أنقرة – 5 سنوات مضت على المحاولة الانقلابية التي تعرضت لها تركيا في 15 يوليو/تموز 2016، ومنذ ذلك الحين شهد الجيش التركي تحولات عميقة وتغييرات جوهرية في هيكليته ودوره في الداخل والخارج، ولا سيما أن الانقلاب الذي انتهى بالفشل تم على أيدي ضباط من الجيش نفسه.
وعقب تلك المحاولة، بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة بناء جيش بلاده الذي كان أكثر القطاعات المتضررة من محاولة الانقلاب، وشمل ذلك حملة تطهير طالت الآلاف في صفوف القوات البرية والبحرية والجوية من الموالين لمنظمة “فتح الله غولن” المتهمة بالتخطيط للانقلاب.
ومثّل فشل الانقلاب دافعا أساسيا لتنظيم العلاقات والأدوار داخل الجيش بحيث يتولى وزير الدفاع المسؤولية الأولى للمؤسسة العسكرية، بعد أن كان دوره تنسيقيا دون سلطة فعلية على المؤسسة، لتصبح تبعية رئيس الأركان لوزارة الدفاع.
وبعد أسابيع من محاولة الانقلاب الفاشلة، نشرت الجريدة الرسمية التركية قرارا يقضي بإعادة هيكلة “مجلس الشورى العسكري الأعلى”، وهو المجلس الذي يمتلك صلاحيات واسعة فيما يتعلق بإقرار الترقيات العليا في الجيش وإحالة الرتب العليا للتقاعد أو التمديد لها.
وبعد الانتقال إلى النظام الرئاسي، أصبح مجلس الشورى العسكري الأعلى يُعقد برئاسة رئيس الجمهورية وحضور مساعده ووزير الدفاع والخارجية والداخلية والمالية والعدل والتعليم، بالإضافة إلى رئيس الأركان وقادة القوات البرية والبحرية والجوية، ونُقلت الأمانة العامة من رئاسة الأركان إلى وزارة الدفاع.
كما أُلحقت قيادات القوات البرية والبحرية والجوية بوزارة الدفاع وأُلحقت القيادة العامة لقوات الدرك وقيادة خفر السواحل بوزارة الداخلية، ضمن قرارات متتابعة خلال السنوات الأخيرة في إطار إعادة هيكلة الجيش.
عمليات خارج الحدود
وبعد محاولة الانقلاب، وإعادة هيكلة الجيش التركي، وتصفية عناصر “غولن” منه، بات أكثر ديناميكية وفاعلية في الساحة الإقليمية والدولية، وانطلقت عملياته خارج حدود تركيا بدءا بعملياته في الشمال السوري ضد تنظيم الدولة ووحدات حماية الشعب الكردية، مرورا بليبيا التي أسهمت فيها القوات المسلحة التركية بتحويل المسار لصالح حكومة الوفاق الوطني، وصولا إلى أذربيجان التي أسهم السلاح التركي في حسم المعركة في إقليم ناغورني قره باغ ضد أرمينيا.
وبرز الملف الليبي وشرق البحر الأبيض المتوسط على جدول أعمال الجيش التركي في تأمين حدوده البحرية، ينطلق في بعده العملياتي إلى خارج الحدود البرية، ووقعت أنقرة اتفاقيات دفاعية مع حكومة الوفاق الليبية غيرت من التوازنات في المسار الليبي.
وعززت القوات التركية من وجودها في شرق المتوسط، وسط نزاع متصاعد حول المناطق الاقتصادية الخالصة والثروات النفطية، وأجرت مناورات عدة، كما افتتحت قاعدتها العسكرية في قطر عقب الحصار الذي تعرضت له.
وذكرت صحيفة “خبر ترك” أن القوات التركية المسلحة كانت على رأس المؤسسات التي عانت من محاولة الانقلاب التي تقف خلفها منظمة “غولن”، ولكنها باتت الآن أكثر قوة.
