قطر على وشك جني ثمار رهانها طويل الأمد على طالبان

قطر على وشك جني ثمار رهانها طويل الأمد على طالبان

الدوحة – ستكون قطر أكبر الرابحين من عودة حركة طالبان المتشددة إلى الحكم في أفغانستان ليثمر بذلك استثمارها الطويل في الرهان على الحركة واستضافة قيادتها في الدوحة ورعاية المفاوضات بينها وبين الحكومة الأفغانية.

وتزداد المكاسب القطرية في الملف الأفغاني تأكيدا بعد أن عبّرت دول مثل بريطانيا وروسيا عن استعدادها لإقامة علاقات مع نظام حركة طالبان الجديد كمقدمة لتعامل دول أخرى مثل الولايات المتحدة ودول أوروبية والصين والهند.

ومن الواضح أن آخر ما تفكر به الدوحة هو قضايا حقوق الإنسان ووضعية المرأة في ظل طالبان التي بدأت من الآن بفرض أحكامها المتشددة على الأفغان، حيث بادرت الحركة في إقليم ناء في ولاية تخار شمالي أفغانستان إلى فرض إطالة اللحى والوصاية على المرأة، وتحريم التدخين.

ويرى مراقبون أن حركة طالبان التي واجهت خصوما بعناوين مختلفة ستعمل على مكافأة أصدقائها القطريين بالدرجة الأولى الذين آووها ودعّموها وفتحوا لها قنوات التواصل الدبلوماسي مع مختلف القوى الكبرى، لافتين إلى أن المكسب الأهم بالنسبة إلى الدوحة هو الاعتراف بها كوسيط سلام ناجح في العلاقة بطالبان وهو ما قد يحيي مساعيها في التحدث باسم حركات إسلامية في مناطق أخرى.

ووفّرت الوساطة القطرية لطالبان الاعتراف الدولي بها كشريك رئيسي في عملية السلام، كما مكّنتها من لقاء الأميركيين وتحقيق مكاسب أخرى من بينها سحب أسماء قياديين بارزين في الحركة من القوائم السوداء الغربية، وإطلاق سراح آخرين من سجون الحكومة الأفغانية.

وتراهن طالبان على قطر بشأن الدعم المالي اللازم الذي سيسمح لها بأن تدير شؤون البلاد في مرحلة ما بعد سيطرتها على كابول، وهو عنصر سيقوّي من الثقل القطري في أفغانستان بانتظار نجاح الحركة المتشددة في طمأنة الدول المعنية بالملف الأفغاني.

ونجحت الدوحة في أن تظل القناة الرئيسية للتفاوض مع طالبان بالرغم من دخول أطراف أخرى على خط الوساطة من بينها تركيا وروسيا وإيران التي عرضت عقد مؤتمرات لحل الأزمة الأفغانية في مسعى للتقارب مع طالبان والبحث عن دور في مرحلة ما بعد وقف الحرب.

ومع تسارع الانسحاب الأميركي وسيطرة طالبان على غالبية الأراضي الأفغانية ووضع يدها على المعابر الحيوية مع دول الجوار تحركت دول كبرى لإرسال إشارات عن رغبتها في التعامل مع طالبان كأمر واقع في كابول.

وأعلن وزير الدفاع البريطاني بن والاس أن بريطانيا ستتعامل مع حركة طالبان في أفغانستان إذا دخلت إلى الحكومة واحترمت حقوق الإنسان.

وقال الوزير في مقابلة نشرتها الأربعاء صحيفة “ديلي تليغراف” إنه “مهما كانت الحكومة القائمة، ستتعاون الحكومة البريطانية معها بشرط أن تحترم بعض المعايير الدولية”، وهو شرط يعتقد المراقبون أن ذكره في مثل هذا السياق هدفه رفع الحرج عن قرار متخذ بشكل مسبق ويضع هدفا له تأمين مصالح بريطانيا في أفغانستان والتعامل مع المنتصر كمحاور وشريك في الاتفاقيات.

