سلّط تقرير أممي جديد الضوء على مدى المخاطر المحدقة بالقارة الأفريقية جراء تنامي وجود الجماعات المسلحة الموالية لتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية وسط تساؤلات عن الخطط الأميركية والأوروبية لمساعدة دول المنطقة في إنهاء آفة الإرهاب المتفاقمة والمتسعة.
واشنطن- وجدت أفريقيا نفسها أمام تحديات وأزمات أمنية متفاقمة مع تحول مناطق واسعة منها إلى ملاذات آمنة لجماعات مسلحة إرهابية تنتمي إلى تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، في الوقت الذي تبحث فيه عن دعم خارجي لإنهاء مخاطر آفة الإرهاب في منطقتي الساحل والقرن الأفريقيتين.
وفتح الانسحاب الأميركي من أفغانستان باب التساؤلات واسعا بشأن الخطط المستقبلية للإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن في مكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية، التي صنفها تقرير جديد للأمم المتحدة بأنها “الأكثر تضررا من الإرهاب هذا العام”.
ولا تزال تهديدات الإرهابيين متواصلة في منطقتي الساحل والقرن الأفريقيتين، واللتين تحولتا إلى ملاذات آمنة للجماعات الإرهابية والمسلحين الذين يستغلون الأوضاع الأمنية المتدهورة في عمليات التهريب والفساد والاتجار بالبشر.
ويتساءل خبراء دوليون بشأن خطط إدارة بايدن المستقبلية والاتحاد الأوروبي والداعمين الإقليميين في القارة الأفريقية، خاصة في ضوء تخطيط مماثل من فرنسا، التي قادت عملية عسكرية قبل سنوات في شمال مالي ومنطقة الساحل للانسحاب من تلك المناطق.
لكن عودة بعض العمليات العسكرية الخاطفة للولايات المتحدة قبل أيام استهدفت حركة الشباب الصوماليين بعد توقف دام ستة أشهر أعاد التساؤلات حول الرؤية الجديدة لإدارة بايدن في مكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي.
يقول البنتاغون إن الجيش الأميركي نفذ الجمعة ثاني ضربة جوية ضد جهاديي حركة الشباب على بعد 500 كلم شمال شرق العاصمة الصومالية مقديشو، مشيرا إلى أنّ الهجوم نفّذته طائرة بلا طيّار، حيث لم يكن هناك أيّ جندي أميركي على الأرض إلى جانب الجيش الصومالي.
ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض حدّ بايدن من استخدام الطائرات المسيّرة ضدّ الجماعات الجهادية خارج ساحات الحرب التي تُشارك فيها الولايات المتحدة بشكل رسمي، مخالفاً بذلك سياسة سلفه دونالد ترامب الذي أعطى تفويضاً مطلقاً للعسكريّين في دول مثل الصومال وليبيا.
وتؤكد سيندي كينغ المتحدثة باسم البنتاغون أن الجيش الأميركي “مخوّل لتنفيذ ضربات لدعم قيادات عسكريّة شريكة للولايات المتحدة وفقاً لقانون يعود إلى العام 2001 يُجيز استخدام القوّة ضدّ الجماعات الإرهابيّة”.
وردّاً على سؤال هذا الأسبوع عن استئناف الضربات في الصومال، أكّد المتحدّث باسم وزارة الدفاع جون كيربي أنّ قائد “أفريكوم” الجنرال ستيفن تاونسند يتمتّع بسلطة كاملة للردّ على أيّ طلب في هذا الإطار من جانب الحكومة الصوماليّة.
ويقول كيربي إنّ هذه الضربات “تؤكّد التهديد الذي يُواصل مقاتلو حركة الشباب تمثيله في الصومال والقرن الأفريقي”، مشيرا إلى أن “هذا التهديد لا يزال كبيراً، وسنبقى يقظين حياله”.
وكان الرئيس السابق دونالد ترامب، منذ بداية ولايته في عام 2016، قد خفف من السيطرة التي مارسها باراك أوباما على العمليّات المسلّحة ضدّ الجماعات الجهاديّة، مؤكّداً أنّه “يثق في جنرالاته”. وبعد ذلك، شهد عدد ضربات الطائرات المسيّرة ارتفاعاً من 11 عمليّة في الصومال في 2015 إلى 64 في 2019 و54 في 2020، وفقاً لمنظّمة “أيروورز” المتخصّصة.
