العودة إلى المقبرة: ما مصير الأفغان المبعدين من باكستان

العودة إلى المقبرة: ما مصير الأفغان المبعدين من باكستان

قرار باكستان بترحيل 1.7 مليون أفغاني بسبب مخاوف أمنية وخاصة بسبب الأعباء، أثار الرعب لدى الآلاف ممن غادروا أفغانستان بسبب خلافهم مع طالبان، وخاصة من الأقلية العرقية الهزارة، ومن النساء، ومن الفئات التي تعارض تشدد طالبان مثل الأكاديميين والصحافيين.

كراتشي (باكستان)- يشعر الأفغان المجبرون على العودة من باكستان إلى بلادهم بمخاوف كبيرة على حياتهم من حركة طالبان، وفي نفس الوقت من الجوع الذي يعودون إليه مجددا.

وفر صادق، وهو من الهزارة، الأقلية العرقية التي تطاردها طالبان، من أفغانستان العام الماضي بعد تعرضه لهجوم من أعضاء في طالبان. ويواجه الشاب البالغ من العمر 25 عاما خطر الطرد من باكستان الآن. ويخشى أن تكون عودته إلى وطنه حكما بالإعدام عليه.

وقال “سيكون الذهاب إلى كابول مثل العودة إلى مقبرة”. وسرد كيف اقتحمت حركة طالبان منزله في العاصمة الأفغانية واختطفته لمعرفة مكان وجود أفراد آخرين من العائلة كانوا يعملون في الحكومة السابقة.

وقال “أخشى أن يقتلوني هذه المرة بسبب هروبي. إن أعينهم تتابعني”.

وأمرت باكستان في وقت سابق من هذا الشهر جميع المهاجرين غير الشرعيين، بما في ذلك 1.7 مليون مواطن أفغاني، بمغادرة البلاد بحلول الأول من نوفمبر أو ترحيلهم.

وتحدّث صادق الذي يعيش في مدينة كراتشي بجنوب غرب البلاد مع عائلته لمؤسسة تومسون رويترز بشرط ذكر اسمه الأول فقط لحماية هويته. وقال إنه لم يستعد للمغادرة لأنه لا يرى أي مستقبل في أفغانستان.

وتمثل خطة الطرد تراجعا جديدا في علاقات باكستان مع كابول. وجاء الإعلان عنها بعد اشتباكات حدودية بين الجارتين الواقعتين في جنوب آسيا في سبتمبر.

وقالت إسلام أباد إن مواطنين أفغانا كانوا مسؤولين عن أكثر من عشرة تفجيرات انتحارية هذا العام وإن المتشددين الإسلاميين الذين يقاتلون الدولة الباكستانية يعملون من الأراضي الأفغانية. وتنفي طالبان هذه الاتهامات.

ويخشى العديد من الأفغان الترحيل إلى موطنهم الأصلي، حيث تقول الأمم المتحدة إن حقوق الإنسان تشهد حالة انهيار. لكن المخاطر مرتفعة بشكل خاص بالنسبة إلى الهزارة مثل صادق لقربهم من إيران.

وواجهت الطائفة التي يهيمن عليها الشيعة عقودا من الاضطهاد على يد حركة طالبان السنية التي تصفهم بالكفار. كما أن فرصهم محدودة في التمتع بالسكن والرعاية الصحية والوظائف والتعليم.

وتحسنت حياة الهزارة نوعا ما بعد الإطاحة بحركة طالبان في 2001، لكن العودة المفاجئة للنظام المتشدد قبل عامين دفعت إلى نزوح جماعي شمل مئات الآلاف من الأفغان، بما في ذلك الهزارة والأكاديميون والصحافيون والنساء.

وهرب العديد منهم إلى باكستان وإيران المجاورتين، بينما توجه آخرون إلى مناطق أبعد. وتقول باكستان اليوم إن حوالي 1.73 مليون أفغاني يعيشون في البلاد دون وثائق قانونية.

وقالت مجموعة من خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إن اللاجئين الأفغان “سيكونون معرّضين لخطر ضرر لا يمكن إصلاحه” إذا عادوا. وحثت باكستان على التمسك بمبدأ عدم الإعادة القسرية.

ويأتي أمر الترحيل في الوقت الذي تعاني فيه باكستان من عدم الاستقرار السياسي والأزمة الاقتصادية الناجمة عن انخفاض النمو وضعف العملة وارتفاع الأسعار.

◙ العديد من الأفغان، وخاصة من الهزارة، يخشون الترحيل إلى موطنهم بسبب حالة الانهيار تحت حكم طالبان

وقالت حركة طالبان الأفغانية إن خطة الترحيل “غير مقبولة”، معتبرة أن الأفغان ليسوا مسؤولين عن التهديدات الأمنية التي تواجهها باكستان.

وقال أمير، وهو من الهزارة في كابول رفض الكشف عن اسمه الكامل، إن “الإبادة الجماعية التي يشهدها الهزارة في أفغانستان لا تزال مستمرة”.

ويقول السكان ونشطاء حقوق الإنسان إن حركة طالبان طردت عائلات الهزارة من منازلها ومزارعها. وكان في الكثير من الحالات مع إشعار قبل بضعة أيام، ودون أيّ فرصة لإثبات مطالباتها القانونية.

وقال أمير البالغ من العمر 28 عاما “لا يوجد للهزارة أيّ مأمن هنا ولا وجود لما يضمن أن غالبية الذين يعودون إلى أفغانستان منا لن يقتلوا”.

