حزب الله يفخّخ مسار التحقيق في انفجار بيروت

حزب الله يفخّخ مسار التحقيق في انفجار بيروت

سدّد البرلمان اللبناني برفضه رفع الحصانة عن نواب تمهيدا لاستجوابهم في قضية انفجار مرفأ بيروت، والذي سبقه بساعات قليلة قرار آخر صدر عن وزير الداخلية يرفض فيه استجواب المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ضربة جديدة لمسار التحقيق في الانفجار المروّع وسط حالة من الصدمة والغضب في صفوف أهالي الضحايا.

بيروت – رفض البرلمان اللبناني طلب المدعي العام في قضية انفجار مرفأ بيروت، رفع الحصانة عن نواب للمثول أمامه واستجوابهم، بداعي أن الأدلة غير كافية، في خطوة كانت متوقعة بالنسبة إلى الكثيرين.

ويشكّل قرار البرلمان ضربة جديدة لمسار التحقيق، وسط مخاوف لدى أهالي الضحايا من مواجهة القاضي طارق بيطار لمصير سلفه القاضي فادي صوان.

ويأتي قرار البرلمان بعد ساعات من تراجع وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية محمد فهمي، عن موقفه بإعطاء الإذن لملاحقة المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم في القضية، ما يعكس وجود ضغوط مورست على الوزير.

وترى أوساط سياسية أن موقف الكتل النيابية ووزير الداخلية لم يكن مستغربا بعد الحملة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله هذا الأسبوع ضد القاضي طارق بيطار، وإيحائه بوجود غايات سياسية خلف قرارات رفع الحصانة والاستجوابات التي طالت عددا من المسؤولين الأمنيين والسياسيين.

وعقدت هيئة مكتب مجلس النواب ولجنة الإدارة والعدل الجمعة، اجتماعا لدراسة طلب رفع الحصانة في تفجير المرفأ، وحضر إلى عين التينة أعضاء اللجنة ومنهم المطلوب رفع الحصانة عنهم وهم كل من علي حسن خليل وغازي زعيتر إضافة إلى النائب نهاد المشنوق.

وصوّت معظم ممثلي الكتل النيابية على رفض رفع الحصانة، إلى حين الاستظهار بأدلة كافية تثبت الشبهات. وكان “تكتل الجمهورية القوية” الكتلة الوحيدة التي عارضت قرار التأجيل. وقال العضو في التكتل النائب جورج عدوان “نحن كتكتل منحنا إذنا بإعطاء توصية للمحقق العدلي القاضي طارق بيطار”.

وأضاف “لكن اتُخذ قرار بتوجه آخر، ونحن سنكمل بكل هذه المرحلة وسنسير بنفس الاتجاه انطلاقا من قناعاتنا دستوريا وقانونيا وكل ما يحيط بهذه الأمور للوصول إلى الحقيقة”.

أنطوان حبشي: المسؤولون يلعبون لعبة الوقت لقطع الطريق على أي محاسبة

وأثار موقف البرلمان غضب أهالي الضحايا الذين تجمهروا أمام مبنى البرلمان، حاملين لافتات تطالب بتحقيق العدالة إنصافا لأرواح ذويهم وكشفِ المسؤولين عن الانفجار ومحاسبتهم، إضافة إلى صور للنائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، وأقدموا على قطع الطريق في محيط المنطقة.

وسجل خلال التحرّك تدافع بين القوى الأمنية المكلفة بحماية مقر مجلس النواب والأهالي بعد محاولتهم الدخول إلى حرم مقر الرئاسة الثانية.

وكان الأهالي أصدروا بيانا تحذيريا في وقت سابق على إثر رفض وزير الداخلية والبلديات طلبا تقدم به القاضي طارق بيطار، لاستجواب مدير الأمن العام.

وهدّد الأهالي باقتحام بيوت “كل من يختبئ تحت غطاء الحصانة، ويرفض طلب الاستجواب أو غيره عبر التلاعب على القانون” وجلبهم للتحقيق بالقوة.