وأقر الوزير بأنه رغم مقتل 457 عسكريا بريطانيا في أفغانستان إلا أن “كل عمليات السلام تتطلب التوافق مع العدو”.

وبحسب والاس فإن طالبان تطمح إلى “اعتراف دولي” للحصول على التمويل والدعم اللازمين لإعادة إعمار البلاد و”هذا لا يتم إذا كانوا يرفعون راية الإرهاب”، مضيفا “يجب أن يكونوا شركاء في السلام وإلا فسيواجهون مخاطر العزلة”.

وسيطر مقاتلو طالبان في الآونة الأخيرة على مراكز حدودية مهمة مع إيران وتركمانستان وطاجيكستان وباكستان وكذلك على العديد من المناطق في ولايات مجاورة لكابول، ما أثار مخاوف من أن تقوم بمهاجمة العاصمة قريبا ومطارها الذي يشكل بوابة الخروج الوحيدة من المدينة للرعايا الأجانب.

ولم تخف روسيا قلقها من التطورات الحاصلة في أفغانستان وعودة طالبان إلى الحكم، لكنها ما تزال مترددة في تحديد موقفها العلني بشأن فتح قنوات التواصل معها والقيام بخطوات لبناء الثقة. لكن زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي فلاديمير جيرينوفسكي قال إن طالبان ستسيطر حتما على السلطة في أفغانستان، وإن على روسيا أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار.

وأكد جيرينوفسكي أن روسيا كدولة مجاورة سيكون عليها “أن تأخذ في الحسبان الطرف الذي سيقود هذه الجمهورية الإسلامية”. ومن العاصمة القطرية الدوحة اشترط المتحدث باسم المكتب السياسي لطالبان سهيل شاهين أن تتولى موسكو “رفع الحركة من قائمة عقوبات مجلس الأمن”.

وقال شاهين الذي سبق وأن شارك في الوفد الذي زار موسكو مؤخرا “لدينا علاقات سياسية مع روسيا وإيران والصين، ليس لمدة عام أو عامين، لكن منذ سنوات عديدة، لقد زرنا المسؤولين هنالك في العديد من المرات وأكدنا لهم أننا لن نسمح باستخدام الأراضي الأفغانية ضدهم”.

ويعتقد مراقبون أن الجميع بات مقتنعا بالتعاون مع طالبان، وأن التردد الحاصل لدى بعض العواصم مرتبط بعامل الوقت لأجل التأكد من سيطرة الحركة على باقي البلاد واختبار قدرة القوات الحكومية التي تم تدريبها خلال عشرين عاما على أيدي قوات غربية مختلفة.

وعزا مايكل كوجلمان الباحث في مركز ويلسون بواشنطن موقف الدول التي أعلنت استعدادها للتعامل مع طالبان إلى أن قادتها عمليون للغاية، وأنهم عرفوا أن الحركة القوية تستعد لأن تصبح أكثر قوة في أفغانستان.

واعتبر المدير التنفيذي في مركز الشرق الأوسط لإعداد التحليلات الإسرائيلي سيث فرانتزمان أن طالبان حركة مسلحة تسعى للسيطرة على دولة من الحكومة المركزية المعترف بها دولياً، ومع ذلك فإن دولا عديدة تقدم الدعم لها وتستضيف عناصرها على أراضيها.

من جانبها أرسلت الهند، التي تعتبر من داعمي الحكومة الحالية، إشارات عن رغبتها في الانفتاح على طالبان. وقال السفير الهندي السابق في أفغانستان عمار سينها “كان من المفترض أن نتواصل مع طالبان، بمجرد جلوس الحكومة الأفغانية وطالبان معا للتفاوض، فلماذا نمتنع عن ذلك والجميع يتحدث معهم؟ يجب أن نتعامل معهم، كما نفعل مع أيّ فصيل آخر“.

وتساءل شاهين “كيف يريدون (الهند) التحدث إلى طالبان بينما يزودون كابول بالأسلحة والطائرات المسيّرة وكل شيء؟ هذا تناقض واضح”.

العرب