روسيا بشكل مباشر إخضاع الإنترنت للرقابة بوضع قائمة سوداء لمواقع الويب، وهذه القائمة في ازدياد، وصارت الرقابة الصينية على وسائل الإعلام الاجتماعي واسعة الانتشار إلى درجة أنها تشكل، وفقًا لإحدى الدراسات، “أكبر قمع انتقائي للتواصل البشري في تاريخ العالم”. كما بدأت الصين في مساعدة البلدان الأجنبية، ومن ضمنها إيران وزامبيا، في جهودها الرامية إلى إخضاع الإنترنت للرقابة والرصد. وسنت فيتنام قانونًا جديدًا يحظر توزيع أي محتوى رقمي يعارض الحكومة. وحجبت فنزويلا مواقع إنترنت معينة، وحدّت من إمكانية الاتصال بالإنترنت في أجزاء من البلد. وأكد الباحث أن هناك حاجة ماسّة إلى أجندة أمريكية قوية وفعالة لحرية الإنترنت في الوقت الذي تتعرض فيه هذه الأجندة ذاتها إلى أشد الهجوم.
إعادة تفعيل الأجندة
يقول ريتشارد فونتين: تبدأ إعادة تفعيل أجندة حرية الإنترنت بالاعتراف بضرورة أن تشجع الولايات المتحدة تلك الأجندة حتى مع مواصلتها الانخراط في المراقبة الإلكترونية التي تهدف إلى حماية الأمن القومي. وسيكون على الحكومة الأمريكية ببساطة أن تتحمل مقدارًا كبيرًا من النقد والمعارضة المتواصليْن. وينبغي عليها في الوقت ذاته أن تواصل التمييز بوضوح بين المراقبة لأغراض الأمن القومي (وهو ما تمارسه كل الحكومات) والمراقبة كوسيلة من وسائل القمع السياسي (وهو ما تعارضه الدول الديمقراطية). ومع مواصلة الولايات المتحدة جهودها الكبيرة سالفة الذكر الرامية إلى تعزيز أجندة حرية الإنترنت، هناك خطوات إضافية ينبغي عليها اتخاذها لإعادة تركيز هذا المجهود وإعادة تفعيله، وهذه الخطوات، بحسب ريتشارد فونتين، هي كالتالي:
– دعوة الحكومات الأجنبية إلى اعتناق مبادئ المراقبة. في حين أنه يكاد يكون من غير المتصور إبرام اتفاقية دولية تنظم التجسس الإلكتروني، فإن المبادئ التي وضعها بالفعل مسئولو الحكومة الأمريكية تمثل محاولة مهمة للتمييز بين المراقبة الأمريكية والجهود التي تبذلها الحكومات القمعية. وبالنظر إلى برامج المراقبة الفعلية التي تنفذها الحكومات الديمقراطية والأوتوقراطية على السواء، ينبغي أن تدعو الولايات المتحدة الحكومات الأخرى إلى اعتناق مبادئ مماثلة، أو بيان الأسباب التي تمنعها من ذلك.
– ضمان أن تُجري الحكومة الأمريكية تحليلًا شاملًا للتكاليف والمنافع المترتبة على قرارات المراقبة. من الواضح الآن أن القرارات التي تتخذ في الدوائر الاستخباراتية بشأن المراقبة يمكن أن تكون لها تداعيات عميقة على أجندة حرية الإنترنت على النحو الذي تنفذه الوكالات الأخرى. وينبغي أن يضمن المسئولون الحكوميون أن تؤخذ كل التكاليف، بما في ذلك التكاليف المترتبة في حالة اكتشاف الجهود السرية، بعين الاعتبار عند اتخاذ قرارات بشأن المراقبة، مع الحصول على رؤية كل أصحاب المصلحة ذوي العلاقة. ونظرًا للصلات القائمة بين المراقبة وحرية الإنترنت، يقتضي الأمر عملية تداول موحدة بدرجة أكبر فيما بين الوكالات.
– زيادة شفافية الطلبات الحكومية الأمريكية للحصول على البيانات. أكد فونتين ضرورة أن توفر الولايات المتحدة المزيد من المعلومات التي يستطيع الجمهور الاطلاع عليها بشأن طلباتها الحصول على بيانات المستخدمين، سواء عبر طلبات مقدمة إلى شركات أمريكية أو متعددة الجنسيات، أو في الخارج من خلال معاهدات المساعدة القانونية المتبادلة. فقد يساعد إتاحة المزيد من المعلومات الدقيقة عن النطاق الحقيقي للبيانات التي تطلبها الحكومة الأمريكية على تقليص درجة الارتياب السياسي السائد حاليًّا.