وجدير بالذكر أن الوزير محمد فهمي علّق قبل نحو أسبوع على طلب المحقق العدلي، بالتأكيد على أن “الطريقة (التي اعتمدها بيطار) قانونية 100 في المئة، وأن الجميع سيطبق القانون”، ما يشي بأن الرجل تعرض لضغوط شديدة لتغيير موقفه.

ويرى أهالي الضحايا أن ما حصل من تأجيل لرفع الحصانة عن النواب الملاحقين ورفض استجواب اللواء عباس إبراهيم هو مؤشر سلبي يفضح تمشيا لإعاقة عمل القاضي بيطار، وسط مخاوف من تعرضه لذات مصير القاضي فادي صوان، حينما طلب استجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين، فكان أن تمت تنحيته عن القضية بعد حملة سياسية كبيرة شنت ضده.

ووجه القاضي بيطار الاثنين الماضي طلبات برفع الحصانة من قبل البرلمان عن النواب علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق، والأذونات من نقابة المحامين في طرابلس في حق المحامي يوسف فنيانوس ونقابة المحامين في بيروت في حق خليل وزعيتر، ورئيس مجلس الوزراء لجهة المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، ووزير الداخلية لجهة المدير العام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، كل على مرجعه المختص.

وتسعى التحقيقات للكشف عن ملابسات حادث الانفجار المدمر الذي وقع في الرابع من أغسطس الماضي وأودى بحياة أكثر من 200 شخص، فضلا عما خلفه من دمار كبير طال البنية التحتية لبيروت، وتشريد الآلاف من العائلات.

ويرى مراقبون أن التطورات المستجدة لا تبشر بأي انفراجة في هذا الملف، حيث أن بعض القوى المسيطرة على المشهد على غرار حزب الله تسعى بالواضح لطمس الحقائق خشية ما يمكن أن تسفر عنه التحقيقات.

وكان الأمين العام لحزب الله بادر في آخر إطلالة له قبل أيام إلى فتح جبهة ضد القاضي بيطار، مشككا في دوافع قراراته. وأبدى نصرالله استغرابه من تبلّغ المدعى عليهم بقرار الادعاء من خلال تسريبات وأخبار في وسائل الإعلام. واعتبر أنّ هذا الأمر “شكل من أشكال التوظيف السياسي للقضية، وسابقا رفضنا هذا الموضوع ونعود لنؤكد رفضنا له”.

وفيما بدا محاولة للضغط على القاضي بيطار قال نصرالله “سأترك التعليق لوقت آخر حتى تصل الإخبارات القضائية الحقيقية، لنرى صحة ما تم تداوله وتسريبه في وسائل الإعلام، أو أنه على الأقلّ يضع مهلة لدراسة القرار بعد توضيحه بشكل رسمي”.

وكانت إطلالة نصرالله في 16 فبراير الماضي حاسمة بالنسبة إلى مسار التحقيق في فترة فادي صوان، حينما قال ردا على إدعائه على دياب والوزراء الثلاثة، إن “على المحقق العدلي تصحيح مسار عمله في التحقيق، وقضية بهذا الحجم لا يجب أن تعمل عليها وفقا لقاعدة 6 و6”. واعتبر حينها أن طريقة صّوان “فيها ارتياب”.

ولم يمر يومان على تلك الإطلالة حتى تم إعفاء القاضي فادي صوان، وسط ترجيحات بأن يتكرر السيناريو ذاته مع القاضي بيطار، وإن كانت هذه الخطوة لن تمر بسهولة كسابقتها في ظل إصرار أهالي الضحايا والمجتمع المدني على دعم الأخير وعدم القبول مجددا بالمساس بمسار التحقيق.

ودعا النائب أنطوان حبشي الشعب اللبناني إلى أن يواكب مصيره لأن المسؤولين عن التفجير يلعبون لعبة الوقت لقطع الطريق على أي محاسبة.

العرب