وأخيرا، وبعد اكثر من عدة سنوات على قيام الانتفاضة السورية ضد الرئيس السوري بشار الأسد حسمت روسيا أمرها، بشن مقاتلاتها غارات جوية قبل عدة أيام على مواقع تزعم بأنها تعود إلى تنظيم الدولة “داعش”في سوريا. إلا أن التقارير الاستخباراتية الدولية وتصريحات وزراء دول كبرى كجون كيري كشفت عبر وسائل الإعلام بأن تلك الطلعات لم تستهدف تنظيم الدولة وإنما معارضي الرئيس السوري بشار الأسد والعناصر التي دربتهم الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا، ومع ذلك لم يتوقف هذا التدخل الروسي العسكري عند هذا المستوى، وإنما امتد ليشمل بلاد الرافدين، حيث أكدت بغداد رسمياً وجود تنسيق عسكري روسي عراقي إيراني سوري، للقضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، ليكتمل بذلك تنسيق الحلف الروسي الإيراني السوري العراقي على مختلف المستويات السياسية والعسكرية، فيما كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يتحدث لشبكة “سي بي سي” الإخبارية عن سعيه إلى وضع ما وصفه بـ “إطار منسق مع الشركاء لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية”، مضيفاً “اقترحنا التعاون مع دول المنطقة. نحاول وضع نوع من الإطار المنسق.”وفي ظل تفاوت التأويلات حول التمدّد الروسي نحو العراق والغطاء الأميركي له، بعد التدخل المباشر في سورية، يرى مراقبون أنه يأتي كنوع من المساومة مع الأميركيين على الملف السوري، وبهدف إنقاذ رئيس النظام السوري بشار الأسد.
وكأن بغداد على موعد تاريخي آخر مع حلف مغاير تماما عن “الحلف بغداد” الذي دشن في العام 1956م، إذ أن ذلك الحلف كان بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة العالم الغربي في مرحلة الحرب الباردة والذي كان يهدف تطويق ومحاصرة ومحاربة المد الشيوعي في الشرق الأوسط وخاصة في العالم العربي، أما حلف بغداد الجديد ومن المفارقات التاريخية تقوده وريث الاتحاد السوفييتي، روسيا الإتحادية لتعلن من بغداد عن وجودها ونفوذها في المشرق العربي.
فمن جانبه رحب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بأي جهد عسكري روسي ضد تنظيم الدولة داخل العراق، وفي إطار هذا الترحيب أعلنت روسيا أنها على إستعداد تام لتوجيه ضربات عسكرية جوية ضد ذلك التنظيم في العراق اذا طلبت الحكومة العراقية منها ذلك.
وأثار هذا الإعلان حفيظة قوى سنية وكردية عراقية، فضلاً عن قوى مدنية مستقلة كالحزب الشيوعي والتيار المدني والكتلة المسيحية بالبرلمان، معتبرين أنه تحالف طائفي واضح يؤجج للمزيد من العنف في البلاد والمنطقة.
ويرى عضو التيار المدني العراقي،عبد اللطيف العبيدي أن “هذا التحالف لا يمكن القبول به. ونرى أن دول التحالف الأربع هي بالأساس من خلقت (داعش)؛ روسيا وسورية والعراق وإيران من خلال دعم (الرئيس السوري) بشار الأسد وجرائمه، ودعم (رئيس الحكومة العراقية السابق نوري) المالكي وجرائمه في سورية والعراق”. وأضاف أنّ “التحالف يلهب الساحة الطائفية بالعراق”
بدوره، يعتبر الخبير بالشؤون العراقية، ماجد حسين الأسدي، أن “الحركة الروسية في بغداد مجرد مناورة ولعب، للضغط على واشنطن من أجل الملف السوري؛ كونها تعلم أن واشنطن لن تترك العراق وتتخلى عنه لصالح روسيا، بعد التضحيات البشرية والمادية التي قدمتها بهذا البلد منذ العام 2003″، على حد قوله. ويرى الأسدي أنه “قد يكون الأمر من باب (هذا لي وهذا لك)، بحيث تكون سورية من حصة روسية، والعراق من حصة الولايات المتحدة. ونحن نتحدث عن روسيا هنا بمعنى أن إيران معها”.