– السعي إلى تحقيق شفافية الشركات. الجانب الآخر لتوخي الحكومة الأمريكية مزيدًا من الشفافية، بحسب الباحث، هو قيام الشركات التي تتلقى طلبات حكومية للحصول على البيانات بتوفير مزيد من البيانات حول هذا الموضوع. ويمكن أن تكون تقارير الشفافية التي تقدمها الشركات من أمثال فيسبوك وفيريزون وكومكاست وجوجل وميكروسوفت وفودافون بشكل طوعي الآن حول نطاق مطالب الحكومة بالحصول على بيانات المستخدمين بمثابة نموذج يحتذى للشركات الأخرى. وفي ظل سعي الشركات إلى المزيد من الشفافية من جانب الحكومات، ينبغي أن تتوخى هي أيضًا هذه الشفافية، بما في ذلك توفير معلومات حول مبيعاتها للبلدان القمعية من المنتجات والخدمات ذات الصلة بالإنترنت.
– بيان الصلة بين حرية الإنترنت والازدهار الاقتصادي. يرى فونتين أن التجارة على الإنترنت تتطلب مستوى من الأمن وحرية تدفق المعلومات على الإنترنت كي تعمل بشكل سليم. وينبغي أن يضمّن المسئولون الأمريكيون الحجة الاقتصادية في مطالباتهم بالمزيد من حرية الإنترنت، وينبغي أن يقدموا شواهد على أن قمع الإنترنت تترتب عليه تكاليف اقتصادية.
– توظيف الاتفاقات التجارية. تمثل الشراكة عبر المحيط الهادئ وشراكة التجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي فرصتيْن كبيرتيْن لتعزيز أجندة حرية الإنترنت. وسوف يسعى بعض شركاء الولايات المتحدة في المفاوضات إلى استخدام هواجس الخصوصية لمنع وصول شركات التكنولوجيا الأمريكية إلى الأسواق الأجنبية. وينبغي أن تقاوم الولايات المتحدة مثل هذه التحركات، وتصر على نصوص تضمن التدفق الحر للمعلومات على الإنترنت عبر الحدود.
استخدام الدبلوماسية العامة
على الرغم من أن آخر شيء يرغب واضعو السياسات الأمريكيون في فعله في أعقاب فضيحة سنودن ربما يكون مناقشة حرية الإنترنت أمام الجماهير الأجنبية، فقد يدهشهم تجاوب هذه الجماهير مع الرسالة، إن لم يكن تجاوبهم مع حاملها. ونذكر على سبيل المثال أن استطلاع رأي أُجري مؤخرًا كشف عن معارضة واسعة الانتشار للرقابة على الإنترنت في البلدان النامية، حيث قالت الأغلبيات من بين السواد الأعظم ممن شملههم الاستطلاع إن من المهم أن يصل الناس إلى الإنترنت دون رقابة حكومية. وينبغي على المسئولين الحكوميين والموظفين الدبلوماسيين في الخارج أن ينخرطوا في دبلوماسية عامة من أجل المساعدة على زيادة الجماهير التي تتفهم أهمية وجود إنترنت حر.
واعتبر الباحث مؤتمر المفوضين للاتحاد الدولي للاتصالات، المقرر انعقاده في خريف 2014 في مدينة بوسان الكورية الجنوبية، لحظة مهمة في الكفاح من أجل حرية الإنترنت. ففي هذا الاجتماع ستتنازع دول العالم الديمقراطية والأوتوقراطية من جديد بشأن مَن يسيطر على حيز الإنترنت، إن كان ينبغي أن يكون هناك أحد يسيطر عليه. وسوف تنادي الصين وروسيا وإيران وأخريات بـ”سيادة الإنترنت”، مدعياتٍ حق الحكومات في تقرير محتوى تدفقات الإنترنت داخل أراضيها. وربما تنقسم الدول الديمقراطية في هذا الشأن، فما زال غير واضح ما إذا كانت بلدان مثل البرازيل وألمانيا ستعتنق الوضع الراهن لحوكمة الإنترنت، أم أنها ستنحاز إلى الدول المعارضة للمواقف الأمريكية.
ورأى الباحث أن اللحظة الحالية حاسمة الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة لكي تعيد تفعيل نهجها في حرية الإنترنت. ومثلما قال رائد الأعمال التكنولوجية مارك أندريسين مؤخرًا، نظرًا لفقدان الثقة في الولايات المتحدة في أعقاب إفصاحات سنودن، يظل هناك سؤال مفتوح حول ما إذا كانت الإنترنت سيعمل في غضون خمس سنوات من الآن مثلما يعمل الآن أم لا. وربما يتبين أن هذه الشواغل مبالغ فيها، والكلام للباحث، لكن في ظل وجود مستقبل على المحك لحرية الإنترنت في القرارات التي تتخذها الحكومات والشركات والأفراد اليوم، من الحيوي بالنسبة للولايات المتحدة، على الرغم من كل تعقيدات السنة الماضية وصعوباتها، أن تتولى زمام القيادة من جديد في الدفاع عنحرية الإنترنت.
ريتشارد فونتين
عرض: طارق راشد عليان – باحث علوم سياسية
نقلا عن المركز لااقليمي للدراسات الاستراتيجية