د. معمر فيصل خولي
بعد عشرين عامًا على الاحتلال الأمريكي وحلف شمال الأطلسي لأفغانستان، أعلن الرئيس الأميركي جوزريف بايدن يوم 16 نيسان/إبريل 2021 سحب القوات الأميركية بصورة غير مشروطة من أفغانستان، وأن العمليات العسكرية ستنتهي في 31 آب/ أغسطس. وقد عجّل هذا الإعلان للتوصل إلى اتفاق بين واشنطن وأنقرة تقوم الأخيرة في تأمين مطار العاصمة الأفغانية.
هذا الاتفاق لم يك محل ترحيب من قبل حركة طالبان، إذ حذرت الحركة – التي تسيطر على 85 في المئة من الجغرافية الأفغانستانية وباستثناء عدد قليل من مراكز الولايات مثل العاصمة كابول وقندهار– تركيا في بيان لها: ” أن “قرار القادة الأتراك ليس حكيما، لأنه انتهاك لسيادتنا ولوحدة وسلامة أراضينا، وهو مخالف لمصالحنا الوطنية”. ويعتبر بيان حركة طالبان بمثابة رسالة تحذير مباشرة إلى أنقرة فحوها: “نحن الأسياد هنا”.
وكان المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد قد وضح لماذا وجهت حركة طالبان هذا التحذير إلى تركيا؟ قائلًا: «لا إمارة أفغانستان الإسلامية ولا الشعب الأفغاني لديهما عداء تجاه تركيا أو شعبها. فنحن والشعب التركي نتمتع بوحدة الدين والمذهب والتاريخ والثقافة. وكلا الشعبين يحب بعضهما بعضاً كثيرا. ما نريده نحن هو أن تنسحب تركيا التي أتت إلى أفغانستان تحت مظلة الناتو أيضا قبل 20 عاما. وعندما نكون بحاجة إلى تركيا سنتحدث معها مباشرة ومع الشعب التركي. إننا نريد تركيا بصفة مستقلة، ولا نريدها جزءاً من الناتو. ووفقا لاتفاقية الدوحة، التي أبرمْناها مع الولايات المتحدة، وقبلتها تركيا، يجب على جميع القوى الأجنبية، الانسحاب من أفغانستان، سواء كانت أعضاء في الناتو أم لا».
أن رفض حركة طالبان الدور الأمني لتركيا عبر الناتو أو الولايات المتحدة الأمريكية، يفرض على أنقرة أن تعيد النظر باتفاقها مع واشنطن وذلك بغض النظر عن المكاسب التي ستجنى من ذلك الاتفاق في السياق العلاقات الأمريكية التركية، أو في سياق تعزيز حضورها في آسيا الوسطى والقوقاز.
فمصلحة تركيا العليا هو الحفاظ على قواتها في أفغانستان، وهذا الحفاظ مرهون بموافقة حركة طالبان، وإن ما دون ذلك، سيخلق مشاكل ومخاطر أمنية كبيرة. إذا ما قررت حركة طالبان مواجهة القوات التركية، خاصة أنها أعلنت أن أي قوات أجنبية ستعامل باعتبارها “قوات احتلال”. وهذا يعني النهاية المبكرة للدور المستقبلي التركي في أفغانستان.
وفي حال قبول تركيا هذا التحذير، هذا يعني أنها تقدر وزن حركة طالبان في المشهد الأفغاني وأن ليس من مصلحتها تجاهل ذلك التحذير، كما أن هذا التحذير في نفس الوقت يصب في مصلحة الاستراتيجية التركية في العمل الإقليمي، بعدم تحمل أعباء فشل لم تكن تركيا على مدى عقدين ماضيين سببًا من أسبابه، بل تمتعت تركيا بسمعة حسنة وقوة ناعمة في أفغانستان خلال ذلك العقدين، وساعد ذلك على حماية جنودها. وربما كانت الدولة ذات الصورة الأكثر إيجابية في أفغانستان، وهو ما سمح لبعض شركات البناء والمقاولات التركية بالعمل بِحرية هناك. لذلك على تركيا الحفاظ على هذه السمعة في عموم أفغانستان. ولا تغامر بها.
وإن كان ولابد لتركيا من تحمل أعباء الفشل الأمريكي وحلف شمال الأطلسي” الناتو” في أفغانستان،ولكي تتجنب تركيا المستنقع البريطاني في القرن الثامن عشر والسوفييتي في القرن العشرين والأمريكي في القرن الحادي والعشرين في أفغانستان، وأن لا تكون أفغانستان مصيدة إقليمية أو دولية، لتصفية الحسابات معها، على الحكومة التركية أن تبذل ما في وسعها لتليين موقف حركة طالبان وإقناعها بأن بقاءها في أفغانستان ليس لتنفيذ جدول أعمال الولايات المتحدة الأمريكية أو حلف شمال الأطلسي، وإنما لدعم استقرار أفغانستان ومساعدة شعبها.
ويمكن لتركيا التي برعت في السنوات الماضية في ممارسة دور الوسيط في حل العديد من الأزمات الإقليمية، اللجوء إلى المفاوضات مع حركة طالبان لتغيير موقفها، من خلال التأكيد على أن مهمتها الرئيسة ستكون فقط ضمان أمن المطار وليس مواجهة حركة طالبان أو محاربتها. ويمكن لتركيا أن تعتمد في هذا الشأن على علاقاتها المتقدمة مع دول تربطها بعلاقات جيدة قد تؤثر على حركة طالبان مثل قطر وباكتسان. وإذا لم تتمكنا من تليين موقف حركة طالبان، ولأن الأفغانيون يأنفون حكم الغرباء لهم مهما كانت التكاليف، فعلى تركيا احترام قرارها ومغادرة قواتها أفغانستان.
ومن أجل حفاظ تركيا على مكتسباتها الإقليمية المادية والمعنوية، علىها أن تتذكر دائمًا المبدأ الواقعي في النظام الدولي ” احم نفسك” و” حافظ على نفسك”.
وحدة الدراسات التركية