أن المخاوف تبقى من تداعيات هذا التحالف على الارض، اذ شهد –ولايزال- يشهد العراق منذ الاحتلال الامريكي له في 9نيسان/إبريل من العام 2003م، وحتى يومنا هذا انقسام طائفي حاد، وأن أي تحرك عسكري روسي وايراني سيجذر من هذا الانقسام وسيحضر العراق لحرب جديدة غير معروفة الأبعاد.
ومنذ أحداث الربيع العربي وروسيا تقدم الدعم العسكري للعراق وسوريا من أجل ترسيخ وجودها في المشرق العربي وخاصة في سوريا وتحويل هذا التحرك الى تأثير فاعل، ومع إعلانها حلفها الاستراتيجي مع ايران والعراق وسوريا بات نفوذها واقعا ملموسا لتشهد منطقة الشرق الاوسط بشكل عام والمشرق العربي بشكل خاص تحولا في موازين القوة العالمية, وهذا مما لاشك فيه له ارتداداته السلبية على المشهد السياسي في العراق الذي سيستضيف مقر الحلف الجديد في وزارة دفاعه.
فبعد أن رشح وكيل ايران في لبنان حزب الله أنه جزء من هذا التحالف عبر الاعلام التابع له أو القريب منه (أربعة زائد واحد ), وبالطبع فإن الواحد هنا المقصود به هو حزب الله لنستشف من ذلك أن الميليشيات العراقية التابعة لايران والتي تحظى بأجهزة استخبارية تفوق ما تمتلكه الحكومة العراقية هي جزء أساسي ومكمل للعراق في الحلف. وهذا يعني تعزيز قوتها في مواجهة المكون السني في العراق والوقوف ضد الارادة الامريكية التي ترغب في إنهاء دورها، ومن جهة اخرى ستعمل هذه الميليشيات من خلال الحلف على إضعاف التيارات في المجتمع المدني العراقي ذات التوجهات الرافضة للنفوذ الايراني في العراق. لا سيما أن الميليشيات العراقية التي ستعمل ضمن هذا التحالف وخاصة فيلق بدر وعصائب أهل الحق وكتائب جزب الله أعلنت مرارا رفضها الدائم لإصلاحات رئيسها حيدر العبادي.
أن التنسيق والتعاون ليسا بجديدين اذ سبق ان اعلن عنهما قبل مدة طويلة والدليل على ذلك سرعة ظهور نتائج الحلف والمتمثلة بالغارات الجوية العسكرية في سوريا والتي تهدف في حدها الادنى في المحافظة على حليف روسيا بشار الاسد، وفي حدها الاعلى الحفاظ على ديمومة وصول روسيا الى شواطئ شرق البحر المتوسط،كما رأت في التدخل في سوريا لحل مشكلتها مع الغرب والمتمثلة بالعقوبات التي فرضت عليها على خلفية أزمة أوكرانيا، كما تهدف روسيا من هذا التدخل قتل المزيد من الشعب السوري وتشريده ودفعه للهجرة نحو أوروبا لمارسة الضغط عليها، وربما أيضا تحجيم النفوذ الأمريكي ليصل إلى مستوى”الطرد” من منطقة الشرق الأوسط وهذا الأمر يتعلق بالمتغيرات الميدانية في سوريا والعراق. عليه فأي تسوية سياسية مستقبلية للمشهد السوري من منظور روسيا يجب أن يحافظ على مصالحها الاستراتيجية ذات المدى البعيد في المشرق العربي، وفي هذا السياق جاء التدخل العسكري الروسي في سوريا.
