الولايات المتحدة تترك أفغانستان لمصيرها: أي سيناريوهات

الولايات المتحدة تترك أفغانستان لمصيرها: أي سيناريوهات

يترك الانسحاب الكلي للقوات الأميركية والأجنبية بحلول 11 سبتمبر أفغانستان أمام المجهول حيث تحوم سيناريوهات عدة بشأن مصير البلد الذي مزقته الحرب من سيطرة طالبان على الحكم وفرض شريعتها الإسلامية إلى حرب أهلية وكلا السيناريوهين لا يحققان المساعي الأميركية لإنهاء الحرب.

كابول- سلّم الجنرال أوستن ميلر قائد القوات الأميركية في أفغانستان الاثنين مهامه، في خطوة رمزية لانتهاء أطول حروب الولايات المتحدة وذلك رغم اكتساب مقاتلي حركة طالبان قوة دفع بفعل الانسحاب الأميركي.

وأصبح ميلر آخر ضابط أميركي برتبة جنرال فئة أربع نجوم على الأرض في أفغانستان وذلك قبل النهاية الرسمية للمهمة العسكرية في 31 أغسطس المقبل وهو الموعد الذي حدده الرئيس جو بايدن في إطار السعي لانتشال الولايات المتحدة من الحرب الدائرة منذ نحو 20 عاما.

وباتت الولايات المتحدة على وشك سحب آخر جنودها من أفغانستان وإنهاء حرب استمرت عشرين عاما كانت أطلقت بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001.

والعمليات الأميركية كانت محصورة أساسا بالحد الأدنى منذ توقيع اتفاق مع طالبان في فبراير 2020 ينص على رحيلهم مقابل بدء مفاوضات سلام بين الحركة والحكومة، وهي محادثات لا تزال في طريق مسدود. وعند مغادرتهم بشكل نهائي، سيبقي الأميركيون فقط بعض الجنود في المكان لحماية سفارتهم.

وإذا كان هذا الانسحاب الذي يفترض أن يُنجز بحلول 11سبتمبر، سينهي أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة، فإن النزاع سيتواصل على الأرض الأفغانية. ولا شيء يوحي بنهايته قريبا.

يبدو أن حركة طالبان تراهن على انتصار عسكري يتيح لها الإطاحة بالرئيس أشرف غني

ويبدو أن حركة طالبان تراهن على انتصار عسكري يتيح لها الإطاحة بالرئيس أشرف غني. وقد سيطرت في الآونة الأخيرة على العشرات من المناطق الإضافية خصوصا في الأرياف، لكن الجيش الأفغاني لا يزال يسيطر على المدن الكبرى.

والاثنين، حاصر مقاتلو طالبان مدينة غزنة بوسط أفغانستان واستولوا على منازل مدنيين لاستخدامها في قتال قوات الأمن، لتكون المدينة بذلك أحدث مركز حضري يتعرض لتهديدات المتشددين بعد مدينة قندهار المعقل التاريخي للحركة المتمردة.

والهجوم هو الأحدث على عاصمة إقليمية إذ تسعى طالبان لتطويق المدن والاستيلاء على الأراضي وشجعها في ذلك رحيل القوات الأجنبية.

وقال حسن رضائي عضو مجلس إقليم غزنة “الوضع في مدينة غزنة حرج للغاية.. تستخدم طالبان منازل المدنيين كمخابئ وتطلق النار على قوات الأمن الأفغانية”.

وقال سكان إن الاشتباكات بين الطرفين مستمرة أيضا في إقليم قندهار بجنوب البلاد الذي كان لطالبان فيه عادة وجود قوي. وتقع غزنة على الطريق الرئيسي بين كابول ومدينة قندهار.

وقال حميدزي لالي، وهو عضو سابق في البرلمان ويقاتل حركة طالبان في قندهار مع مسلحين، “يهاجم مسلحون من طالبان منذ أربعة أيام.. مدينة قندهار من اتجاه الغرب”.

وأضاف “تقاتل قوات الأمن الأفغانية، بما في ذلك القوات الخاصة، طالبان وتحاول دفعهم للتراجع”. ولم تتمكن طالبان حتى الآن من السيطرة على عواصم إقليمية لكن هجماتها في أنحاء البلاد تمثل ضغطا على قوات الأمن.

