هل تحكم طالبان أفغانستان مجددا؟

هل تحكم طالبان أفغانستان مجددا؟

أجرى الكاتب والمحلل الأمريكي نيسيد هاجاري، مقابلة مع الصحافي والكاتب والمؤلف الباكستاني، أحمد رشيد حول فرص عودة طالبان للحكم بعد انسحاب القوات الأمريكية والدولية من أفغانستان، وفيما يلي مقتطفات من المقابلة التي نشرتها وكالة بلومبرغ للأنباء:

نيسيد هاجاري: أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن القوات الأمريكية ستغادر أفغانستان في نهاية الشهر المقبل، منهيا بذلك انخراط حلف شمال الأطلسي في البلاد على مدار 20 عاما. وتردد أن أجهزة الاستخبارات الأمريكي توقعت أنه بمجرد انسحاب الولايات المتحدة قد تنهار الحكومة الأفغانية فى غضون ستة أشهر، مع احتمال عودة طالبان إلى السلطة. لقد قمت بتغطية شؤون أفغانستان وكتبت عنها لعقود.

إن كتابكم الذي نشر فى عام 2000 بعنوان “طالبان: الإسلام المتشدد والبترول والأصولية في آسيا الوسطى” سجل صعود طالبان وأصبح من الكتب الأكثر مبيعا فى الغرب بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001. لديك وجهة نظر فريدة حول ما يعنيه إعادة ظهور طالبان في المشهد المستقبلي للبلاد. هل تفاجأت بالسرعة التي حققت بها طالبان مكاسب منذ إعلان بايدن؟

أحمد رشيد: “نعم، بالتأكيد. لقد كانت مفاجأة كبيرة للأفغان والأمريكيين والمراقبين الخارجيين. وأعتقد أن جميع أطراف هذا الصراع قد ارتكبت أخطاء مروعة. أعتقد أن الأمريكيين أعطوا الكثير لطالبان. ولم يتمكن الرئيس الأفغاني أشرف غني من توحيد ساسته وأمراء الحرب حوله. هناك وضع مثير للخلاف في كابول. وقد ادعت جميع الدول المجاورة لأفغانستان أنها تريد رؤية السلام، لكنها لم تساعد في تحقيق ذلك في واقع الأمر”.

ولا تزال حركة طالبان، بعد عام ونصف العام من المفاوضات، لم تخبر الشعب الأفغاني بما تريده.

فهل لا يؤمنون بالديمقراطية، أم أنهم يؤمنون بها؟ ليس لدينا أدنى فكرة. هناك جيل أصغر سنا من طالبان الذين قد يكونون أكثر رغبة في نوع من الحكومة التمثيلية. لكن هناك حرس قديم من القادة وأشخاص متأثرون بالقاعدة.

وكان بعضهم في غوانتانامو. إنهم متشددون للغاية. وهم لا يؤمنون بما يعتبرونه أفكارا سياسية غربية.

نيسيد هاجاري: هل أنت مندهش من مدى مرونة الحركة؟ فبعد 20 عاما، هزمت الحركة ثم تحورت ثم تولد الآن من جديد؟

أحمد رشيد: إن جوهر طول عمر طالبان هو أن لديها ملاذا آمنا جدا في باكستان. كان ذلك جوهر مشكلة أمريكا، وهي أن طالبان تمكنت من تجديد نفسها.

ففي الوقت الحالي، على سبيل المثال، هناك جرحى من طالبان في مستشفيات في المدن الباكستانية. والحكومة الأفغانية غير قادرة على توفير هذا النوع من المرافق لجنودها، والكثير منها في مناطق بعيدة من أفغانستان. المشكلة الثانية كانت، على ما أعتقد، عدم وجود استراتيجية أمريكية حقيقية منذ عام 2009، عندما أرسل الرئيس (الأسبق باراك) أوباما آلاف الجنود إلى أفغانستان، أو حتى قبل ذلك بعد 11 أيلول/ سبتمبر، عندما كانت هناك فرصة للأمريكيين للتفاوض مع طالبان. هذا ما أراده العديد من عناصر طالبان، لكن الأمريكيين رفضوا الفكرة.

نيسيد هاجاري: ما مدى اختلاف حركة طالبان هذه عن تلك التي كتبت عنها في كتابك الأول؟

أحمد رشيد: حسنا، طالبان التي التقيت بها في البداية في عام 1993، التي اجتاحت أفغانستان آنذاك، كانت بريئة جدا، وبمعنى آخر، ساذجة جدا. كان لديهم مفهوم ضئيل جدا عن أي شيء أساسا باستثناء القتال. ولم تكن لديهم أفكار بشأن إعادة بناء أفغانستان أو كيفية الحكم. ولم ينظر إليها على أنها حركة عملية بشكل خاص، لكنهم وعدوا بإنهاء وضع أمراء الحرب والحرب الأهلية. وهذا شجع الكثير من الأشخاص على الانضمام إليهم وقبولهم. وبعد أن استولوا على كابول في 1996-1995، أصبحوا طرفا آخرا لأمراء الحرب، وبدأوا في محاولة غزو شمال أفغانستان وقمع جميع المجموعات العرقية الأخرى.