ويعمل أمير مُسوّقا في شركة صغيرة الآن، حيث تخلّى عن وظيفة أحلامه إثر تعرضه لإساءات مستمرة من طالبان بعد أن طمح إلى أن يكون مغنيا وموسيقيا. وأضاف “أصبحت الحياة مثل الجحيم”. وذكر أن زوجته الناشطة في مجال حقوق المرأة تخلت عن وظيفتها للبقاء في المنزل.

لكن الهزارة يقولون إن باكستان ليست أكثر أمانا. وتضطر عائلات الهزارة إلى العيش تحت الرادار مع افتقارها لتأشيرات صالحة أو بطاقات هوية مناسبة. وتلجأ إلى شبكة المهاجرين الأفغان والأصدقاء والأقارب للعثور على عمل وسكن. وقد قُبض على العديد من الهزارة أو أجبروا على دفع الرشاوى، في حين خسر آخرون وظائفهم أو طردهم أصحاب العقارات.

وقالت كيميا، وهي أرملة وأمّ لأربعة أطفال انتقلت إلى كراتشي بعد أن قتلت حركة طالبان زوجها العام الماضي، “لم يكن العثور على عمل سهلا، فلا يمنحك أحد وظيفة دون بطاقات الهوية”.

وأعلنت باكستان أن عملية الترحيل ستكون منظمة وعلى مراحل. وقد تبدأ مع الأشخاص من ذوي السجلات الإجرامية.

وأثار الطرد الجماعي المقترح قلق الصحافيين والقضاة والأكاديميين ونشطاء الحقوق المدنية الأفغان الذين فروا من طالبان.

كما أن النساء معرضات للخطر أيضا. وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك الشهر الماضي إن النساء والفتيات يواجهن “مستوى صادما من الاضطهاد” في أفغانستان.

ويخيف احتمال العودة لينا، زوجة صادق، وهي من الهزارة أيضا. وترفض العودة إلى كابول، حيث كانت ذات يوم تستطيع الذهاب إلى الجامعة، وزيارة محلات المثلجات مع صادق، والغناء والرقص في حفلات الزفاف.

وقالت “أردت أن أصبح سيدة أعمال بعد دراستي. لكنني لا أستطيع العثور على عمل هنا وبالتأكيد لن أتمكن من إكمال دراستي أو العمل في أفغانستان. لا أعرف ما الذي سيحدث لنا إذا أجبرتنا باكستان على الرحيل”.

ومع اقتراب الموعد النهائي لمغادرة البلاد، بدأت الشرطة بتنفيذ توقيفات في صفوف الأفغان، حيث أَبلغ محامون عن عمليات اعتقال تعسفي وابتزاز.

وولد ذوالفقار خان وهو ابن لاجئين، في مخيم بيشاور حيث عاش أجيال من الأفغان في مساكن شبه دائمة. وهو على غرار كثيرين آخرين لم يكن يعرف شيئاً عن عملية تسوية وضعه، وكان يعتقد أنه قد يحصل يوماً ما على الجنسية الباكستانية.

وقال ذوالفقار لفرانس برس على الحدود “قررت المغادرة لتجنب إذلال السلطات الباكستانية”.

وأضاف “أغادر باكستان بقلب مثقل وأشعر بالضغط النفسي الشديد. لا أعرف كيف ستكون حياتي في أفغانستان، ولا أعرف على الإطلاق ما إذا كنت سأتمكن من استكمال نشاطي هناك”.

وتجمعت المئات من الأسر بالقرب من الحدود الجمعة حاملة أمتعة بانتظار العبور، وحاول البعض إقناع السلطات بالسماح لهم بأخذ الدجاج الحي.

1.73مليون أفغاني يعيشون في البلاد دون وثائق قانونية

وقال حكيم الله أحد حرس الحدود “تواجه النساء مشاكل كثيرة على الحدود وخصوصاً الحوامل، وكذلك ذوو الإعاقة: ترون أنهم ينتظرون دورهم لساعات”.

وقالت السلطات إن أكثر من ألفي شخص يعبرون الحدود كل يوم لكن معظمهم من المزارعين والتجار الذين يتنقلون بين البلدين.

وأفاد المتحدث باسم حكومة إقليم خيبر بختونخوا فيروز جمال بأن نحو 60 ألف أفغاني غادروا البلاد “طوعًا” في الأسابيع الأخيرة.

وتؤكد الأمم المتحدة أنّ نحو 1.3 مليون أفغاني يتمتعون بوضع لاجئ، ويملك 880 ألفاً آخرون الأوراق اللازمة للبقاء في باكستان.

وقال بائع الفاكهة فضل أحمد البالغ 40 عاماً والذي جاء إلى باكستان عندما كان في الرابعة من عمره لفرانس برس الخميس في أحد مخيمات كراتشي، إن “الجميع يخشى التوقيف والترحيل”.

وأضاف “أعتبر أنني باكستاني إذ لم أعد أبدًا إلى أفغانستان، لكنني أعيش بخوف حالياً، وأعدّ الأيام المتبقية”.

ولا يُسمح للأفغان سوى بأخذ عدد محدود من الأمتعة الشخصية ومبلغ قدره 178 دولارًا كحد أقصى، وعليهم أن يتركوا مواشيهم في باكستان.

العرب