انتهت الجولة السادسة من تصفيات مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران وواشنطن، التي يقودها فريق من خمسة محكمين دوليين (الترويكا الأوروبية وروسيا والصين)، وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو حكم الساحة، أن النتيجة انتهت إلى عدم الحسم، ولا بد للفريقين أن يلعبا جولة سابعة على أمل أن تكون الحاسمة بينهما، وأن تنتهي إلى التعادل في النقاط من دون أن يكون فيها خسارة لأي طرف، ولا ربحاً واضحاً.
الفريق الإيراني بقيادة كبير المفاوضين عباس عراقجي أكد أن كرة الجولة الحاسمة في ملعب الفريق الأميركي، الذي تدعمه الترويكا الأوروبية، التي يفترض أن تكون جزءاً من فريق المحكمين. وقال إن إيران “قامت بما يجب عليها في مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي، والآن جاء الدور على أميركا والدول الأوروبية للعودة إلى تنفيذ الاتفاق ورفع جميع العقوبات التي فرضتها واشنطن”.
الموقف التصعيدي الإيراني جاء بعد أجواء إيجابية تحدث عنها عراقجي من فيينا، في كشفه عن الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة للإعلان عن إعادة إحياء الاتفاق النووي، وذلك قبل عودته إلى غرفة الاستراحة في طهران لمناقشة خطة الجولة المقبلة مع المدرب الذي يمسك بخيوط اللعبة واستراتيجية القرار النهائي وتوزيع الأدوار والمواقف.
لكن سرعان ما جاء الرد من الفريق الأميركي الخصم، وعلى لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي يشكل رأس الهجوم بتأكيده أن “الكرة في الملعب الإيراني”، ثم سانده روبرت مالي، قلب الدفاع مسؤول الملف الإيراني في إدارة الرئيس جو بايدن، الذي وضع على طاولة المفاوضات معادلة قاسية أمام الخصم الإيراني “إما كل شيء وإما لا شيء”. وهي معادلة يعني بها مالي أنه إذا كانت طهران تريد الحصول على قرار يرفع جميع العقوبات التي سبق أن فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب، فعليها أن توافق على فتح الحوار والتفاوض حول برنامجها الصاروخي والنفوذ الإقليمي، وإذا ما رفضت ذلك، فإنها لن تحصل على أي شيء، لا رفع كامل العقوبات ولا حتى الجزء الكبير الذي سبق أن تم التوصل إلى تفاهم حوله في الجولة السادسة من مفاوضات فيينا، وعبر عنه عراقجي بالاتفاق على رفع نحو 1040 قرار عقوبات تتعلق بالملف النووي، بما فيها العقوبات المفروضة على المرشد الأعلى وعدد من الشخصيات السياسية والعاملة في مكتبه، واستثناء العقوبات المتعلقة بموضوع حقوق الإنسان ودعم الإرهاب.
تقاذف الكرة بين الخصمين، واشنطن وطهران، لم تفلح معه تدخلات “حكام الخط” روسيا والصين، أو “الحكام المساعدين” الترويكا الأوروبية في تليين المواقف بين الطرفين، ما جعل كرة الجولة السابعة من المفاوضات تقف عند نقطة الوسط في ملعب التفاوض، بانتظار أن يستطيع أحد الخصمين تحريكها إلى أرض الفريق الآخر وإجباره على الدفاع أو الهجوم، مع الاتفاق الضمني والتواطؤ بينهما على إبقاء اللعب في الوسط، بانتظار أن يعلن رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي، حكم الساحة، انتهاء الجولة بالتعادل بينهما، بخاصة إذا استطاع مساعده تحقيق خرق لدى الجانب الإيراني خلال زيارته المرتقبة إلى طهران لبحث موضوع التعاون في عمليات التفتيش التي يقوم بها مفتشو الوكالة الدولية، وأزمة الاطلاع على محتويات تسجيلات كاميرات المراقبة التي تحتفظ بها طهران وتهدد بإتلافها بعد انتهاء مهلة الأشهر الثلاثة، على الرغم من تمديدها لشهر آخر وعدم إعلان ذلك نتيجة لعدم وصول المفاوضات إلى النتائج التي تريدها.
