انتهى الاجتماع السادس من محادثات فيينا النووية قبل حوالي ثلاثة أسابيع، من دون تحديد موعد للاجتماع المقبل، وقد عقد بحضور إيران وممثلين عن روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، وبمشاركة أميركية غير مباشرة. عقب الاجتماع، حاول الجانب الإيراني أن يظهر تفاؤلا عكسه قول رئيس وفد التفاوض، عباس عرقجي، إن وفده أحرز تقدّما نسبيا، وإن قضايا خلافية كثيرة قد تم حلها، وبقي قليل منها عالقا ينبغي معالجته. ولكن عرقجي غيّر لهجته في التصريح نفسه، فاعترف بأن الطريق المتبقي لن يكون سهلا! وجاء تصريح مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سولفيان، ليزيل هذا التناقض، حين قال بعبارة صريحة إن المسافة كبيرة بين الأطراف وبشأن قضايا رئيسية وجوهرية في الاتفاق. غيمة كبيرة تسد أفق المحادثات، ولا يوجد موعد جديد لمحادثات جديدة، وقد قال عرقجي إن الجولة السابعة إذا عقدت لن تكون الأخيرة. إذا وضعنا المتغير الجديد، وهو وجود الرئيس الإيراني المتشدّد الجديد، إبراهيم رئيسي، الذي سيتسلم منصبه في الثالث من الشهر المقبل (أغسطس/ آب)، عندها يمكن التنبؤ بأن وضع هذه المفاوضات سيكون صعبا.
كان الرئيس الأميركي، جو بايدن، راغبا في إعادة الحياة إلى الاتفاقية التي انسحب منها سلفه ترامب الذي طبق عقوبات قاسية على إيران، وتركها تعاني اقتصاديا، وراغبا في إدخال تعديلات على الاتفاقية بشأن الصواريخ البالستية، وكانت في يده ورقة ضغط إضافية، منحه إياها ترامب ذاته، بغير قصد، وهي العقوبات الجديدة. صار الهمّ الإيراني منصبّا نحو إزالة العقوبات بشكل كامل، خصوصا التي فرضها ترامب، وهي الأقسى والأشد ضررا، فيما رغب بايدن في إزالة بعضها ومراقبة السلوك الإيراني، فيما يخص النشاط النووي والصاروخي، تمهيدا لإزالة بعضها الآخر. بدأت المفاوضات بطيئةً، وما لبثت أن اكتسبت زخما أوصلها إلى الجولة السادسة من دون تحقيق ما كان يجب تحقيقه. وقد مضت الآن ستة أشهر على احتلال بايدن مقعده في البيت الأبيض. ويبدو أنه قد بدأ يفقد صبره نحو تلك المفاوضات، وليست لديه نية في إبقاء النافذة مفتوحة، وهو ما عكسته تصريحات البيت الأبيض، فلدى بايدن أجندة أكثر أهمية، وهي الشأن الداخلي الأميركي وتطوراته، بعد أن دخل عامل كورونا مثبطا للسياسة في العالم.
قد يرغب إبراهيم رئيسي في تمثيل دوره المتشدد على أكمل وجه، وإظهار التزمّت في إدارة مفاوضات الجولة المقبلة. وقد تتضح لنا الطريقة التي ستذهب بها إيران إلى مفاوضات الجولة الجديدة، من خلال ما أفادت به الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوم الثلاثاء، بأن إيران اتخذت خطواتٍ لصنع صفائح وقود معدنية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20٪. الأمر الذي يتجاوز الاتفاق الموقع في العام 2015، وتعدّ هذه الخطوة إحدى المراحل المهمة لإيران في طريق حيازة القنبلة النووية، ما يعني أن الخيار النووي الإيراني يبدو نهائيا، وتبدو طهران أنها تخطط لمفاوضات لا نهائية، يمكن أن تستمر سنوات، فيما تتابع بهدوء برنامجها، وصولا إلى نقطة الحصول على السلاح الذري.
ما زالت إيران تعيش أوقاتا اقتصادية حرجة، فهي قد توقفت عن تزويد العراق بالكهرباء، ما تسبب في موجة غضب جماهيرية عراقية جديدة، وحجتها هذه المرة أن العراق لا يدفع ما عليه من مستحقات. ولكن واقع الحال يقول إن وضع الكهرباء في الداخل الإيراني يعاني الأمرّين، وقد لا يكون قادرا عمليا على تصدير الكهرباء وهي بحاجة لها داخليا، لتسكين أوضاع الشارع الذي يغلي بالغضب. وفي الوقت نفسه، تعبث إيران بالسياسة وتستهين بمستقبل المنطقة كلها، بإصرارها على المضي في برنامجها النووي، على الرغم مما تعانيه وما قد يفرض عليها، سواء من الولايات المتحدة أو من إسرائيل، حيث هناك رئيس حكومة جديد متشدّد ومتربص وينتظر فرصة لتثبيت كرسيه.
فاطمة حسين
العربي الجديد