وقال الخبير الأمني الأفغاني باري آريز “في الوقت الراهن ستتكثف المعارك، وستواجه القوات الأفغانية صعوبات في تصديها عسكريا لوحدها”. وبحسب تحاليل صدرت مؤخرا من أجهزة الاستخبارات الأميركية فإن طالبان يمكن أن تسيطر على البلاد في الأشهر الستة إلى 12 بعد الانسحاب.

وتؤكد كل من حركة طالبان والحكومة يوميا أنها ألحقت خسائر فادحة بالآخر، لكن من المتعذر التحقق من تأكيداتها بشكل مستقل. لكن حملة اغتيالات محددة الأهداف ضد شخصيات من المجتمع المدني الأفغاني، تراجعت كثافتها في الأسابيع الماضية.

الولايات المتحدة باتت على وشك سحب آخر جنودها من أفغانستان وإنهاء حرب استمرت عشرين عاما

ولطالما كان سلاح الجو الأميركي عاملا حاسما في النزاع حتى الآن عبر تقديم دعم حيوي للقوات الحكومية حين كانت تواجه مخاطر. وفي دليل على القلق السائد، أطلقت الحكومة نداء لتعبئة ميليشيات لمحاربة طالبان، فيما يتخوف بعض المحللين من أن يؤدي ذلك إلى تأجيج الوضع بشكل إضافي.

وقال خبير أمني أجنبي “يجب تنفيذ هذه الاستراتيجية بشكل جيد وأن تنظم ويجري التحكم بها بشكل جيد وإلا فإنها قد تأتي بنتائج عكسية”. ومع العودة التدريجية لأمراء الحرب السابقين إلى الساحة، فإن الخطر كبير بأن تغرق البلاد في حرب أهلية وأن تظهر فصائل جديدة مسلحة للاستيلاء على السلطة.

ويرغب الرئيس الأفغاني في وقف لإطلاق النار مع طالبان بهدف تنظيم انتخابات تنبثق عنها “حكومة سلام”. ورفض الدعوات لتشكيل حكومة انتقالية غير منتخبة تشمل طالبان.

لكن الولايات المتحدة تؤيد مثل حكومة الوحدة هذه وتضغط لكي تتوصل حركة طالبان والحكومة إلى اتفاق في الدوحة حيث لا تزال المفاوضات التي بدأت في سبتمبر، في طريق مسدود.

ورغم أنها لم تعط توضيحات حول نواياها، إلا أن حركة طالبان تعتزم أن تقيم مجددا “إمارة إسلامية” تحفظ حقوق المواطنين بموجب “الشريعة الإسلامية”.

وجرت أربعة انتخابات رئاسية في أفغانستان منذ الإطاحة بنظام طالبان في 2001 واعتمد الملايين من الأفغان هذا النظام الديمقراطي والتعددي رغم أن عمليات الاقتراع غالبا ما تشوبها أعمال تزوير. ومع العودة الوشيكة كما يبدو لطالبان إلى السلطة، يتخوف المراقبون من تراجع المسار الديمقراطي.

وقال المحلل السياسي راميش صالحي “في الوقت الراهن، تبدو حركة طالبان على قناعة بأنه يمكنها تولي السلطة بالقوة”. وأضاف “هذه معركة ستحدد ما إذا كانت الديمقراطية تنتصر على القوى الأيديولوجية”.

أجهزة الاستخبارات الأميركية تقول إن طالبان يمكن أن تسيطر على البلاد في الأشهر الستة إلى 12 بعد الانسحاب

وأفغانستان واحدة من أفقر دول العالم. هي مديونة بشدة وتعتمد على المساعدات الخارجية. ورغم امتلاكها احتياطيات معدنية كبيرة يرغب جيرانها مثل الصين أو الهند في الاستفادة منها، إلا أن الوضع الأمني لم يتح أبدا تطوير نشاط التعدين بشكل كاف.

ويأتي قسم كبير من الثروة الوطنية من تهريب المخدرات وخاصة الهيرويين الذي تعد أفغانستان إلى حد بعيد أكبر منتج له في العالم.

وفي نوفمبر، قطع المانحون الدوليون تعهدات حتى عام 2024، لكن أفغانستان تخشى أن يستغلوا رحيل القوات الأجنبية للتراجع عن وعودهم. ويقول صالحي إن “الاقتصاد يشهد أساسا تراجعا كبيرا، ومعدل البطالة الكارثي أساسا، سينفجر”.

العرب