يبدو أن المؤشرات من الطرفين أو الخصمين تحمل على الاعتقاد بأن كرة الجولة السابعة للمفاوضات ستبقى في نقطة الوسط لمدة لن تكون قصيرة، خصوصاً في ظل حالة الترقب التي تسيطر على الأجواء بينهما، إن كان في الملف النووي أو في التصعيد الذي تشهده بعض الساحات الإقليمية، بخاصة التصعيد الذي بدأ بالتزايد على الجبهة اليمنية، وما تشهده الساحة العراقية من تطورات غير إيجابية.
عودة الحوار بالنار بين الطرفين، إن لم يهدد أساس التفاوض، فإنه على الأرجح سيعقد المسار ويؤجل التفاهم، على الأقل إلى حين جلاء الموقف الإيراني بعد انتقال السلطة عملياً إلى الرئيس الجديد. وهو تأجيل قد تفرضه آليات تكتيكية، لجهة أن الآليات الاستراتيجية في التفاوض تجري مباشرة بين البيت الأبيض والقيادة العليا الإيرانية، سواء مع المرشد الأعلى أو الجهة التي تتولى ترجمة الرؤية الاستراتيجية للنظام، ولا علاقة للحكومة الإيرانية بها مباشرة سوى دورها كوسيط بين الطرفين.
تطورات ميدانية
ويترافق الغموض الذي يلف موعد الجولة السابعة للمفاوضات مع تصعيد أمني سواء بين واشنطن وطهران على الساحة العراقية من جهة، أو بين طهران وتل أبيب من جهة ثانية. فالاعتداء الذي تعرضت له السفارة الأميركية في بغداد بطائرات مسيرة، في 5 يوليو (تموز) الحالي، يأتي من خارج سياق التوتر الذي حصل قبل أسبوع بعد الغارة الأميركية على قواعد لـ”كتائب سيد الشهداء” على الحدود العراقية السورية في منطقة القائم بأوامر مباشرة من الرئيس جو بايدن، واتهامها بأنها تعمل لصالح إيران. وهو اعتداء لم يتأخر الرد عليه، إذ تعرضت القاعدة الأميركية في حقل العمر النفطي السوري لاعتداء من هذه الفصائل، بالتزامن مع تأكيد طهران على لسان أكثر من مسؤول في الحكومة والخارجية عن رفضها هذا التصعيد ورفض الاتهامات الأميركية.
هذه الاعتداءات تزامنت مع تطور خطير شهدته منطقة كرج، 40 كيلومتراً غرب طهران، تمثل في اعتداء ضد إحدى المنشآت الفرعية للبرنامج النووي عبر طائرة مسيرة، واتهام إسرائيل بالوقوف وراء هذه العملية. ولم يتأخر الرد الإيراني على ذلك بتعرض باخرة نقل تجاري إسرائيلية في مياه المحيط الهندي لاعتداء بقوارب مسيرة، وهو تطور يأتي في ظل عودة اللهجة التصعيدية الإسرائيلية ضد إيران، خصوصاً بعد الجولة التي قام بها الرئيس الإسرائيلي إلى واشنطن وألمانيا.
هذه الأحداث وما تشكله من إحراج وإرباك للفريق الإيراني، ترى فيها طهران مساعي أميركية لممارسة الضغط عليها وإجبارها على تقديم تنازلات في الموضوعين الصاروخي والإقليمي. وأن القبول بمبدأ الربط بين الملف النووي وهذين الملفين بالنسبة إلى طهران يشكل تنازلاً قد يكون من الصعب استيعابه، بخاصة أنها لا تزال بعيدة عن تفاصيل ما جرى في القمة التي جرت بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في 16 يونيو (حزيران) الماضي في فيينا، وما يمكن أن تحمله من مفاجآت تتعلق بالدور الإيراني في الساحة السورية تحديداً.
حسن فحص
اندبندت عربي