لقد فقدوا قدرتهم على رئاسة نوع جديد من الحكومة في أفغانستان تماما لأنهم استغرقوا عدة سنوات للاستيلاء على بقية البلاد. وبمجرد أن فعلوا ذلك وبدأوا في حكم البلاد، لم يكن لديهم أي فكرة عن كيفية القيام بذلك.

أما بالنسبة لكيفية اختلافهم الآن، أعتقد أنهم اكتسبوا الكثير من الخبرة. على سبيل المثال، لم يسمحوا أبدا لوسائل الإعلام في التسعينيات. وهم الآن بارعون إعلاميا، وهو أمر تعلموه من تنظيم “القاعدة”. ولكن لا تزال هناك مخاوف هائلة بشأن الكيفية التي سيحكمون بها. ليس لديهم نخبة متعلمة. ونشأ الكثير من أبناء الجيلين الثاني والثالث من طالبان في باكستان في مخيمات اللاجئين وهم أفضل تعليما. ولكن ما إذا كان سيسمح لهم بالخروج إلى الواجهة في نظام طالبان أمر مشكوك فيه.

نيسيد هاجاري: كانت الحركة الأصلية تخضع لرقابة مشددة جدا من الأعلى، وكانت مركزية جدا وهرمية. هل ما زال الأمر هكذا؟

أحمد رشيد: إنها مركزية للغاية. ولكن الشيء الأكثر استثنائية، على ما أعتقد، الذي فاجأ الكثير من الناس، هو أنها منضبطة للغاية. كانت هناك انقسامات داخل طالبان في منتصف التسعينات وبعد 11 أيلول/ سبتمبر. ولكن خلال العام أو العامين الماضيين، أدت المفاوضات مع الأمريكيين إلى الالتفاف حول راية طالبان. لقد كانوا أكثر انضباطا وتوحدا، سواء من الناحية العسكرية أو من الناحية السياسية، من الحكومة في كابول. وبطبيعة الحال، فإن قواتها العسكرية مستوحاة من حقيقة أنها الآن على وشك غزو أفغانستان مرة أخرى.

نيسيد هاجاري: كل هذه البلدان المجاورة تتواصل الآن مع طالبان، ويرجع ذلك جزئيا إلى قلقها من امتداد العنف أو المخدرات أو اللاجئين وما إلى ذلك إليها. هل تقوم الدول المجاورة بدورا مفيد هنا؟

أحمد رشيد: أعتقد أن الأمريكيين فقدوا فرصة حقيقية في وقت سابق. ولو كانوا أشركوا الأمم المتحدة لتجمع تحالفا من الدول المجاورة ثم مارسوا ضغطا مشتركا على طالبان، لكنا رأينا نتيجة مختلفة عما نراه الآن. وما نحتاج إليه هو وحدة أكبر بكثير في المجتمع الدولي.

نيسيد هاجاري: هل يمكن للصينيين أن يتوقعوا أن يوفر نظام طالبان ما يكفي من الاستقرار بحيث يمكنهم الاستفادة من التنمية والتعدين؟

أحمد رشيد: حسنا، لقد خرجت طالبان عن طريقها لطمأنة الصينيين. وأعتقد أن طالبان ستكون أكثر من مستعدة لتيسير استكشاف واستغلال الصين لمعادن أفغانستان.

نيسيد هاجاري: ما مدى تأثير باكستان على هذه النسخة الجديدة من طالبان مقارنة بما كانت عليه قبل 20 عاما؟

أحمد رشيد: إنه نوع مختلف من التأثير. فقبل عشرين عاما، كانت باكستان تقدم المال أو الأسلحة أو الذخيرة أو الغذاء، وكانت تدعم حركة طالبان وتمدها بالكامل في هجماتها في جميع أنحاء أفغانستان. لا أعتقد أن هذا هو الحال الآن، ولكن هناك تأثير هائل لأن طالبان، ببساطة، تقع في باكستان. فأسرهم، ولجان القيادة، ودخولهم كلها تركز على القيادة القائمة في باكستان.

نيسيد هاجاري: لقد كنت تغطي الموضوع لعقود حتى الآن. ما هو شعورك الشخصي حول ما حدث في أفغانستان؟

أحمد رشيد: إنني في غاية الإحباط وأنا أخبرك بالحقيقة. كنت هناك أغطي الغزو السوفيتي والانسحاب وانهيار الحكومة وتليها الحرب الأهلية. هذا تكرار لتكرار التكرار. وفي منتصف هذا، بالطبع، الشعب الأفغاني، الذي لا يريد غالبيته عودة طالبان ولا يريدون أي نوع من النظام السياسي المتطرف الذي سيقيد حرياتهم الأساسية في التعليم والوظائف وأشياء من هذا القبيل. لقد كان من المحبط للغاية أن نرى أفغانستان تتراجع هكذا، والمجتمع الدولي يرتكب الكثير من الأخطاء مرة أخرى.

(د ب أ)