بغداد – يحل عيد الأضحى المبارك هذا العام -وهو العيد الرابع الذي يمر على العراقيين منذ تفشي جائحة كورونا- وسط إقبال لافت من المواطنين على شراء حاجياتهم استعدادا لهذه المناسبة السعيدة.
وتقول أم رافد -وهي ربة منزل وتعيل أطفالها الثلاثة بالاعتماد على الراتب التقاعدي لزوجها الذي قتل في انفجار في بغداد عام 2008- “بالفعل هناك أزمة في العراق اقتصادية وصحية، وكلتاهما مرتبطتان بالأخرى، والمواطن العراقي من الطبقتين الوسطى والفقيرة أكثر المتضررين”.
وتضيف أم رافد “قمت بشراء الملابس لأطفالي وبعض احتياجات المنزل مع قرب عيد الأضحى بعد تسلم الراتب التقاعدي قبل أيام، وإذا لم أستلم وتأخر الراتب كما حدث العام الماضي فإنني لن أشتري شيئا لهذا العيد”.
نمو طفيف
ويتحدث أمجد حميد -وهو صاحب محال لبيع الأحذية والحقائب النسائية في عدد من المولات التجارية ببغداد- عن تنامي طفيف للقوة الشرائية منذ بداية الشهر الحالي.
ويقول حميد في حديثه للجزيرة نت إن “الوضع الحالي أفضل بكثير من أوضاع أعياد العام الماضي، حيث كنا لا نستطيع حتى تسديد بدل الإيجار الشهري لمحلاتنا، وقمنا بالبيع بنظام الآجل حتى لا نتعرض لخسارة مالية كما تعرضنا لها في بداية الحظر الصحي في مارس/آذار العام الماضي”.
ويشير إلى أن “السوق العراقي -خصوصا المختص بالحقائب والأحذية والملابس واللوازم الأخرى- له أوقات محددة ينشط فيها البيع وهي مع بدء العام الدراسي، وبما أن العام الدراسي تم إلغاؤه وتحول إلى التدريس عن بعد تبقى الأعياد فرصة أصحاب المحلات التجارية لبيع بضائعهم”.
ويعبر حميد عن امتعاضه من قرارات الحكومة في فرض حظر التجول بسبب جائحة كورونا الذي قد أضره كثيرا، في حين لم تعمل على تعويض خسائر بضائعنا المستوردة من الصين وتركيا”، مبينا أن” تقليل ساعات الحظر من الـ12 منتصف الليل إلى الخامسة فجرا ساهم بزيارات أكبر للمواطنين للأسواق والمولات التجارية”.
عوامل الانتعاش
تسببت الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلد خلال السنة الماضية وما رافقها من تأخير لصرف رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين بإحداث تغيير في سلوك المستهلكين العراقيين، ولا سيما أن الموظفين يشكلون الشريحة الكبرى منهم، والذين ترتبط توجهاتهم الشرائية باستقرار الرواتب”.
وتشير وزارة التخطيط العراقية إلى التنامي الملحوظ في القوة الشرائية للمواطنين منذ الشهرين الماضيين، كما يقول المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي.
ويقول الهنداوي إن الأسباب الرئيسية تتمثل في حركة اقتصادية تشهدها المحافظات العراقية من خلال المشاريع الاستثمارية التي تنفذها الدولة ضمن المستوى الاتحادي أو تنمية الأقاليم والذي انعكس بصورة جيدة على الاقتصاد العراقي.
وأضاف الهنداوي في حديثه للجزيرة نت أن تلك المشاريع ساهمت بتوفير فرص عمل جيدة للمواطنين، إضافة إلى تحسن أسعار النفط الخام العالمية، فضلا عن قيام المصارف الحكومية والخاصة بتوفير القروض الصغيرة من 5 إلى 10 ملايين دينار عراقي (6856 دولارا) لشريحة الموظفين، والتي ساعدت في تنامي القدرة الشرائية، وكذلك زيادة رواتب المستفيدين من شبكة الحماية الاجتماعية.
ويتفق الخبير في الشؤون الاقتصادية رامي محسن جواد مع هذا الرأي، ويقول إن “استقرار صرف الرواتب الشهرية بفضل ارتفاع أسعار النفط الخام، وإقرار الموازنة العامة لعام 2021 وما رافقه من تخفيف قيود الإغلاق، واستقرار سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي زاد من حالة اطمئنان المستهلك، مما شجعه على تعديل سلوكه الشرائي في الوقت الحالي قبل عيد الأضحى المبارك الذي كان متأثرا بعوامل العام 2020”.
ويحدد جواد خلال حديثه للجزيرة نت أسبابا أخرى ساهمت أيضا بانتعاش السوق العراقي، وذلك عندما صرفت الحكومة العراقية الرواتب المتراكمة منذ أكثر من سنة لشريحة كبيرة من الموظفين العاملين بصفة عقود وأجور يومية، وكذلك صرف الفروقات التقاعدية المتوقفة منذ أكثر من سنة لشريحة كبيرة من المحالين على التقاعد القسري نهاية سنة 2019 بعد تعديل قانون التقاعد.
ويشير المختص الاقتصادي إلى أن القوة الشرائية الحالية يمكن أيضا ملاحظتها من خلال عودة ارتفاع بيع الدولار من قبل البنك المركزي العراقي إلى مستوياته العالية قبل تغيير سعر الصرف السابق الذي كان عند 1180 دينارا للدولار الواحد.
ويقول المواطن مالك عواد إن “الفقير يأتي إلى هنا ليشتري بنطلونا وقميصا وحذاء وغيرها بمبلغ إجمالي لا يتجاوز سعر مفردة واحدة من الملابس والأحذية الجديدة المعروضة في المحال والمولات التجارية”.
وبحسب أصحاب بسطات البالة، لا تتجاوز أسعار الملابس والبناطيل والأحذية حاجز الألفي دينار (1.3 دولار) للقطعة الواحدة، في حين يصل سعر الجديدة إلى نحو 25 ألف دينار (ما يعادل 17 دولارا)، الأمر الذي يتناسب مع أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية.
بدوره، يقول أحمد نور الدين -وهو طالب في كلية الهندسة في جامعة ببغداد- إن “الوضع الاقتصادي عند الكثير من العوائل الفقيرة والمتوسطة لعب دورا كبيرا خلال العامين الماضيين في لجوء هذه الطبقات للبحث عن بدائل متنوعة لسد احتياجاتها”.
من جهتهم، أوضح تجار الملابس المستعملة في سوق الفتح ببغداد أن مصدر بضاعتهم يأتي من دول أوروبية وآسيوية وخليجية، وتكون أسعار البالات المستوردة من أوروبا الأعلى سعرا وتباع بالكيلو، قبل أن يقوم أصحاب البسطات بفرزها وبيعها بالقطعة الواحدة.
وتشهد أسواق البالة حاليا عروضا جديدة بأنسب الأسعار من الملابس والأحذية مع قرب عيد الأضحى، مما يجعلها أكثر ازدحاما بالمتبضعين، وأغلبيتهم من أصحاب الدخل المحدود والفقراء.
يشار إلى أن معدلات الفقر في العراق وصلت إلى نحو 30% خلال السنوات الأخيرة، بحسب إحصائيات رسمية.
المصدر : الجزيرة