ويسود اعتقاد واسع أن الإدارة الأميركية ستعمل ضمن الخطط العسكرية الاستراتيجية التي اتبعتها الإدارات السابقة في أفريقيا، عبر شن هجمات خاطفة ضد ما يراه البنتاغون تهديدا مباشرا للمصالح الأميركية، وسط شكوك حول جدوى تلك العمليات على المستوى الأمني لدى الجماعات الجهادية المنتشرة في القارة السمراء.
وكانت استراتيجية الولايات المتحدة ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 تقوم على “الدفاع الأمامي العدواني”، أي محاربة الإرهابيين في أماكن انتشارهم بدلا من مقاتلتهم داخل الولايات المتحدة، لكن تلك الاستراتيجية تراجعت أمام خفوت الأخطار الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط والتمكن من القضاء على تنظيم القاعدة في أفغانستان ومن ثم تنظيم داعش في العراق وسوريا.
لكنّ التهديدات الإرهابية مازالت قائمة في تلك المناطق، بالإضافة إلى أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان ساهم بشكل كبير في عودة قوية لحركة طالبان المتشددة التي سيطرت على مناطق واسعة من البلاد وسط ضعف شديد تعانيه الحكومة المدعومة من واشنطن في كابول.
وفي مايو الماضي كتب ماثيو ليفيت وهو مدير برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن “سواء أكان تنظيما القاعدة والدولة الإسلامية أو الجماعات الأخرى في أفريقيا تشكل تهديدا مباشرا للولايات المتحدة اليوم أم لا، فإن أفريقيا أصبحت بؤرة إرهابية سريعة النمو”.
وحذر ليفيت حينها من “الانتظار إلى أن ينتشر هذا التهديد الإرهابي ويشكل فجأة تهديدا مباشرا للولايات المتحدة، قبل اتخاذ قرار الانخراط بشكل نشط للمساعدة في مكافحة الإرهاب في أفريقيا”.
وفي مارس عام 2019 تحدث قائد “أفريكوم” في أفريقيا الجنرال توماس والدهاوزر أمام لجنة في الكونغرس عن أن “التهديدات التي نعمل ضدها لا تشكل بالضرورة تهديدا للوطن، وقد لا تشكل تهديدا للمنطقة ككل”. ويبدو أن الخطة الأمنية الأميركية تعمل على التركيز أكثر على العمليات العسكرية الخاطفة لإضعاف تحركات الجهاديين فقط من دون القضاء عليهم نهائيا.
وفي ظل الخطط الأميركية والأوروبية لتخفيض الوجود العسكري في مناطق النزاع، يقول خبراء أمميون في تقرير جديد قدّم الجمعة إلى مجلس الأمن الدولي إن أفريقيا أصبحت المنطقة الأكثر تضررا من الإرهاب في النصف الأول من هذا العام، حيث نشر تنظيما داعش والقاعدة والجماعات المتطرفة التابعة لهما نفوذهما، وسط تعزيز مكاسب وسط المؤيدين والأراضي وتحقيق خسائر كبيرة في الأرواح.
وتسود مخاوف حقيقية في القارة الأفريقية من عودة أنشطة تنظيمي القاعدة وداعش بقوة بفعل تخفيف الوجود العسكري الفرنسي والأميركي من تلك المناطق.
ورسمت سيطرة حركة طالبان المتشددة واقعا على الأرض أكثر سوداوية في أفغانستان أمام الهزائم العسكرية للقوات الأفغانية ووضع يدها على أكثر من نصف المقاطعات الأفغانية حسبما يؤكد البنتاغون. كما أن المخاطر الإرهابية المحدقة بالدول الأفريقية القريبة من أوروبا تشكل تحديا أمنيا لا تمكن الاستهانة به.
وكان قائد عملية برخان العسكرية الفرنسية لم كافحة الجهاديين في منطقة الساحل الجنرال مارك كونرويت قد صرح بأنّ جيوش دول المنطقة “قادرة تماماً على التصدّي” للجماعات الجهادية.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يونيو الماضي عن عزمه تقليص الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل وكذلك إنهاء عملية برخان (عديد قواتها حاليا 5100 جندي)، وتركيز جهود بلاده جنوباً حيث تواصل الجماعات الجهادية “نشر التهديد”.
وتؤكد لجنة الخبراء الأمميين أن انتشار تنظيمي القاعدة وداعش في أجزاء من غرب أفريقيا وشرقها ساعد في أن يجعل المنتسبين إلى كلا المجموعتين أن يتباهوا بقدراتهم المتزايدة في جمع التبرعات والأسلحة، بما في ذلك استخدام الطائرات دون طيار.
ويرى التقرير الأممي الجديد أن العديد من أقوى الجماعات الموالية لتنظيم داعش تنتشر في إقليم وسط أفريقيا وغربها، بالإضافة إلى وجود تنظيمات موالية للقاعدة في الصومال ومنطقة الساحل الأفريقي.
يسود اعتقاد واسع أن الإدارة الأميركية ستعمل ضمن الخطط العسكرية الاستراتيجية التي اتبعتها الإدارات السابقة في أفريقيا، عبر شن هجمات خاطفة ضد ما يراه البنتاغون تهديدا مباشرا للمصالح الأميركية
ويكشف الخبراء أنه من “المثير للقلق” أن هذه الجماعات الإرهابية تنشر نفوذها وأنشطتها عبر الحدود من مالي إلى بوركينا فاسو وساحل العاج والنيجر والسنغال وكذلك التوغل من نيجيريا إلى الكاميرون وتشاد والنيجر في غرب أفريقيا، بالإضافة إلى وجود أنشطة قوية امتدت من الصومال إلى كينيا ومن موزمبيق إلى تنزانيا.
وينشط تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي في دول الساحل الأفريقي مستغلا الأوضاع الأمنية الصعبة في ليبيا ومالي منذ 2011، ووسّع نشاطه لاحقا إلى جانب تنظيم داعش وتنظيمات جهادية محلية أخرى في بوركينافاسو والنيجر وتشاد.
وفي تقرير للأمم المتحدة نشر في التاسع من نوفمبر من العام الماضي وصف الهجمات الإرهابية المعقدة والمتكررة في منطقة الساحل على أنها “منسقة بشكل جيد” مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، وهي جماعة مشكلة من مجموعات عسكرية مسلحة متطرفة تنشط في المنطقة.
وكان أحد “الأحداث الأكثر إثارة للقلق” في أوائل العام 2021 عندما اقتحم فرع تنظيم داعش لفترة وجيزة ميناء موزمبيق الاستراتيجي في بالما بالقرب من الحدود مع تنزانيا “قبل الانسحاب مع الغنائم”، حيث جعل المنطقة ضمن أهداف سهلة مستقبلية.
وتحذر الأمم المتحدة من أن تدابير الإغلاق داخل أفريقيا وإغلاق الحدود في أوروبا وغيرها من المناطق غير الخاضعة للنزاع أدت إلى إبطاء وتجمّع الناس “مع زيادة خطر التطرف عبر الإنترنت”، حيث يرى الخبراء أن الهجمات الإرهابية “ربما تم التخطيط لها في مواقع مختلفة أثناء الوباء، وسيتم تنفيذها عند تخفيف القيود”.
وتعاني دول واسعة في القارة الأفريقية من تداعيات اقتصادية وسياسية لاستفحال أزمة الوباء، وانتشار تهديدات محلية للمسلحين والإرهابيين.
وفاقمت جائحة كورونا وتداعياتها المشكلات في أفريقيا، حيث تطمح دول مجموعة الساحل وبلدان أفريقية أخرى إلى جذب استثمارات ومشاريع لإحداث التنمية للقضاء على أسباب تنامي ظواهر الإرهاب والتطرف والتهريب والجريمة العابرة للحدود. وتؤرق تلك المشكلات دولا عديدة في شمال القارة الأفريقية وجنوبها وتعقّد مساعي إنهاء الأخطار الإرهابية المتفاقمة.
العرب