تحركات دبلوماسية في بغداد تحدد مستقبل المنطقة

تحركات دبلوماسية في بغداد تحدد مستقبل المنطقة

بدأت الأحداث السياسية والوقائع الميدانية تأخذ مدياتها وتأثيراتها في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وأصبح العراق يشكل منطلقا رئيسيا في تحديد مستقبل الرؤى السياسية لكيفية التعامل مع الأحداث والآفاق المستقبلية لمواجهتها وطبيعة المواجهات على الأرض العراقية، وتعاظم الأعمال التعرضية التي تقوم بها المليشيات المسلحة على المواقع والمقرات والقواعد الأمريكية في بغداد واستهداف البعثات الدبلوماسية بالمنطقة الخضراء والتي تتزامن مع الحوارات الستة التي جرت في العاصمة النمساوية فيينا بين مجموعة (٤+١) والولايات المتحدة الأمريكية ولم تتوصل إلى نتائج مثمرة،رغم حاجة النظام الإيراني للخروج من مأزق العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي أثقلت كاهل المنظومة الاقتصادية في إيران وتسببت بالعديد من الأزمات والمتاعب داخل المجتمع الإيراني، وابتعدت طهران كثيرا عن كيفية معالجة أوضاعها الداخلية وعلاقاتها الإقليمية والدولية ومحاولة الاندماج مع المجتمع الدولي نتيجة افتقارها إلى فهم دقيق وواقع ميداني واضح لطبيعة السياسة الأمريكية في المنطقة واعتقادها أن إدارة الرئيس(جوبايدن) ذاهبة الى التهدئة ولحلول منطقية برؤية جدية وفق التطورات الميدانية والأحداث القائمة في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.
تمكن مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية المتابعة ميدانية من الحصول على معلومات دقيقة تتعلق بحقيقة موقف الإدارة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني بعرض جديد يتضمن قيام السلطات الايرانية بإيقاف عمليات التخصيب والوصول إلى نسبة ٣.٢% والتي لا يمكن استخدامها إلا لأغراض طبية وليس لتوجهات وأهداف عسكرية وصناعية ومقابل تنفيذ هذا الشرط وإيقاف المشروع السياسي الإيراني في التمدد والنفوذ والتدخل في الشؤون الداخلية لعواصم الأقطار العربية ودعم المليشيات المسلحة في العراق وسوريا واليمن ولبنان ،فإن الإدارة الأمريكية ستكون جاهزة للاتفاق .
جاء الموقف الأمريكي بعد التعنت والممانعة التي أظهرها المفاوضون الايرانيون لاعتقادهم أن واشنطن هي من تسعى للاتفاق تحقيقا لمصالحها وتطبيقا لسياستها الجديدة ولكن الولايات المتحدة الأمريكية وبعد العديد من اللقاءات مع حليفها الكيان الصهيوني والمواقف الضاغطة لنواب الحزب الجمهوري وبعض رجالات الحزب الديمقراطي داخل الكونجرس الأمريكي وأصدقائها من القيادات العربية الخليجية وخاصة المملكة العربية السعودية بضرورة وضع شروط وإيجاد وسائل لردع النظام الإيراني في محاولاته لفرض إرادته وقيامه بزيادة نسبة تخصيب معدن اليورانيوم إلى ٢٠% والتهديد بالتصعيد إلى ٦٠% وصولا إلى النسبة التي أقرها مجلس الشورى الايراني والتي تبلغ ٩٠% وحسب تصريح الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني قبل يومين.
كما أن الاعتراف السعودي بعدم وجود نوايا صادقة للنظام الإيراني في تحديد مواقفه من الأحداث القائمة في اليمن واستمرار دعمه للجماعات الحوثية التي تستهدف الأمن القومي والوطني وسيادة الأراضي السعودية رغم جولات الحوارات واللقاءات التي جرت في العاصمة العراقية (بغداد) والتي ساهمت فيها الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي بدور متميز في محاولة تقريب وجهات النظر بين الدولتين وإعادة العلاقات الطبيعية معهما بما يفضي إلى استقرار المنطقة العربية وتجنب حدوث صراعات ومواجهات دولية وإقليمية مستقبلية تؤثر على الأمن القومي العربي وابعاد العراق عن ساحة المواجهة وان لا تكون الأراضي العراقية مجالا خصبا لتصفية الحسابات بين الأضداد.
تعزيزا ومباركة للجهد العراقي الرسمي جاءت تصريحات مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى(جوي هود) مساء يوم ١٤ تموز ٢٠٢١ لتؤكد حرص الولايات المتحدة الأمريكية على علاقتها وتطويرها مع بغداد بقوله (العلاقة مع العراق ستكون دائما مهمة بغض النظر عما يحكم وماذا يريد جيران العراق فعله) وهي إشارة واضحة للاعمال التعرضية التي تقوم بها عناصر مليشياوية تحسب على النظام في إيران، وهذه الأعمال تبتعد عن الرؤية الحقيقية للعمل باتجاه تطور مناحي الحياة في العراق وإيجاد أرضية لعراق مزدهر ديمقراطي موحد وتوسيع دائرة التعاون الأمريكي العراقي على جميع الأصعدة.
تزامنت هذه التطورات مع الحراك الدبلوماسي المهم الذي شهدته بغداد في الاسابيع والأيام الماضية بزيارة مدير المخابرات الأمريكية (وليام بيرنز) وبعده بأيام وصول رئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني (حسين طائب) ثم الاهتمام الدولي والإقليمي والزيارات الميدانية التي قام بها العديد من المسؤولين الأمريكان والأشقاء العرب والايرانيين وحسب معلومات خاصة بمركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية فقد وصل العراق اليوم منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط (بريت ماكغورك) مع وصول وزير الخارجية القطري (محمد بن عبد الرحمن آل ثاني) في زيارة لمدة ساعتين رافقها وصول وزير الاستخبارات الإيراني (محمود علوي) ولقاء الجميع بشكل منفرد مع الرئاسات الثلاث في العراق وعدد من المسؤولين العراقيين وبعض قيادات الأحزاب والتيارات السياسية .
يرى الزائرون للعراق أن عملية إعادة ترتيب أوضاع المنطقة وتهدئة الأحداث فيها وإيجاد حلول للمواجهات الأمريكية الإيرانية وإيقاف تعرضات المليشيات المسلحة التي من خلال الجهد والعلاقة التي تربط العراقيين مع جميع الجهات .
نتائج الزيارات واللقاء والمباحثات سنلقي بظلالها على عدة محاور مهمة اولها المضي في تحديد موعد الجولة السابعة من مفاوضات البرنامج النووي في فيينا وإيقاف الهجمات على المواقع والقواعد الأمريكية في العراق وحماية مصالح الحلفاء من الاقطار العربية.. ولتكون مفتاحا رئيسيا لجولات الحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي الذي سيحضره رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في واشنطن بتاريخ ٢٧ تموز ٢٠٢١ ومناقشة اولويات العلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة والآفاق المستقبلية بتواجد القوات الأمريكية التي يجب دراسة موضوع انسحابها بما يتوافق والمصلحة الوطنية للشعب العراقي والحفاظ على أمنه الداخلي وملاحظة أن وجود الخبراء والمستشارين الأمريكان هي لادامة زخم وتدريب القوات العسكرية والأمنية العراقية فلا يمكن السماح لأي أدوات وواجهات أن تعمل على أن ينزلق العراق مهاوي الدول الفاشلة.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية