طالبان مصابة بـ”المرض الهولندي”: تريليون دولار قد تدمر كل القطاعات

طالبان مصابة بـ”المرض الهولندي”: تريليون دولار قد تدمر كل القطاعات

واشنطن- أفرطت حركة طالبان الأفغانية في الاعتماد على الموارد المعدنية الخام في سد احتياجاتها المالية منذ وصولها إلى السلطة، وذلك في ظل تضاؤل مصادر الدخل الأخرى التي تمكنها من تلبية احتياجات حكومتها.

ويقول الباحثان همايون خان ونصرت سيد، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست، إن القطاعات الاقتصادية الرئيسية في أفغانستان لطالما ابتليت بانعدام الأمن والفساد المستشري، وضعف إنفاذ القانون. وبعد استيلاء طالبان على السلطة في آب/أغسطس 2021، تم تجميد الأموال الوطنية وفرضت عقوبات وأوقف المجتمع الدولي مساعدات التنمية. ومع ذلك، وجدت طالبان طرقا للحفاظ على اقتصاد البلاد الهش، وذلك بفضل رواسب الموارد المعدنية الوفيرة في أفغانستان.

وبدأت طالبان بالفعل في تحويل هذه الأصول التي تقدر قيمتها بنحو تريليون دولار إلى إيرادات ملموسة. فالفحم، على سبيل المثال، يجري استخراجه وتصديره بالفعل، وتساعد عائدات هذه الأصول في الحفاظ على النظام الجديد، لاسيما في ضوء العجز الاقتصادي الذي خلفته الأزمة السياسية المفاجئة في البلاد. ولضمان التدفق النقدي السريع، في الربع الثاني من عام 2022، رفعت وزارة مالية طالبان رسوم التصدير على الفحم من 20 في المئة إلى 30 في المئة، إلى جانب ارتفاع أسعار الفحم من 90 دولارا إلى 200 دولار للطن. وبحلول منتصف عام 2022، تم جمع ما يقرب من 40 مليون دولار من الرسوم الجمركية على الفحم من الصادرات إلى باكستان المجاورة.

وفي مقابلة حصرية على تلفزيون مملوك للدولة في عام 2022، أوضح شهاب الدين ديلاوار، القائم بأعمال وزير المناجم والبترول، أن أفغانستان لديها ملايين الأطنان من احتياطيات الفحم في ولايات مختلفة. وبالنسبة لطالبان التي تعاني من ضائقة مالية، يمثل تعدين الفحم شريان حياة اقتصاديا أساسيا. ومع ذلك، وبالنظر إلى الندرة المزمنة لرأس المال والعمالة في قطاعات أخرى من الاقتصاد الأفغاني، مثل التصنيع والتعليم والزراعة والقطاعات العامة، فإن الاعتماد المفرط على الموارد الطبيعية، وخاصة تعدين الفحم، يمكن أن يؤدي إلى معاناة أفغانستان من المرض الهولندي سيء السمعة (وهو ظاهرة اقتصادية حيث يؤدي التطور السريع لقطاع واحد من الاقتصاد إلى حدوث تدهور في القطاعات الأخرى).

إن اعتماد طالبان المكتشف حديثا على عائدات التعدين لا يبشر بالخير بالنسبة لأفغانستان، التي تعاني بالفعل من ارتفاع معدل البطالة، حيث فقد ما مجموعه أكثر من 500 ألف شخص وظائفهم في الأسابيع الأولى من استيلاء طالبان على الحكم.

وبسبب الوضع الاقتصادي السيء في البلاد، يبحث العمال عن وظائف في الصناعات الغنية بالنقد مثل تعدين الفحم. غير أن ذلك أدى إلى مشكلة نقص حاد في الموظفين في قطاعات أساسية أخرى، مثل الزراعة والخدمات الاجتماعية. وبالإضافة إلى ذلك، نظرا لأن صناعة التعدين تستهلك جزءا كبيرا من رأس المال، فقد يكون هناك أيضا نقص في رأس المال في هذه القطاعات الأخرى، مما يؤدي إلى اختلال عام في الاقتصاد.

ويقول الباحثان إن ما يزيد الوضع تعقيدا هو الواقع القبيح المتمثل في أن أولئك الذين يتمتعون بنفوذ سياسي هم وحدهم الذين يمكنهم العثور على عمل، وذلك لأن العمال غالبا ما يتم تعيينهم على أساس التفضيلات الفردية والروابط والتوافق الأيديولوجي مع طالبان. ونتيجة لذلك، يبدو من المرجح حدوث المزيد من الفقر وعدم المساواة على المستوى الوطني، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة عمالة الأطفال. وحتى الأجور المنخفضة التي يكسبها الأطفال الذين يعملون في مجالات مثل التعدين تعتبر ضرورية من قبل الأسر التي تتضور جوعا.

ومع ذلك، لم يثن هذا أيا من المستثمرين المحليين أو الدوليين. وتحرص العديد من الأطراف على الاستثمار في صناعة التعدين في البلاد. على سبيل المثال، أبدت الشركات الصينية والإيرانية اهتماما، وقد تقوم قريبا باستثمارات ضخمة في تعدين الفحم الأفغاني.

وهكذا تُركت كابول في وضع سيء، ما بين اقتصاد أفغاني غير متوازن لصالح التعدين، وقطاعات أخرى تعاني من نقص الموظفين والتمويل. ومع ذلك، من الصعب تحقيق الإصلاح، بسبب السياسة الحساسة والمتقلبة في البلاد.

ومارس قادة طالبان سيطرة احتكارية على قطاع التعدين بسبب أهميته المطلقة. وكما تشير التقارير، فإن صناعة التعدين الأفغانية أصبحت الآن مدينة بالفضل لعدد قليل من كبار قادة طالبان، ومن المرجح أن يؤدي الاعتماد فقط على الدخل من التعدين إلى تفاقم الانقسامات السياسية بين هؤلاء القادة. ومما يؤسف له أن الصراعات السرية على السلطة الناتجة عن ذلك أدت إلى سوء الإدارة والاستغلال.

وبالنظر إلى الظروف الحالية، ترى طالبان أن استخدام الموارد الطبيعية يمثل دفعة لاقتصادها وبقائها. ومع ذلك، إذا استثمرت فقط في الموارد الطبيعية دون خلق أنواع أخرى من الوظائف، فإنها تخاطر بعدم الاستقرار والتسبب في “المرض الهولندي”، مما قد تكون له عواقب وخيمة على نظامها.

ولتجنب ذلك، ينبغي عليها تشجيع الشركات الناشئة المحلية بشكل شامل على المشاركة في صناعة التعدين لخلق فرص عمل. وبدلا من الاعتماد فقط على تصدير الفحم، يمكن لطالبان استخدامه كمادة خام لصناعات أخرى داخل أفغانستان، مثل تصنيع الحديد، واستخدام فائض الإيرادات من صادرات الفحم لتخصيص رأس المال في قطاعات أخرى. وثمة خيار آخر يتمثل في استبدال صادرات الفحم بأشياء تحتاجها أفغانستان، مثل المعدات الزراعية والخدمات التكنولوجية.

ويختتم الباحثان تقريرهما بأن هناك شيئا واحدا مؤكدا، هو أنه إذا لم تغير طالبان نهجها، فإن العواقب طويلة الأجل ستكون لعنة الموارد الطبيعية وزيادة البطالة واضطرابات سياسية داخلية.

العرب