الجزائر – التحقت نخب سياسية بأمواج الهجرة السرية من الجزائر إلى السواحل الإسبانية، فرارا من مصير ينتظرها داخل البلاد، سواء أكانت هذه النخب ناشطين سياسيين معارضين أم كوادر في مؤسسات رسمية تريد النجاة من عقوبات قاسية تتصل في الغالب بممارسات الفساد المالي.
وأصدر قضاء مدينة برج بوعريريج شرقي العاصمة في حق الناشط السياسي المعارض إبراهيم لعلامي حكما بسنتين سجنا نافذا بتهم تهديد السلامة الوطنية والإضرار بالاستقرار، لتكون بذلك عقوبته الثانية بعد تلك التي صدرت في حقه سابقا، وتمكن فيها من الاستفادة من عفو رئاسي أصدره الرئيس عبدالمجيد تبون.
وجاء توقيف لعلامي بعد محاولته الفرار إلى إسبانيا على متن قارب للهجرة السرية رفقة أعداد أخرى من الشباب الجزائري، لكن الرحلة باءت بالفشل، وما زالت الروايات تتضارب بشأن ظروف توقيفه إن كانت من طرف مصالح خفر الشواطئ الجزائرية أو أن السلطات الإسبانية سلمته لنظيرتها الجزائرية بطلب منها.
وتصاعدت وتيرة الهجرة السرية (الحرقة) في الجزائر خلال الأشهر الأخيرة بسبب انسداد الأفق الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، حيث تحدثت وسائل إعلام إسبانية مؤخرا عن وصول نحو 2000 شاب جزائري إلى السواحل الجنوبية، وذهب بعضها إلى التساؤل عن حقيقة الوضع السائد في الجزائر.
غير أن اللافت هو انضمام ناشطين وكوادر مرموقة في مؤسسات رسمية إلى أعداد المهاجرين السريين.
وكان الناشط المعارض إبراهيم دواجي قد التحق خلال الأشهر الماضية بالتراب الإسباني فرارا مما أسماه “القمع والتضييق”، وأقرّ بأنه اضطر إلى الهجرة غير الشرعية هروبا من القبضة الأمنية المشددة التي تطبقها السلطة على من يعارضها.
وفي غضون هذا الأسبوع تحدثت مصادر عن توقيف القاضية بدري سلمى، من محكمة الشلف غربي العاصمة، من طرف فرقة لخفر السواحل حين كانت تحاول الهجرة على متن قارب تقليدي، وبحوزتها مبلغ مالي يقدر بثلاثة ملايين يورو، وسط تسريبات تتحدث عن ارتباطها بقضية فساد، غير أنه لم يصدر أي بيان رسمي من القاضية المعنية أو من الجهة التي أوقفتها.
وكان قبلها موظف في محافظة وهران ورجال أعمال سنة 2019 قد استقلوا قوارب الهجرة إلى إسبانيا أو إيطاليا، تاركين وراءهم تساؤلات عما يجعلهم يغادرون البلاد تماما مثل الشبان اليائسين من الوطن.
وكانت احتجاجات الحراك الشعبي في أشهرها الأولى قد ساهمت في تراجع أعداد المهاجرين السريين، وأعادت إلى الشباب الجزائري أمل إمكانية حدوث التغيير. غير أن تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية واستمرار نفس النظام السياسي القائم أحدثا انتكاسة لدى هؤلاء، بحسب مختصين اجتماعيين، ولذلك عادت أعداد “الحرقة” إلى أوروبا للارتفاع بعد فقدان الأمل وبحثا عن فرصة للحياة في الضفة الشمالية للمتوسط.
وحسب دواجي فإن “مؤهلاته الاجتماعية والمهنية كانت تسمح له بالبقاء في البلاد وبناء أسرته، فهو أستاذ تعليم ثانوي ورب أسرة، غير أن الظروف السياسية الخانقة تجاه المعارضين وحملة القمع والتضييق التي تعرض لها دفعتاه إلى الهجرة السرية”.
وذكر دواجي في تسجيل صوتي أنه باع سيارته من نوع بيجو 207، واشترى مكانا في رحلة على قارب “محترم” بمبلغ حوالي خمسة آلاف دولار أميركي، لأن أسعار الرحلات تختلف حسب القارب والمدة والأريحية، غير أنه بمجرد الوصول إلى منتصف البحر تغيرت المعطيات وصارت الرحلة محفوفة بخطر الموت.
وأضاف “في الرحلة كان يوجد مستهلك المخدرات وكان هناك من يقرأ القرآن ويدعو الله السلامة، وكان ثمة من هو مريض صحيا، واختلف الركاب حول القرار النهائي حين تلقوا إنذارا من طرف خفر السواحل الاسبانية، فمنهم من قال نكمل الرحلة سباحة في الشاطئ ومنهم من قال نعود من حيث أتينا، واضطر سائق القارب المراهق إلى تغيير وجهته هروبا من ملاحقة الأمن الإسباني”.
وتابع يروي بحرقة “لقد كان معنا شقيقان من غرب البلاد، واحد مريض ملقى في القارب، والآخر في صحة جيدة، ولأن سائق القارب كان في حالة قلق هستيري فقد نزل معنا الشقيق المعافى، وقبل أن نفعل شيئا لشقيقه الآخر المريض المستلقي في القارب استدار السائق في لمح البصر فارا أو عائدا، ولا يدري الشقيق ولا نحن مصير المريض، وما إذا كان قد عاد به أم رماه في البحر”.
العرب