يمكن القول ان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي دخل الحلف تحت بفعل تأثير الحكومة الايرانية التي تسيطر منذ عام 2006 والى يومنا هذا على مفاصل النظام السياسي العراقي بشقيه الحكومي وغير الحكومي , لذا ترى ايران في هذا الحلف وسيلة لتأكيد نفوذها على العراق وردا صريحا على اصلاحات حيدر العبادي التي تمثل خطرا على نفوذها في العراق، كما تمثل أيضا تهديدا لحكم الاحزاب الدينية الموالية لها.
كما يثير الاعلان عن هذا التحالف وسرعة تحركاته عدة أسئلة منها : هل العراق في ظل هذه الظروف المجتمعية بحاجة إلى هكذا نوع من الاحلاف ؟ وهل هذا التحالف فُرض على الرئيس حيدر العبادي أم أنه بحاجة إليه؟ وكيف سيؤثر هذا الاتفاق على العلاقات التركية الامريكية ؟ واخيرا هل سيؤجج هذا التحالف الصؤاع الطائفي ويقضي على كل محاولات المصالحة العراقية.
يمكن القول أن العراق بأمس الحاجة إلى تعاون صادق وجدي من الدول الاقليمية والدولية في الجماعة الدولية للتوصل الى حل دبلوماسي يطوي الصفحة المريرة من تاريخ العراق المعاصر والتي قادت في صفحة من صفحاته الى حرب طائفية.
فالعراق حتما ليس بحاجة لاي جهد سواء كان عربيا أو اقليميا أو دوليا يرمي إلى تفجير المجتمع العراقي طائفيا، فهذا الحلف مما لا شك فيه ربط ما بين المشهد العراقي والمشهد السوري كما أنه ربط أيضا مصير الشرق الاوسط بالصراع الطائفي السني الشيعي والصراع الامريكي الروسي في سوريا , هذا بالطبع أزّم المشهد الاقليمي وحوله الى لغة منتصر ومهزوم اذ أن المنهزم في هذا المشهد ليس فقط العراقي أو السوري وانما جميع الدول العربية التي تركت العراق للنفوذ الايراني وسوريا للنفوذ الروسي.
ومن المفيد الاشارة هنا وعلى عكس ما نُقل في وسائل الاعلام المختلفة بشأن انشاء الحلف يمكن القول أنه خلال اللقاء الذي اُجري بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن الاخير طلب تنسيق استخباراتي وأمني مشترك بين الدولتين بدون علم البرلمان ورئيس الجمهورية العراقية, فمن جانبه أوعز الرئيس الروسي لوزير دفاعه مناقشة هذا الامر ليتفاجأ رئيس الوزراء العراقي-فيما بعد- بأن روسيا قامت بالاعلان عن حلف دولي يضم كل من سوريا والعراق وايران، وبذلك وضع رئيس الوزراء العراقي تحت الامر الواقع، إذ هي سويعات ليتحول الحلف من استخباراتي الى سياسي وعسكري.
فعلى المستوى العراقي أصبح تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” ذريعة كل يريد أن يقضي عليه ولكن لمصالحه الخاصة، اذ الكل الفرقاء السياسيون يتصرفون من منطلق من سيكسب أكثر من هزيمة داعش هل تركيا أم ايران أم العرب السنة أم الشيعة؟
لذا وظفت داعش هذه التناقضات على الساحة العراقية والاقليمية بما يخدم مصالحها في التمدد والتوسع وما يؤكد على صحة هذا التحليل أن الولات المتحدة الامريكية اقرت أن الغارات الدولية على داعش لم تضعفها وانما عززت من قوتها, لذا وأمام هذا المشهد إما أن يكون العراق بحلف يضم روسيا وايران، لتطبق النموذج السوري على الحالة العراق، وتشكل سورية القاعدة التعبوية للعراق، لتنتقل فيما بعد الميليشيات الشيعية الأفغانية والباكستانية والنيجرية والكورية والأكرانية لكي تقاتل إلى جانب الحشد الشعبي في حربها المقدسة!! أو تطرأ متغيرات تعيد التموضع من جديد.