وأشارت إلى أن الجيش التركي الذي أطلق عملية درع الفرات في الشمال السوري، بعد فترة قصيرة من محاولة الانقلاب، يعمل الآن في جبهات ست، وفي آن واحد.
وأضافت الصحيفة التركية أن الجيش لم يعد يشار إليه بالانقلابات، وأصبح تحت إمرة الشعب التركي، لا يخضع لسياسات الناتو بشكل كامل، ويؤدي مهام صعبة في العمليات التي سيكون لها تأثير على مستقبل تركيا. وأوضحت أن الجيش التركي يعمل لإنشاء منطقة آمنة بعملياته شمال العراق ونقاط تمركزه هناك.
وكان الجيش التركي قد أطلق في منتصف يونيو/حزيران من عام 2020 عملياته ضد حزب العمال الكردستاني في شمالي العراق، في إطار عملية “المخلب النسر” ثم “المخلب النمر”، وفي 23 أبريل/نيسان الماضي، أطلق عمليتي “مخلب البرق” و”مخلب الصاعقة”، في مناطق “متينا” و”أفشين باسيان” شمالي العراق.
وحقق الجيش التركي نجاحات في مناطق عملية “درع الفرات” التي أطلقها بعد شهور من المحاولة الانقلابية، ولاحقا “غصن الزيتون”، و”نبع السلام” في شمال شرق وغرب سوريا، ويعمل في الجبهة الخامسة ليبيا، وكذلك في الجبهة السادسة أذربيجان، وربما لاحقا في أفغانستان.
وبالتوازي مع عمليات الجيش التركي الذي زاد من نشاطه الخارجي، فقد ركزت تركيا على الصناعات الدفاعية المحلية، وتمكنت من تحقيق نقلة نوعية خاصة في مجال صناعة المسيّرات التركية مثل بيرقدار أقنجي، والتي كان لها بصمات كبيرة في سوريا وليبيا وأذربيجان.
ونجحت تركيا، في صناعة العديد من الأسلحة، من أنظمة دفاع جوي، ومدرعات ودبابات، وتسعى لتدشين طائراتها الحربية في عام 2023. وهو ما بدا جليا في انخفاض واردات تركيا من الأسلحة بين عامَي 2016 و2019 بنسبة 48%، مقارنة بالسنوات الخمس السابقة، حسب تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري” (SIPRI) عام 2019.
وشدد الرئيس التركي على أن بلاده حققت نقلة نوعية في الإنتاج المحلي الدفاعي، مشيرا إلى أنه سجل ارتفاعا بنسبة تزيد على 70%، وأصبحت تركيا تنفذ مشاريعها الضخمة.
تشغيل الفيديو
وتضاعفت ميزانية الصناعات الدفاعية في السنوات الأخيرة، لترتفع إلى 60 مليار دولار، ومع استمرار تقدم المشاريع، فقد ارتفع هذا الرقم إلى نحو 80 مليارا.
وتجاوز الإنفاق على البحث والتطوير الذي كان غائبا، 1.5 مليار دولار في عام 2019، وباتت شركات تركية ضمن قائمة كبرى شركات الدفاع بالعالم.
وتمكنت شركة “أسلسان” (ASELSAN) التركية من احتلال المرتبة الـ52 في قائمة مجلة “ديفينس نيوز” الأميركية التي تصنف سنويا أفضل 100 شركة عالمية في مجال الصناعات الدفاعية خلال عام 2020، فيما احتلت شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية “توساش” (TUSAŞ) المرتبة الـ69 في التصنيف.
أما شركة “إس تي إم” (STM) لهندسة وتصميم وتحديث المعدات العسكرية البحرية والطائرات المسيرة وتكنولوجيا الفضاء والرادار، فقد واصلت تقدمها ودخلت تصنيف المجلة الأميركية باحتلالها المرتبة الـ85.
وكذلك دخلت شركة “روكتسان” (Roketsan) المتخصصة في صناعة الصواريخ والقذائف قائمة التصنيف العالمي باحتلالها المرتبة الـ89، علما أن ميزانيتها تقدر بـ522 مليون دولار.
المصدر : الجزيرة