تراجعت في الأسابيع القليلة الماضية فرص التوصل سريعاً إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي، بعدما طلبت طهران تأجيل الجولة السابعة والحاسمة من مفاوضات فيينا إلى ما بعد تسلّم إدارة الرئيس الجديد، إبراهيم رئيسي، مقاليد السلطة. في الأثناء، بدأت واشنطن تستعد لاحتمال فشل المفاوضات، مع تزايد قدرة إيران على التملّص من العقوبات الأميركية، وفق تقارير تتحدّث عن ارتفاع صادراتها النفطية الى الصين بنسب كبيرة، منذ وصول إدارة بايدن إلى الحكم مطلع هذا العام (2021). لكنّ الأهم من ذلك كله، بروز احتمال أن تعيد إيران النظر في سياستها النووية، في ضوء تقارير غربية عن جناح في النظام الإيراني، يدفع باتجاه المجازفة باتخاذ الخطوة الحاسمة نحو امتلاك قنبلة نووية، ووضع العالم أمام أمر واقع، كما فعلت الهند وباكستان عام 1998 وكوريا الشمالية عام 2006، باعتبار أنّ ذلك فقط كفيلٌ بدفع الغرب إلى التخلي عن محاولات تقويض النظام والدخول في حوار معه على قاعدة القبول به. وقد ألقى التقييم الذي أعلنته أخيراً الوكالة الدولية للطاقة الذرية بظلال من الشك بشأن جدوى التفاوض على إحياء اتفاق عام 2015 النووي، بعدما اتخذت إيران خطواتٍ لصنع صفائح وقود معدنية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، الذي يمثل، بحسب الوكالة، خطوةً مهمةً نحو إنتاج قنبلة نووية.
لكن بغضّ النظر عن الجدال الدائر بشأن فرص إحياء الاتفاق النووي ونيات إيران في هذا الخصوص، صار واضحاً أنّ إيران باتت تمتلك المعرفة اللازمة لصناعة قنبلة نووية، وأنّ المسألة لم تعد حول ما إذا كانت ستصبح قوة نووية، بل حول متى ستصبح قوة نووية، وهو ما تقرّ به واشنطن بتأكيدها أنّ الغرض من اتفاق 2015 في حال العودة إليه، تأخير قدرة إيران على امتلاك السلاح النووي من بضعة أشهر إلى سنة.
وفيما قد تضطر الولايات المتحدة، في نهاية المطاف، إلى التعايش مع إيران نووية، كما فعلت مع كوريا الشمالية، فإنّ تداعيات ذلك على الإقليم ستكون كبيرة. وفيما تبدو إسرائيل الطرف الأكثر إظهاراً للجزع، كما مقاومة إمكانية امتلاك إيران الخيار النووي، إلّا أنّها بعكس المعلن لن تكون الأكثر تأثّراً به، فأقصى ما تخسره إسرائيل هنا هو كسر احتكارها السلاح النووي. أما بشأن شعورها بالتهديد من امتلاك إيران سلاحاً نووياً، ففيه كثير من المبالغة والكلام المرسل. وعلى الرغم من التهديدات الجوفاء، بإزالة إسرائيل من الوجود، التي استنفدت الغرض منها مع انقضاء أيام رئيس إيران الأسبق، محمود أحمدي نجاد، وإثمار المفاوضات السرية مع الأميركيين اتفاقاً عام 2013، فالحقيقة التي لا تحتاج إلى برهان، أنّ إسرائيل، بامتلاكها أكثر من 300 رأس نووي، هي من يملك القدرة على إزالة إيران عن الخريطة، وليس العكس، هذا إذا قبلنا أصلاً بإمكانية حصول صدام شامل بين الطرفين، في ظلّ تركيزهما كلياً على تحطيم العرب، فإيران مستغرقة بإخضاع المشرق العربي من بغداد إلى بيروت، ومن دمشق إلى صنعاء، وقد أسدت لإسرائيل صنيعاً عظيماً بتفكيك دوله ومنع نهوضه، باعتبار أنّ ذلك يمثّل التهديد الأكبر لها. إسرائيل منشغلة كلياً في إخضاع الفلسطينيين، ومنع أيّ إمكانية لإقامة دولة مستقلة خاصة بهم على أيّ شبر من أرض فلسطين، باعتبار أنّ ذلك يمثل التهديد الأكبر لوجودها. في الأثناء، قد يحصل اشتباك هنا أو تداخل هناك، فيما يسعى كلّ طرفٍ إلى مدّ نفوذه، لكنّ ذلك إذا حدث يبقى ضمن الحدود “المقبولة”.
باكستان تملك قنبلتها النووية، ولن تتأثر كثيراً بامتلاك إيران واحدة. أما تركيا، فتعمل بهدوء، منذ بعض الوقت، على امتلاك المعرفة النووية الخاصة بها أيضاً، وهي لن تقبل حتماً أن تبقى خارج النادي النووي، إذا انضمت إيران إليه.
يبقى العرب الأكثر تأثّراً باحتمال امتلاك إيران قنبلة نووية، إنّما الأقل حيلة تجاهه، فالاستراتيجية العربية لا تخرج عن حدود مراقبة مفاوضات فيينا بانتظار نتائجها، اتفاقاً أو اختلافاً، ومحاولة احتواء تداعياتها. جزء منهم يتوهم بإمكانية الاعتماد على وعد أميركي بمنع حيازة إيران قنبلة نووية، أما الأكثر بؤساً بينهم، فيتوهم بإمكانية الاحتماء من القنبلة الإيرانية بالقنبلة الإسرائيلية. قلة قليلة ترى الحلّ في بروز خيار نووي عربي، لكنّها لا تجد من يملك الجرأة على مجرّد الجهر بطرحه.
مروان قبلان
العربي الجديد