تتفق معظم مراكز الدراسات والأبحاث في الولايات المتحدة الامريكية بأن سياسة الرئيس باراك أوباما الانعزالية في الشرق الاوسط والتي تتناقض مع الرئيس الامريكي السابق جورج دبليو بوش، فالانعزالية الأوبامية أدت إلى تراجع التأثر السياسة الأمريكية في دولة محورية أو مركزية في الشرق الأوسط وهي العراق.
ولعل هذا التراجع مرده يعود إلى قناعة الرئيس الامريكي باراك أوباما بأن الشرق الاوسط لم يعد يشكل أهمية في السياسة الخارجية الامريكية وعليه أن يركز اهتمامه نحو آسيا الباسيفكية، وعليه فلا بأس من دخول روسيا في المستنقع السوري كي تغرق فيه على غرار ما حدث مع الاتحاد السوفييتي في افغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.
وعلى الرغم من ذلك فإن الولايات المتحدة الامريكية مستاءة جدا من السلوك العراقي ومن هذا التحالف إذ أصبحت العاصمة العراقية بغداد تمثل مركزين استخباراتيين لجهتين متناقضتين في السياسة والأهداف الأول مركز يمثل دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة الامريكية في مواجهة تنظيم الدولة”داعش” والثاني بقيادة روسيا للانقضاض على الثورة السورية والمكون السني في العراق بحجة محاربة داعش. فهو تحالف مغلق وإن لم يكن كذلك فلماذا لم ينضم إلى الحلف الأمريكي؟ وإذا كان على العكس من ذلك هل سيقبل في عضويته دول الخليج العربي؟ فهي بالتأكيد لن تقبل لأي دولة خليجية بالانضمام في هذا التحالف وخاصة المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات لأن هذا العدوان الروسي بالأساس هدفه مواجهة معارضي بشار الأسد الذين تدعمهم دول الخليج العربي.
وفي رد سريع على التحالف الرباعي الذي انضمت له العراق، بادرت الولايات المتحدة الأمريكية باتخاذ إجراءات فورية على الأرض كنوع من العقوبات. وإن القوات الأميركية بدأت منذ مساء الجمعة بإيقاف عمليات التصوير الجوي في الرمادي، والتي كانت تزود بها الجيش العراقي في حربه ضد «داعش»، وهو الأمر الذي يعد فقدانا للعراق عيونه الجوية التي يراقب بها «داعش» في الرمادي.
ولم تتوقف واشنطن عند هذا الأمر، بل زادت أنها ستوقف عمليات الرمادي وملاحقة «داعش»، والتي كان مخططا لها في وقت سابق، وهو الأمر الذي يتوقع أن يزيد من قوة «داعش» ويسهل عليه العمليات العسكرية على الأرض، إضافة إلى أن أميركا لن توفر أي غطاء جوي للعمليات التي ستقوم بها القوات العراقية ضد «داعش»، وهو الأمر الذي يتوقع أن يزيد الأوضاع تعقيدا، ويمثل خطرا على بغداد من “داعش”.
فمن الصعوبة بمكان التصديق بنية حلف بغداد الجديد الذي فجّر برميل البارود في المشرق العربي أنه أنشأ لخير الشعوب في المنطقة العربية، ولمواجهة تنظيم الدولة، فسجل الدول المنضوية تحت لوائه في مجال انتهاك حقوق الإنسان لمواطنيهم غني عن الشرح والتفصيل، لذا لا يمكن حل المعضلة العراقية والسورية في ضوء المقاربات الطائفية والتدخلات الخارجية الانتهازية وإنما بقدر تمسك العراقيون والسوريون بالهوية العربية التي تعد هوية جامعة وبها تنصهر الهويات الفرعية سواء كان سني أو شيعي أو مسيحي، فبغير هذه الهوية الجامعة من الصعوبة بمكان الحديث عن عراق موحد أو سوريا موحدة، فتحالف بغداد لن يؤدي إلا للمزيد من الفرقة والانقسام الطائفي.
وحدة الدراسات العراقية